العودة الى الصفحة السابقة
إشباع يسوع للجموع

إشباع يسوع للجموع

جون نور


في هذه الحلقة من أسماء وأحداث سوف أتحدث لكم عن قصة إشباع يسوع للجموع التي تبعته تقول القصة أنه «1 ففِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ كَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا جِدًّا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ، دَعَا يَسُوعُ تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ: 2 «إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّ الآنَ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. 3 وَإِنْ صَرَفْتُهُمْ إِلَى بُيُوتِهِمْ صَائِمِينَ يُخَوِّرُونَ فِي الطَّرِيقِ، لأَنَّ قَوْمًا مِنْهُمْ جَاءُوا مِنْ بَعِيدٍ». 4 فَأَجَابَهُ تَلاَمِيذُهُ: «مِنْ أَيْنَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُشْبِعَ هؤُلاَءِ خُبْزًا هُنَا فِي الْبَرِّيَّةِ؟» 5 فَسَأَلَهُمْ: «كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟» فَقَالُوا: «سَبْعَةٌ». 6 فَأَمَرَ الْجَمْعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الأَرْضِ، وَأَخَذَ السَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَشَكَرَ وَكَسَرَ وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا، فَقَدَّمُوا إِلَى الْجَمْعِ. فَأَمَرَ الْجَمْعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الأَرْضِ، وَأَخَذَ السَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَشَكَرَ وَكَسَرَ وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا، فَقَدَّمُوا إِلَى الْجَمْعِ. 7 وَكَانَ مَعَهُمْ قَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ، فَبَارَكَ وَقَالَ أَنْ يُقَدِّمُوا هذِهِ أَيْضًا. 8 فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا فَضَلاَتِ الْكِسَرِ: سَبْعَةَ سِلاَل. 9 وَكَانَ الآكِلُونَ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ. ثُمَّ صَرَفَهُمْ. 10 وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ السَّفِينَةَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَاءَ إِلَى نَوَاحِي دَلْمَانُوثَةَ» (مرقس 1:8 – 10).

اعتقد البعض أن هذه المعجزة ومعجزة إشباع الجموع بالخمس أرغفة والسمكتين المذكورة في إنجيل (يوحنا 1:6 – 15) هما معجزة واحدة، وهذا غير صحيح، فالمقارنة بين الاثنين توضح أنهما معجزتان وليس معجزة واحدة.

المعجزة الأولى كانت بخمس أرغفة وسمكتين بينما هذه المعجزة كانت بسبعة أرغفة وقليل من صغار السمك. وقد دوّنت المعجزة الأولى في الأناجيل الأربعة بينما هذه المعجزة دوّنت في متّى ومرقس فقط. وحدثت المعجزة الأولى في الجليل بالقرب من بيت صيدا وكان قادة اليهود من الحاضرين، أما المعجزة الثانية فكانت بالقرب من ديابوليس وكان معظم الحضور من الأمم. في المعجزة الأولى كانت الجموع مع يسوع ليوم واحد بينما في الثانية كانوا معه ثلاثة أيّام. واختلفت المعجزتان أيضاً في النتيجة، لقد رفعوا أثنى عشر قفة من الكسر بعدما أكل الجميع وشبعوا، بينما ما فضل عن المعجزة الثانية سبعة سلال.

على أي حال تقدم لنا هذه المعجزة فرصة أخرى لنرى حنان وشفقة يسوع على الجموع لئلا يخوروا في الطريق. وإذ أعلن أمام التلاميذ مشاعره نحو الجموع ورغبته في إطعامهم، تقدموا إليه بسؤالهم.

