العودة الى الصفحة السابقة
يايرس

يايرس

مرقس (5 :21 – 24 و35 – 43)

جون نور


«21 وَلَمَّا اجْتَازَ يَسُوعُ فِي السَّفِينَةِ أَيْضًا إِلَى الْعَبْرِ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ عِنْدَ الْبَحْرِ. 22 وَإِذَا وَاحِدٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَجْمَعِ اسْمُهُ يَايِرُسُ جَاءَ. وَلَمَّا رَآهُ خَرَّ عِنْدَ قَدَمَيْهِ، 23 وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا قَائِلاً: «ابْنَتِي الصَّغِيرَةُ عَلَى آخِرِ نَسَمَةٍ. لَيْتَكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا لِتُشْفَى فَتَحْيَا!». 24 فَمَضَى مَعَهُ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَكَانُوا يَزْحَمُونَهُ».

«35 وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ جَاءُوا مِنْ دَارِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ قَائِلِينَ: «ابْنَتُكَ مَاتَتْ. لِمَاذَا تُتْعِبُ الْمُعَلِّمَ بَعْدُ؟» 36 فَسَمِعَ يَسُوعُ لِوَقْتِهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي قِيلَتْ، فَقَالَ لِرَئِيسِ الْمَجْمَعِ: «لاَ تَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ». 37 وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَتْبَعُهُ إِلاَّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ، وَيُوحَنَّا أَخَا يَعْقُوبَ. 38 فَجَاءَ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ وَرَأَى ضَجِيجًا. يَبْكُونَ وَيُوَلْوِلُونَ كَثِيرًا. 39 فَدَخَلَ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تَضِجُّونَ وَتَبْكُونَ؟ لَمْ تَمُتِ الصَّبِيَّةُ لكِنَّهَا نَائِمَةٌ». 40 فَضَحِكُوا عَلَيْهِ. أَمَّا هُوَ فَأَخْرَجَ الْجَمِيعَ، وَأَخَذَ أَبَا الصَّبِيَّةِ وَأُمَّهَا وَالَّذِينَ مَعَهُ وَدَخَلَ حَيْثُ كَانَتِ الصَّبِيَّةُ مُضْطَجِعَةً، 41 وَأَمْسَكَ بِيَدِ الصَّبِيَّةِ وَقَالَ لَهَا: «طَلِيثَا، قُومِي!». الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا صَبِيَّةُ، لَكِ أَقُولُ: قُومِي! 42 وَلِلْوَقْتِ قَامَتِ الصَّبِيَّةُ وَمَشَتْ، لأَنَّهَا كَانَتِ ابْنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. فَبُهِتُوا بَهَتًا عَظِيمًا. 43 فَأَوْصَاهُمْ كَثِيرًا أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ بِذلِكَ. وَقَالَ أَنْ تُعْطَى لِتَأْكُلَ».

سأتحدث في هذه الحلقة عن قصة يايرس وشفاء يسوع لابنته المريضة.

كان يايرس رئيساً للمجمع اليهودي. وهذا يعني أنه كان يحتل منصب المسؤولية والسلطان ولكن لم يكن لهذا المنصب أهمية ليايرس بالنسبة لحاجته التي دفعته ليجيء إلى يسوع.

كان لهذا الرجل ابنة وحيدة مشرفة على الموت وبالتاكيد كان وهو يتطلع إلى ابنته المريضة، يقف أمام الموت وجهاً لوجه. ولكنه لما جاء إلى يسوع وجد نفسه أمام الحياة وجهاً لوجه.

ونستنتج من العبارات التي استعملها البشيرون الثلاثة، أن الصبية وصلت إلى حالة تعجز أمامها كل مساعدة بشرية، كما يخبرنا لوقا أنها كانت وحيدة أبيها (لوقا 42:8). ونستطيع أن نتصور حالة أب له ابنة وحيدة مشرفة على الموت. تحت ضغط الحزن والأسى، وثقل الرعب والفزع، وجد يايرس طريقه إلى يسوع. وواضح أنه مع ضغط الحزن وثقل الرعب. فقد جاء إلى يسوع واثقاً. ولا شك أن يايرس لم يترك وسيلة إلا استخدمها، ولكن بدون جدوى، فإن الصبية تشرف على الموت، وتكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة.

لسنا في حاجة إلى الإشارة بأن يايرس عرف عن يسوع سابقاً. وربما رآه بنفسه يعمل العجائب. وبناء على ما عرف وسمع، وربما رأى أيضا، ذهب إلى يسوع، وذهب إليه واثقاً، لأنه قال له: « ابْنَتِي الآنَ مَاتَتْ، لكِنْ تَعَالَ وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهَا فَتَحْيَا» (متّى 18:9). وكان واثقاً من شيء واحد، فلو جاء يسوع ولمس ابنته، فلا بد أن يتم المراد. وإن كان يايرس لم يصل في سلمَّ الإيمان إلى الدرجة التي وصل إليها قائد المئة الذي طلب من يسوع ألا يتعب ويذهب إلى بيته، بل يقول كلمة فقط فيبرأ غلامه، فإن يايرس كان يعبِّر في كلامه ليسوع، عن لغة اليقين. فمع الظلام الحالك واليأس البالغ، جاء يايرس إلى يسوع وهو متيقن أنه يستطيع أن يعينه.

