العودة الى الصفحة السابقة
العشار الذي تَبع يَسوع

العشار الذي تَبع يَسوع

«فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ: لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ» (مُرقس 17:2)

جون نور


سأتكلم في هذه الحلقة عن أحد تلاميذ يسوع وهو متّى الرسول أو متّى البشير كاتب الإنجيل الأول في الكتاب المقدس.

كان لاوي بن حلفى وهو الاسم الآخر لمتّى من عَائِلة طَيّبة مُتديّنة. أو هذا على الأقّل ما استنتجه القوم من اسمه. كان من سبط لاوي سبط الكَهنة وخُدّام الهَيكَل.

وكان للاويين مقام ملحوظ. يقدم الناس لهم الإكرام والطاعة.. والمال. كانت حياتهم بالنسبة إلى الآخرين حياة لَيّنة. وقد اختار الله من مُدنهم سِت مُدن دُعيت مُدن المَلجأ يهرب إليها القَاتِل سَهوَاً. فلا يَقتله ولي الدم.

وكان يمكن أن يعيش لاوي ويموت كاهناً ابن كاهن. فيتمتّع بالاحترام والثروة لكنه لم يسلك السبيل المُعتاد. ونحن نراه على حين فجأة عَشّاراً فكيف صار اللاوي عشّاراً؟

ولئن كُنّا قد عَرفنا أن اللاوي ينتسب إلى السبط الذي يخدم في الهَيكل. فنحن لا نعرف ما هو العشّار إلاّ أن يكون السبط الذي يخدم الشيطان، لكن لا بأس من إلقاء النور قليلاً على هذه الفئة المكروهة التي ندعوها بالعشّارين!

احتلّت رومية بِلاد اليَهودِيّة مع ما احتلته من بِلاد أُخرى. ورتبت لها نِظاماً لجمع الضرائِب فقسمت البلاد إلى مَناطِق والمَناطِق إلى ما يُشبِه المُديريات والمُديريات إلى مَراكِز والمراكِز إلى مُدن صَغيرة وقُرى. ورتبت الضرائِب على البِلاد كُلّها وعيّنت لها المُوظّفين الكِبار وهؤلاء اختاروا مُوظّفين أقلّ منهم. وهُم رتَبوا مُوظّفين أقلّ وهَكذا.

كانت فِئة العَشّارين أحطّ فِئة في البِلاد. وسبب ذلك إن الدين كان يحرم مُعاونة الأجنبي المُحتلّ. كما كانت القوى الوطنيّة تنظر إلى الأجنبي كغاصِب. والعشّار وهو واحد من الشعب قد انحدر من دينه ومن وطنيّته إلى درجة خيانة الدين وخيانة الوطن وصدر الحِرمان على العَشّارين.. لا يجوز أن تَطأ أقدامهم بيت الله ولا تقبل صلواتهم.

وكانوا يلاقون من الاحتِقار ومن الهوان ما لا يُمكِن لإنسان له كَرامة أن يَقبله ونتج عن معاملة الناس لهم أنهم امتلأوا بالقساوة والظلم والسرقة مما جعلهم خليقين بكل ما يُلاقونه من معاملة سيئة.

كانوا يجمعون الضريبة الواحدة لا مرة واحدة ولا مرتين بل عدة مرات. وكانوا لا يجمعون الضريبة كما هي بل يزيدون عليها كما يشاءون. وكانوا يشغلون جند رومية وسجون رومية في تنفيذ أحكامهم. وما أكثر من ضُربوا وجُلِدوا وحُبِسوا بأمر العَشّارين.

وكان اليَهودي المُتديّن يعتبر رؤيته لعشار إثماً ولمسته لعشار جريمة. كان إذا رأى عشاراً يتحوّل إلى الجانب الآخر ويبصق.

لذلك لم يلتحق بتلك الخدمة إلا أحطّ الطَبقات اليَهودّية، الذين لا عائِلة لهم، نقصد لا عائلة ذات اسم. أو الذين ضاقت بهم سُبل العيش إلى أن هانت عليهم أنفسهم لكن لاوي لم يكن من عائِلة صَغيرة. فما الذي جَعله عَشّاراً؟؟ لا بُدّ أنه لاقى مأساة.

