العودة الى الصفحة السابقة
ميلاد السيد المسيح

ميلاد السيد المسيح

«هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا» (2كورنثوس 5: 17)

جون نور


لقد دخل العالم قبل أكثر من ألفي سنة عهداً جديداً، ونال الناس بركات وميزات لا تُحصى عند تنفيذ الله تعالى خطة الخلاص التي رأينا بوادرها مع بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء مريم واتخاذ سيدنا يسوع المسيح من أحشائها جسداً بشرياً، أيضاً عند تقدمة الطفل يسوع إلى الهيكل كقول سمعان الشيخ: «الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ» (لوقا 2: 29 - 31)).

لقد انتظر الله جلّت قدرته آلاف السنين حتى وجد صبية بسيطة طاهرة ومتواضعة كالقديسة مريم العذراء. وجهّز العالم من كل النواحي السياسية والاجتماعية والدينية.. تمهيداً لتحقيق ميلاد السيد المسيح بالجسد ونشر البشارة الحية بين الناس ولإيفاء العدل الإلهي حقه نتيجة خطية آدم وحواء في جنة عدن التي كانت موجهة ضد الله تعالى فعوقبا بالموت مع كل ذريتهما ذلك لأن الجنس البشري كان في صلب آدم وحواء عندما ارتكبا الخطيئة فلو نجحا آنذاك لكان البشر جميعاً قد نجوا من الموت اللعين الذي جثم فوق صدر البشرية منذ ذلك الوقت وسيستمر كذلك حتى يوم القيامة.

لهذا تدخل الله تعالى لكي يحفظ ماء الوجه والكرامة للإنسان الذي خلقه رغم خطيئته. فعدالة الله تطلب الموت للإنسان الذي أخطأ ضد الله تعالى بينما رحمة الله تعالى دبرت خطة لخلاص البشرية من هذا الموت. هنا جاء دور السيد المسيح، كلمة الله التي تجسدت باتخاذها جسداً من السيدة العذراء لكي يموت بهذا الجسد وذلك لأن عقوبة الخطيئة هي الموت. وبقدرته الإلهية قام يسوع المسيح وأقام معه الجنس البشري من سقطته وأرجعنا ثانية إلى مكاننا الأول، فبعد أن كنا عبيداً لله تعالى أصبحنا في العهد الجديد أبناء الله وإخوة السيد المسيح وشركاء للروح القدس. وليس هذا فقط بل منحنا بركات ونعماً وميزات تفوق ما كان موجوداً في العهد القديم بكثير.

أما أهم ما ناله البشر من ميلاد السيد المسيح فهو:

1 - السلام والمصالحة: لقد صالح يسوع المسيح في يوم ميلاده السماء مع الأرض، ووطد العلاقة الطيبة والمصالحة بين الإنسان ونفسه وبين الإنسان وأخيه الإنسان وبين الإنسان والله وذلك بعد القطيعة والخصومة بين الإنسان وخالقه منذ طرد آدم وحواء من جنة عدن.

وأهم ما ناله البشر أيضا بميلاد المسيح:

2 - الخلاص: ففي ميلاد السيد المسيح له المجد خلصنا الله تعالى من خطيئة آدم وحواء وكذلك من الموت اللعين وحوله إلى جسر وواسطة ننتقل بها إلى حياة جديدة فبعد أن كان الموت نهاية أصبح بداية جديدة، كما قضى السيد المسيح على إبليس وقوّض سلطانه وكبله بأغلال، فلم يعد إبليس حراً كما كان في السابق عندما أغوى العالم كله في الضلال وإنما في العهد الجديد يعمل بسماح من الله كما يظهر ذلك في قصة أيوب البار.

3 - الفرح: في عيد الميلاد تهللت الملائكة وسبحت الله تعالى بالنشيد الخالد، «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لوقا 2: 14). فرح الرعاة عندما رأوا يسوع المسيح في مغارة بيت لحم بعد أن بشرهم الملائكة بهذا النبأ السار. وأيضاً فرح المجوس الذين جاءوا من بلاد فارس لرؤية الصبي يسوع حيث قدموا له هداياهم الثمينة ذهباً ولباناً ومراً معترفين به ملكاً ونبياً وأنه سيقبل الآلام من أجل خلاص البشرية. كما فرحت القديسة مريم العذراء ويوسف البار وغيرهم بهذه الولادة العجيبة وامتد هذا الفرح بعدئذ إلى كل المعمورة...

4 - المحبة: إن الله تعالى لمحبته الشديدة للناس شملهم برحمته الجزيلة وخلصهم من الخطيئة الأصلية كقوله: «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 16:3). فبعد أن كان الإنسان قديماً يحب أخاه وقريبه فقط، أصبح مع ميلاد السيد المسيح يحب جميع الناس كقوله تعالى: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ» (لوقا 6: 27 و28).

5 - التواضع: إن السيد المسيح خلال تجسده على الأرض لم يولد في قصور الملوك وإنما في مذود للحيوانات في مغارة بيت لحم لأن يوسف والعذراء مريم لم يجدا لهما مكاناً في فنادق المدينة ولا في بيوتها، وفي ذلك قال السيد المسيح: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (لوقا 58:9) لقد ترك السيد المسيح الأمجاد في السماء ووُلد كأي إنسان وشابهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة، فوُلد في بساطة وتواضع لكي يرفعنا إلى المجد بعد أن كان الكبرياء هو الذي أسقط إبليس وملائكته وأيضاً آدم وحواء.

وهكذا نرى أنه مع ميلاد السيد المسيح تمتع الناس بعهد جديد ملؤه الفرح الحقيقي والخلاص والسلام والمصالحة والمحبة والتواضع كقول الرسول بولس: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا» (2كورنثوس 17:5). نأمل أنه كما غفر الله تعالى خطايانا وسامحنا على كل شيء وبدأ معنا عهداً جديداً في عيد الميلاد المجيد أن نفعل نحن كذلك بان نغفر لبعضنا بعضاً ونسامح بعضنا ونتصالح معاً وننسى الماضي بسيئاته ومآسيه نبدأ معاً عهداً جديداً قائماً على أساس المحبة والسلام والمساواة والعدالة الاجتماعية والتعاون ومخافة الله تعالى وهكذا فقط يصير عيد الميلاد المجيد عيد ميلاد كل واحد منا.