هذا عن يايرس وهو يقف أمام يسوع في عيادته – فكيف قابله يسوع وماذا فعل له وكيف عامله – هذا ما نجده في باقي القصة.

أول ما يسترعى نظرنا هو تلبية يسوع طلب يايرس في الحال، لأن توسلات قلب الوالد الحزين وصلت إلى قلب يسوع. وكانت النتيجة أن قام يسوع معه في الحال. والشيء الثاني أن الوضوح الذي وضع به يايرس حالة الصبية أمام يسوع، كان يستدعي تحاشي التأخير في الوصول إلى حيث كانت، والقيام بعمل سريع لشفائها.

ومع أن يسوع قام في الحال، وتبع الرجل، لكنه وقف فجأة في الطريق لأن نفساً تعسة محتاجة اقتربت منه، فوقف يسوع، لأن كل مكان هو عيادته مادامت هناك حاجة مخلصة إلى معونته. واستمع إلى قصة المرأة التي قابلها في الطريق ثم كلّمها كلمة العزاء ووهبها نعمة الشفاء. وانتظر يايرس، وهو أكثر ما يكون قلقاً على ابنته، وفي انتظاره رأى بعينيه ما فعل يسوع للمرأة المسكينة.

ثم تابع يسوع السير مع يايرس نحو بيته. وفجأة جاء رسول يقول: «لا تتعب المعلم قد ماتت ابنتك». ونستطيع أن نتصور يايرس ينظر إلى يسوع نظرة كلها عتاب لتأخره في الطريق، وهنا ينطق الطبيب القدير بكلمة بسيطة واضحة: «لاَ تَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ، فَهِيَ تُشْفَى» (لوقا 8: 50). وكانت هذه الكلمة كما قال الحكيم «تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ، كَلِمَةٌ مَقُولَةٌ فِي مَحَلِّهَا» (أمثال 25: 11).

وصل يسوع مع يايرس وبعض من تلاميذه إلى البيت. وكانت ابنته قد ماتت رأى يسوع الصبية المائتة، ولكنه أعلن فكره عن الحقيقة الواقعة فقال: «لَمْ تَمُتِ الصَّبِيَّةُ لكِنَّهَا نَائِمَةٌ».

وضحك الناس عليه لما سمعوا كلمته هذه. ونحن لا نستغرب ضحكهم لأنهم لم يفهموا قصده. وقام يسوع في جلال وهدوء وأخرج الجميع خارجاً بدون أن يجاوبهم أو يناقشهم، لأنه عرف جيداً أن كل محاولة بشرية لا تستطيع أن تعبر عن فكره هذا.

ولما رأى يسوع أن الجميع خرجوا ماعدا أبا الصبية وأمها والتلاميذ الثلاثة المقربين الذين رافقوه، انحنى على جثة الصبية ومدَّ يده وأمسك بتلك اليد الباردة ثم قال لها: «يَا صَبِيَّةُ. قُومِي!». وحسب رواية مرقس قال لها: «طَلِيثَا، قُومِي!». والكلمة «طليثا» آرامية، وتعني «الحمل الصغير». فهي كلمة المحبة المترفعة.

وهكذا نرى «الله الذي ظهر في الجسد» يمدُّ يده التي تحكم وتقود حركات العوالم كلها، ويضعها على يد الصبية ويدعوها «بالحمل الصغير» ثم ينطق بأمر السلطان «قومي». وتستمر القصة في عبارات جميلة: «فرجعت روحها» وفي الحال أطاعت أمره «ورجعت روحها». ثم قامت ومشت. ويقول لوقا الطبيب أن يسوع قال «أعطوها لتأكل». وبذلك يعلن أنه عادت إلى المستوى البشري الأرضي، وتحتاج إلى الإعالة والسند.

والدرس الرئيسي من هذه القصة نجده في كلمات يسوع ليايرس، وهو في أحلك الأوقات ظلاماً، عندما سمع أن وحيدته قد ماتت – قال له يسوع «لا تخف آمن فقط، تشفى» والإيمان لا يقتصر إلا إذا كان مسنداً إلى بعض الأسس. وأسس إيماننا بالمسيح الذي يقودنا إلى النصرة في الحياة، هي شخص المسيح نفسه – وقد كان يسير مع يايرس إلى بيته، وهو لا يزال معنا في الطريق يرافقنا جنباً إلى جنب، ويقول لنا على الدوام «لا تخف آمن فقط».