هل أتى لاوي أمراً شَائِناً فطردته عَائِلته، أو ارتكب جريمة استحقّ عليها السجن فارتمى في أحضان رومية.

لقد رأى أن يَقطع آخر رباط بينه وبين قومه فترك اسمه اليهودي لاوي. وأطلق على نفسه اسمه الروماني متّى. وهكذا فصل نفسه فصلاً تاماً عن عائِلته وقَومِه!

انشغل بجمع الثروة ووجد لذلك لذّة عَوّضته في أول الأمر عن وسطه وعَائِلته. ولكن ذلك لم يَدُم طَويلاً فقد بَدأ يحسّ بِالفَراغ يَملأ حَياته.. لقد فقد الحَنان من الجَميع والذي لم يعد يجده من أهله فقد نبذوه. ولا يجده من رؤساء الدين فقد أخرجوه خارجاً. ولا يجده في جمهور الشعب فقد أبغَضوه!!

عَلى أنه سمع في يوم مِن الأيّام عن رجل ظهر في الجَليل يَقول إن الله إله الجَميع. وإن العَشّارين والخُطاة لهم نَصيب عِندَه. وقد أخبروه أنه كان ينظر بعين مَليئة بالعطف إلى العَشّار المَسكين وإلى الخَاطِئ. وسأل عَن مَكان ذلك الرجل وذهب حيث وجده يَتحدّث إلى الجُمهور حَديثاً لم يسمع مِثله منذ نَشأ!!

َوما سمعه متّى من هذا المعلم جعله يواظِب على سماع ذلك المُعلّم الجَليلي وهو ينهل من ذلك المُعين الفِيّاض. فَتغيّرت حَياته تَغييراً شَامِلاً وظهر أثر ذلك التَغيير في مُعاملته. فقد كَفّ عن الظُلم، ولانت قَسمات قلبه ورقت كلماته. وأحسّ الناس أن عنصراً غريباً قد دخل في حياة متّى. ليس هذا هو متّى الذي عرفوه من قبل. إنه متّى آخر!!

وفي أحد الأيّام بَينَما كان متّى في مكتبه مَرّ بِه يسوع ووقف بجانبه قليلاً وقال له: «متّى! أنا أطلب منك أن تأتي معي وتُلازمني... اتبعني!»

رُبّما لم يُصدّق متّى أُذنيه في أول الأمر. ولكنه التفت إلى يسوع ووجده يَنظُر إليه بِعَطف. لقد قَرأ السيد قلب متّى وفِكره كما من كتاب مفتوح وأرسل إليه من عَينيّه عَطفاً دَافِقاً. فَقام متّى وسَلّم سِجّلاته وحِساباته لِزَميله وتَرك مكان الجَباية وتَبع يسوع!! كان قُبول متّى لِلدَعوة مُجازفة منه إذ خسر تَقريباً كُل شَيء.

كان متّى يحمل قبل أن يعرف المسيح سجلاً بَغيضاً هو سجل الضرائِب المَطلوبة. كان الناس يضطرّبون حينما يرون مَتّى يمسك كِتابه. ولكنه بعد أن عرف المسيح تغيّر كِتابه وأصبَح يُمسِك بِيَدِه كِتاباً آخر هو بِشارِة مَتّى.. وأصبَحَ الناس يَتطلّعون بابتِهاج مُنقطع النظير إلى تِلكَ البِشارة الجَميلة «بِشارِة مَتّى».

لم يعد متّى إلى اسمه القديم لاوي بن حلفى بل أبقى اسمه الروماني متّى. على أن اسمه اقترن بكلمة أخرى فإنه يُدعى الآن «متّى البشير» وتُضيف بَعض الكَنائِس «مُعلّمنا متّى البَشير بَركاتِه عَلى جَميعنا آمين»!

أترى عزيزي المستمع المسيح يستطيع أن يغيّر أقسى الخطاة وأعتاهم وهو قادر أن يغيّر حياتك مهما كان ماضيك دع يسوع يدخل حياتك وأعطه أن يستلم دفة حياتك ليجري تغييراً جذرياً أنت تشتاق بل تتوق إليه.