العودة الى الصفحة السابقة
إبراهيــم أبو المؤمـــنين

إبراهيــم أبو المؤمـــنين

جون نور


يُعتبر سيدنا إبراهيم أعظم رجال الإيمان، لقد شغل مكانة فريدة عند كل المؤمنين في العهدين القديم والجديد، بل كان له تقدير عظيم في قلب الله، إنه أول مَنْ سُرَّ أن يقرن اسمه به قائلاً: «أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ» (تكوين 24:26). وهو الشخص الوحيد الذي دعاه الله خليله (إشعياء 8:41؛ 2أخبار 7:20؛ يعقوب 23:2). وهو أول مَنْ قيل عنه إنه «آمن بالله» لذلك دُعي أيضاً «أبو المؤمنين».

ويُعتبر تاريخ إبراهيم تاريخاً عظيماً، فهو لم يبدأ بظهور إبراهيم، بل بظهور الرب، وأول صوت سُمع فيه لم يكن صوت إبراهيم، بل صوت الرب.

ومن المُفيد أن نأخذ فكرة عن المكان والجو العام الذي كان يعيش فيه إبراهيم مع عائلته قبل الدعوة التي دعاه الله إليها، لقد كان يعيش في أور الكلدانين . وهي كما نعرف منطقة موجودة في العراق.

في سن الخامسة والسبعين ارتحل إبراهيم وزوجته ساراي وابن أخيه لوط تلبية لدعوة الله إلى أرض كنعان، ولكنهم أتوا إلى حاران وأقاموا هناك . لم يكن لإبراهيم أولاد، ويبدو أنه كان مرتبطاً بعشيرته بأقوى الروابط الطبيعية، وكان عسيراً عليه أن يقطع هذه الروابط ويترك أعز الناس لديه، ويذهب إلى أرض لا يعرف عنها شيئاً. لكن الكتاب يقول:

«بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي» (عبرانيين 8:11). لقد سلك إبراهيم بالإيمان لا بالعيان، خرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي، فإن لم يكن قد رأى بعينيه، فقد آمن بقلبه، فأصبح الإيمان دافعاً له على المسير. فالأساس الذي يُبنى عليه الإيمان أفضل من الأساس المحسوس لأن الإيمان يُبني على كلمة الله. قد تخدعنا حواسنا، أما كلمة الله فلا تخدعنا البتة. وفي الواقع ما أحلى الطاعة ونتائجها، حتى لو لم يتفق الأمر مع طبيعتنا ورغباتنا!

وإذ أكرم إبراهيم الرب أكرمه الرب، وقال له في رؤيا: «للاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ (أنا). أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدًّا» (تكوين 1:15). بمعنى أنك ستصبح أغنى إنسان على الأرض. لكن ما قيمة كل هذا في نهاية المطاف لان إبراهيم كان عقيماً، لذلك قال له الرب: «الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ هُوَ يَرِثُكَ» (تكوين 4:15).

وبعد حوالي ثلاث عشرة سنة ظهر الرب لإبراهيم وأكدّ له الوعد، وأعطاه الختان علامة العهد، كما أعطاه الوعد بمولد إسحاق. وكان هذا الختان ختماً لبر الإيمان.

إن عظمة إبراهيم هنا تتجلى في أنه أدرك مَنْ هو الضيف الإلهي ورفقاؤه من الملائكة. لم يكن محتاجاً إلى مَنْ يعرّفه بهذا الضيف، وذلك لأنه اعتاد الوجود في حضرة الله.

لقد أعلن الرب لإبراهيم طرقه، وكشف له أفكاره، وتكلم إليه كما يكلم الصديق صديقه، فكشف له أسراراً، بخصوص مدينة وشعب لم تكن لإبراهيم أية خلطة معهم. لقد لُقِّب إبراهيم بتلك العلاقة «خليل الله».

وهكذا نحن أيضاً إن أردنا أن نعرف فكر الله عن هذا العالم، فعلينا أن ننفصل عنه، ونوجد في شركة مع الرب، وأن تكون كلمة الله هي المرجع الأساسي والوحيد لحياتنا وسلوكنا. بعد ذلك نأتي إلى امتحان إبراهيم، الله يعامل إبراهيم كأحد البنين (عبرانيين 7:12) وكان هذا الامتحان امتحانا للمحبة وللإيمان وللطاعة.

أراد الله أن يمتحن محبة إبراهيم، كان إبراهيم غنياً وعظيماً، لكن هذه كلها في نظره لا شيء بجانب إسحاق، كان إبراهيم يتطلع أن يكون له ابن، وقد جاء الابن في سن الشيخوخة بعد العُقم الطويل، فكان وحيداً وكان محبوباً جداً، لذا أراد الله أن يمتحن محبته، أيهما يحبه أكثر: إسحاق أم الله؟

شرع إبراهيم في تقديم ابنه ذبيحة، سار في طريق مشيئة الله، لم يعارض ولم يتضرع إلى الله لكي ينجو إسحاق، لم يبكِ ولم يَنُح. وصل إبراهيم إلى المكان الذي اختاره له الله، وهناك بني إبراهيم المذبح، وأخذ السكين ليذبح ابنه، وكان مزمعاً أن يذبحه فعلاً، هذا هو عمل الإيمان وتعب المحبة. لقد برهن عملياً أنه أحب الرب أكثر من إسحاق.

وأراد الله أن يمتحن إيمانه لأنه سبق ووعده أنه بإسحاق يكون له نسل، وأنه سيكون بركة لكل الأرض، ثم بعد ذلك يطلب منه أن يقدمه مُحرقة. ولقد ظهر إيمان إبراهيم في قوله لغلاميه: «اجْلِسَا أَنْتُمَا ههُنَا مَعَ الْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَالْغُلاَمُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ، ثُمَّ نَرْجعُ إِلَيْكُمَا» (تكوين 5:22). لم يكن إبراهيم يتكلم جُزافاً، إنه كان نبياً، ورأى إله القيامة من خلال ذلك المشهد العظيم، لذلك لم يتردد إطلاقاً أن يقدم إسحاق، مع أنه الابن الوحيد، لأنه آمن أن الله قادر على الإقامة من الأموات من هنا كان واثقاً أنه سيعود من جبل المريا ومعه إسحاق المقام.

وكان هذا أيضاً امتحاناً لطاعته: مكتوب عن إبراهيم أنه بكّر. لم يستشر سارة امرأته، ولم يتراجع في قراره أثناء مسيرة الثلاثة أيام. إن طاعة الله كانت عنده في المقام الأول. إن عمل الإيمان ظهر في حياة إبراهيم في ثلاث مناسبات على الأقل:

1- طاعة دعوة الله. لقد اتسم إيمانه من البداية بالطاعة (عبرانيين 8:11).

2- عاش غريباً في أرض الموعد، ساكناً في خيم دون أن يمتلك منزلاً.

3- قبل من الله تجربته في إسحاق ابن الموعد، ولم يتردد في تقديمه ذبيحة، لا شك كان له آلام داخلية من هول المنظر حيث كان مزمعاً أن يهوي بالسكين على فلذة كبده، لكن طاعة الرب كانت عنده في المقام الأول.

ليتنا نتمثل بإبراهيم أبي المؤمنين في كل مواقف حياته التي لمع فيها إيمانه، وأن نضع أمامنا شخص الرب يسوع المسيح، المثال الإلهي، موضوع السرور والرضا، رئيس الإيمان ومكمله، الذي قال مرة عن نفسه: «قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يوحنا 58:8).