كان السؤال: من أين يستطيع أحد أن يشبع هؤلاء خبزاً في البرية؟ بسبب صيغة السؤال رأى البعض أن هذه القصة هي نفس قصة الخمس خبزات، وتساءلوا كيف يقول التلاميذ ذلك بعد أن عمل يسوع أمامهم معجزة الخمس أرغفة والسمكتين؟

على أن سؤال التلاميذ كان يعني استحالة تدبير الأمر وإشباع هذه الجموع...!! ونحن نتساءل: لماذا؟ لماذا لم يكن للتلاميذ إيمانٌ بأن يسوع قادر أن يفعل هذا؟ هل لأنهم في برية؟ وبالتالي، ومن الناحية البشرية، يستحيل أن يستطيع أحد أن يشبع هؤلاء خبزاً. والتلاميذ في هذا يكررون خطية أجدادهم الذين: «جَرَّبُوا اللهَ... قَالُوا: «هَلْ يَقْدِرُ اللهُ أَنْ يُرَتِّبَ مَائِدَةً فِي الْبَرِّيَّةِ؟ هُوَذَا ضَرَبَ الصَّخْرَةَ فَجَرَتِ الْمِيَاهُ وَفَاضَتِ الأَوْدِيَةُ. هَلْ يَقْدِرُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا، أَوْ يُهَيِّئَ لَحْمًا لِشَعْبِهِ؟» (مزمور 78: 18 - 20).

يبدو أن التلاميذ أيضاً بسؤالهم كانوا يفكرون في الإمكانيات البشرية «من أين يستطيع أحد أن يشبع هؤلاء؟» فمن من البشر لديه الإمكانيات أن يطعم هذا الجمع الغفير؟ وهذا منطق طبيعي، فعند الناس غير مستطاع أما عند الله فكل شيء مستطاع. ثم إن صيغة السؤال في (متّى 33:15) «مِنْ أَيْنَ لَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ خُبْزٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، حَتَّى يُشْبِعَ جَمْعًا هذَا عَدَدُهُ؟» هذا السؤال يظهر عدم إيمان التلاميذ وعدم فهمهم. لم يفهموا أن أمراً هكذا أكبر من قدراتهم هم، ولم يؤمنوا أن الرب الذي معهم والذي أجرى من قبل معجزة شبيهة وأشبع الجموع هو بنفسه معهم ويستطيع في البرية أن يشبع هذه الجماهير.

أجاب المسيح على سؤالهم بسؤال: كم عندكم من الخبز؟ فالمسيح لم يضيع وقته في جدل وحوار مع التلاميذ غير المؤمنين، بل كان شغله الشاغل إشباع الجموع وتسديد احتياجهم. وهو هنا لا يسأل بسبب عدم علمه، بل لينبههم لقلة الطعام الموجود بالنسبة لكثرة الجموع الجائعة. وهكذا رأى يسوع أن الوقت هو وقت للعمل والإنجاز. ومشغولية المسيح باحتياجات الناس الزمنية أمر مذهل ومثير للعجب. أفلا يكفي أن يعلم الجموع ويعمل المعجزات بينهم، ويهتم بالروح؟ وهل لديه وقت للاهتمام بالجسد. إن يسوع يهتم بما سيحدث لهم عند رجوعهم في الطريق. وإن كان يشبعهم بالكلمة المقدسة، فإشباعهم بالخبز لا يقل عنده في الأهمية عن إشباعهم بالكلمة.

وعندما أجابوه بأنه يوجد سبعة من الخبز، أمر الجمع أن يتكئوا على الأرض وفي هذا يضع الرب تحدياً أمام التلاميذ، الذين بسؤالهم أرادوا أن يلقوا بالمسؤولية عن أكتافهم، كأنهم حيث تعودوا في أعيادهم أن يشاركوا بالقليل الذي يملكونه، حيث كان الناس يحاولون أن يساعدوا بعضهم بعضاً، حتى الشخص الفقير فإنه يتقاسم ما عنده مع شخص آخر أكثر منه فقراً وأشد احتياجاً. ومثلما فعل يسوع من قبل أخذ الخبزات وشكر وكسر وأعطى التلاميذ ليقدموا للجمع.

أراد يسوع أن يقدم لنا درساً في أن نشارك الآخرين في ما أعطانا إياه إلهنا من طعام مادي وروحي وأن إشباعنا بالجسد لا يقل أهمية عن إشباعنا بكلمته المقدسة.