العودة الى الصفحة السابقة
الرجل الذي صلب المسيح

الرجل الذي صلب المسيح

جون نور


إننا نعرف القليل عن هذا الرجل. فإن اسمه، بيته، عمره وجنسيته غير معروفة. إنه عضو مجهول نموذجي من أفراد العامة. نعلم أنه كان قائد مئة في جيش روما العظيم وأنه كان فعالاً في ولاية يهوذا عندما صلب المسيح. كان هو الرجل المسؤول عن الصلب. لقد صلب ابن الله وجلب على نفسه العار.

إنه من القادة الذين نجدهم مذكورين في الكتاب المقدس. فهنالك قائد حامية كفر ناحوم الذي كان إيمانه في المسيح محور تعليق يسوع نفسه. ثم هنالك كرنيليوس قائد الكتيبة الإيطالية، أول مسيحي أممي آمن على يد سمعان بطرس. هنالك أيضاً يوليوس من كتيبة أوغسطوس الذي أظهر لطفاً للغاية تجاه بولس.

إن الروح القدس يسدل الستار حول مشهد الصلب – فهو لا يصف التعليق الوحشي والفظيع بالمسامير لرجل على صليب. لقد كان منظراً مألوفاً للغاية. بوسع أي شخص ذي مخيلة ضئيلة أن يتخيل ما كان يحدث عادة، الشتائم والصيحات، من جهة الضحية المجاهدة والمخاصمة والمقاومة والمجدفة، من جهة أخرى المفوضون بتنفيذ الحكم القساة، وهم يغرزون مساميرهم الصدئة داخل اللحم الطري حتى الخشب المنحوت من الخلف. ثم الصوت المكتوم بينما يرفع الصليب ويسقط داخل حفرة في الأرض. والساعات الطويلة الرهيبة تحت وطأة الحر مرفقة بالسخريات البذيئة للجمهور الذي كان يتفرج ويلعن مستهزءاً!

هذا ما فعله العالم لابن الله. لقد صلبه العالم، ونفذ هذا الرجل حكم الصلب. لو أنك كنت قد سألته، لكان من المحتمل أن يجيبك، «إنه ليس ذنبي، أنا لست مسؤولاً عن هذا في الواقع أنا لم أصلبه، هؤلاء الرجال عملوا ذلك. إنني لست مذنباً مثل هؤلاء الكهنة الخصوم». لكن الحقيقة تبقى وهي أنه ساير الجمهور، وصلب ابن الله.

إننا نعيش في عصر أكثر تحضراً مما عاشه ذلك الجندي الروماني. لدينا كتاب مقدس مفتوح بين أيدينا. لدينا برهان تاريخي عن هذه الجريمة الشنيعة. ويحذرنا الكتاب المقدس ألا نهمل الخلاص الذي اشتراه لنا الله بواسطة موت ابنه (عبرانيين 3:2). لقد نفذ العالم حكمه. وأمامك عزيزي المستمع أن توافق على هذا الحكم أو أن تأخذ موقفاً ضده. علينا أن نواجه المفاهيم الضمنية الخطيرة بين كوننا ولدنا في عالم قد صلب ابن الله.

إن لصلب المسيح أهمية تتعدى الزمن. إنها تتطلب من كل إنسان مولود في هذا العالم الأثيم أن يأخذ موقفاً، إما مع أو ضد. الله سوف يدين كل إنسان في ضوء الجلجثة. أين تقف أنت؟ في شخص يسوع، أعد الله ونفذ زيارة شخصية لهذه الكرة. كان رد فعل العالم هو التخلص منه. وهذا هو موقف العالم اليوم. فلو استطاعوا لصلبوه ثانية. فما هو تجاوبك تجاهه؟

قال يسوع عن الذين صلبوه: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا 23: 34). لقد أدهشه وأربكه هذا القول وأقصد هنا الرجل الذي قام بعملية صلب المسيح. فمن خبرته، لم يتكلم أحد مثل هذا الإنسان. أي نوع من الناس كان هذا الإنسان؟ وعلى هذه الحال ظل ينظر ويصغي وأخذت شخصية يسوع تريه رذائله.

لقد أحس هذا القائد بأهمية آلام المسيح. لم يكن مجرد عذاب الصلب الجسدي. بلا شك أنه رأى ذلك مرات عديدة من قبل. كما لم تكن كراهية وحقد رؤساء إسرائيل والشعب، فإن هذا كان مألوفاً وقت الصلب إلا أنه لم يكن مركزاً بهذه الشدة. كان ذلك الظلام المخيف الذي غطى المشهد والساعات الثلاث الطوال التي روعته. كان منتصف النهار منتصف الليل الغريب. كانت تلك الصرخة الفظيعة التي تقشعر لها الأبدان بينما صرخ يسوع، «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (متّى 27: 46) هنا كان مقدار من الألم يفوق كل تصور بشري – أنزل على شخص مثل هذا – شخص طاهر ووديع وبلا دنس، منفصل عن الخطاة.

هكذا فكر قائد المئة بالمسيح وكلما فكر به أكثر ازداد إدراكه بفرادة يسوع. هذا كان شخص أكثر من مجرد إنسان وهو قد صلبه. لقد مشى مع الجمهور وصلب المسيح. هل فكرت بالمسيح وتأملت بما يعنيه موت المسيح بالنسبة لك؟

لقد صرخ اللصان المحتضران مع يسوع: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» (متّى 27: 40). سخر الكهنة: «إن كنت ابن الله فخلّص نفسك وإيانا» ابن الله، هذا ما كانه. «حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!» (متّى 27: 54)، قال قائد المئة أخيراً.

إنه يتكلم مرتين فقط وذلك كي يعترف بإيمانه بيسوع كرجل بار وكابن الله. بهذا الاعتراف البسيط خطا الخطوة التي وضعته في الجهة المخلصة من الصليب. سابقاً عندما تفوه بطرس باعتراف مشابه، «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ» (متّى 16: 16). قال له يسوع: «إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متّى 16: 17). «حقاً كان هذا رجلاً باراً»، قال منفذ الحكم الروماني.

وهكذا، فإن الرجل الذي كان قد صلب المسيح ثم فكر بالمسيح والآن اعترف به. بهذه الكلمات، كلماته الوحيدة التي سجلها الروح القدس، أظهر ذلك الرجل إن قلبه قد لمس وعينيه قد انفتحتا. وأصبح واحداً من القلائل الذين أتوا إلى الصليب وأخذوا موقفاً من المسيح.

واليوم، أنت تفعل أحد هذه الأمور الثلاثة:

(1) إما أنك تصلب المسيح، تمشي مع الجماهير وتأخذ موقفاً مع العالم، أو

(2) إنك تفكر بالمسيح، وتفكر بأهمية شخصه وآلامه وموته، أو

(3) إنك تعترف بالمسيح، لقد انفتحت عيناك ولمس قلبك وانحل لسانك لتعترف به كابن الله ومخلصاً ورباً شخصياً... بالصليب.

«وَأَمَّا قَائِدُ الْمِئَةِ وَالَّذِينَ مَعَهُ... خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا: حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!» (متّى 27: 54).