العودة الى الصفحة السابقة
يوحنا المعمدان - الجزء الأول

يوحنا المعمدان - الجزء الأول

«كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. هذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ» (يوحنا1: 6 - 7).

جون نور


اسمه يوحنا وقد ولدته أمه في شيخوختها وكانت ولادته حديث الشعب لما لازمها من غرائب. على أننا لن نتأخر لنشاهد الولادة والطفولة لأننا سنرى «رجلنا» شاباً مكتمل القوة في الثلاثين من عمره. وهو قد علم من أمه أنه قد دُعي من قبل أن يولد ليعد الطريق للملك الآتي. وفي الثلاثين جاءته الدعوة واضحة فترك بيت أبيه وبدأ خدمته المجيدة.

وقد كان يوحنا كارزاً عجيباً.

كان غيره من معلمي اليهود يتجهون في خدمتهم إلى الهيكل أو المجمع الكبير في أورشليم. أما هو فترك المدينة وذهب إلى البرية القريبة. ومن العجب أن الجماهير تبعته هناك تسمع كلامه. وقد ثار وعاظ اليهودية كيف يتركهم الجمهور ويتبعون كارز البرية – وربما تساءلوا لماذا فعل الجمهور ذلك. أما نحن فنعرف أن الرجل كانت عنده رسالة أما هم فكان عندهم كلام. والناس في حاجة إلى رسالة لا إلى مجرد كلام.

كان رؤساء اليهود عبيداً للمال وكانوا طلاب مكان فكانوا يلبسون الحرير ويأكلون أطيب الطعام ويسيرون في الطرقات ينتظرون التحيات. أما الكارز الجديد فكان يلبس ثوباً خشناً من وبر الإبل ويتمنطق بمنطقة من جلد على حقويه وكان طعامه جراداً وعسلاً برياً وهو طعام فقراء سكان البادية. ولم يقم في قصر ولم يكن له خدم ولم يسعَ لجاه!!

ولكنه كان ذا شخصية قوية خشعت أمامها الجماهير بل خشع أمامها الرؤساء!

كانت حياته وكلامه متفقين أما رسالته فقد كانت: «تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ» (متّى 4: 17). وأقبلت إليه الجماهير معترفة بخطاياها وطلبوا أن يعتمدوا منه لم تكن المعمودية غريبة على الجمهور كانوا يعرفون الكثير عنها فقد كان الأممي إذا أراد أن يدخل الدين اليهودي يجتاز في غسلات ترافقها صلوات يخرج بعدها يهودياً يعبد إله اليهود.

واليهودي مع عدم حاجته إلى هذه المعمودية إذ هو ابن إبراهيم كان محتاجاً إلى معموديات أخرى فكان يغسل يديه ورجليه وجسمه كلما عاد من الخارج تطهيراً لنفسه من أدران السوق وآثام الطريق. وكل من يشتري من السوق كان لا بد وأن يجتاز المعمودية ليتطهر من النجاسات. وجاء يوحنا يكرز بالمعمودية ولكنها لم تكن المعمودية القديمة كان يكرز بمعمودية جديدة أعلن فيها أن الجميع خطاة! والجميع يحتاجون إلى توبة! والجميع يلزم أن يعتمدوا! الأمم يلزم أن يعتمدوا! واليهود يلزم أن يعتمدوا! فلما أقبل الجموع ليعتمدوا منه قال لهم: «يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟ فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. ولاَ تَبْتَدِئُوا تَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْرَاهِيمَ. وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ» (لوقا 3: 7 - 9).

واضطرب الجمهور من الكلمات الشديدة التي لم يسبق لهم أن سمعوا نظيرها والتي كانت تلمس قلوبهم وسألوه ماذا نعمل؟ وكان جوابه أعجب جواب سمعوه: «مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هكَذَا!» (لوقا 3: 11).

هذه هي الديانة كما وصفها يوحنا للجموع. ديانة بسيطة خالية من التعقيد. ليس فيها ناموس ولا تقليد ولا وصايا ولا فتاوِي. الديانة عند يوحنا كانت مشاركة الفقير في الكساء ومشاركته في الغذاء. «مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هكَذَا!».

تُرى هل قبل الجموع هذا الدين الجديد؟ لقد كانوا يظنون أن الدين هو صلوات وصيامات... وتقدمات وقرابين. ولكن النبي الجديد يقول إن الدين شيء آخر. يقول أنه أخوَّة إنسانية حقيقية!! لا شك أن البعض قبل الدين الجديد والبعض تململ وهو يسمع نصوصه وقامت في صدره حروب ومعارك والبعض مضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة!!

وتقدم خلف الجموع جماعة من العشارين، وهم الفئة المنبوذة التي لفظها المجتمع، تقدموا إلى النبي الجديد مترددين يسألون ما إذا كان للعشارين رجاء، وماذا نفعل نحن؟ وهوذا النبي ينظر إليهم بعطف وكأنه يقول نعم لكم رجاء فأنتم أفراد تلك الأسرة الكبيرة التي الله لها آب. نعم لكم رجاء. وليس عليكم أن تتركوا عملكم. كلا. لا تتركوه فقط لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم.

وآخر الكل تقدم جنود ليعتمدوا. كان الجنود جماعة قاسية ظالمة خشنة وكان اليهود يكرهون الجنود ولكن يوحنا أعلن لهم دينه الجديد في كلمات قليلة: «لاَ تَظْلِمُوا أَحَدًا، وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ، وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ» (لوقا 3: 14) وإذا لخصنا كل ما قاله يوحنا عن دينه الجديد وجدناه يتضمن أموراً حرية بالتأمل. فهو دين العودة إلى الله بالتوبة والاعتراف وهو دين الحياة التي تتفق مع المكان الجديد العائد هو دين يكشف للمرء حقيقته كخاطئ فيندم ويترك خطيته.

هوذا رجال الإصلاح منذ فجر التاريخ يحاولون أن يصلوا إلى رفع المجتمع بشتى الطرق ولكنهم يتركون المادة الأولى من دين يوحنا. لا يمكن أن تقوم أخوة إنسانية إلا بعد قيام بنوّة إلهية ولا يمكن قيام إصلاح اجتماعي إلا على أساس إصلاح خلقي ولن يقوم إصلاح خلقي إلا على أساس إصلاح ديني!!