العودة الى الصفحة السابقة
يونان - الجزء الثاني

يونان - الجزء الثاني

جون نور


موضوع حديثنا في هذه الحلقة من أسماء وأحداث في الكتاب المقدس مرة أخرى عن الاسم الذي جاء ذكره في العهد القديم ألا وهو يونان النبي.

يبدو لي عندما أنظر إلى قصة يونان أنه كثيراً ما ينظر الناس إلى الحوت العظيم لدرجة أنهم لا يرون الإله العظيم! ففي هذه القصة بصفة خاصة نوجه كل انتباهنا للحوت العظيم علماً أن الهدف من وراء قصة يونان هو أن نوجه انتباهنا إلى الله العظيم الذي ظهر لنا من خلال إلهام الروح القدس، فيجب أن نركز انتباهنا عليه! وبالطبع عندما نتأمل في يونان تواجهنا أشياء مؤثرة، ومن أكثر تلك الأشياء المؤثرة في أذهان الكثير من الناس هو هذا الأمر الذي أصدره الله للحوت العظيم، فقد قال الكتاب المقدس أن الله أعد حوتاً، يقول الناس: «هل تريدون فعلاً أن نصدق أن الحوت ابتلع يونان وأنه بقي ثلاثة أيام وثلاثة ليالي في بطن الحوت؟».

عندما أنظر إلى صورة الله في هذه القصة يتضح لي أن الجانب الذي يهتم به الكاتب في شخصية الله أكثر من أي شيء آخر هو لطف الله، فيدعو الله يونان النبي ويقول له: «قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي» (يونان 2:1).

يظهر لطف الله أيضاً من خلال اهتمامه بشعب فاسد، فقد وصف الكتاب شعب نينوى بأن شروره قد صعدت أمام الرب، ويقرر الرب أنه يجب مواجهة هذا الشر.

يظهر لطف الله من خلال رغبته في الوصول إلى شعب حيث يذهب إليهم أينما هم، يونان أخبره الرب أن يذهب إلى قلب نينوى ويقف هناك ويعظ عن خطايا الشعب.

ماذا حدث بعد ذلك؟ بعدما دعا الله يونان وأمره بالذهاب إلى نينوى ذهب ليتخذ سفينة متجهة إلى وجهة عكسية تماماً! فقد ذهب إلى ترشيش متجهاً نحو الحافة الغربية من البحر المتوسط وهو أبعد مكان يعرفه عن نينوى، أن هذا النبي اتجه في الاتجاه المعاكس لذلك الذي أخبره الله أن يذهب فيه.

لكن لاحظ كيف أن الله يهتم بيونان حتى يظهر لطفه لشعب نينوى، فقد ظل وراء هذا النبي العاصي، ولم يدعه يذهب وحسب، فقد جمع الله قائمة بكل القوى الطبيعية ليغير اتجاه يونان وبالتالي يظهر أنه مستعد أن يأتي بكل الموارد الطبيعية المتاحة من أجل حياة إنسان.

إلى أي حد يمكن أن يكون الله رؤوف؟ فقد أتى بعاصفة للمكان الذي فيه السفينة حتى يعود يونان إلى صوابه، ويمكننا أن نستخدم تعبير أن الله مستعد أن يحرك السماء والأرض لكي يصل برسالته لهؤلاء الذين أداروا ظهورهم له.

لاحظ أيضاً أن لطف الله أحاط بيونان وسط الوثنيين، فقد كان هؤلاء الناس الذين يتولون قيادة السفينة لديهم رؤية وحساسية شديدة، فكم كانوا لطفاء مع هذا الرجل الذي أتى عليهم بكل تلك المشكلات، وأظهروا انفتاحاً ملحوظاً على إله يونان، فبعدما انهو ما شعروا أنه يجب عليهم أن يفعلوه، يخبرنا الكتاب المقدس فيقول: «فَخَافَ الرِّجَالُ مِنَ الرَّبِّ خَوْفًا عَظِيمًا» (آية 16) «وَذَبَحُوا ذَبِيحَةً لِلرَّبِّ وَنَذَرُوا نُذُورًا».

لاحظوا هذا في الله، فعندما نكون بعيدين عنه جداً، تتعقبنا السماء، فكثيراً ما نرغب في أن يتركنا الله وشأننا، ولكنه في محبته يرفض أن يفعل هذا.

يظهر اهتمام الله بيونان ودعوته له عن لطفه، فعندما كان يونان على حافة السفينة على وشك أن يلقى به البحارة في المياه، أعد الله وسيلة انتقال متميزة لكي يأخذها، فحتى في وسط عصيان يونان استمر الله في رعايته لهذا النبي، لهذا أرى أن موضوع سفر يونان هو «لطف الله».

نرى إصرار الله المستمر باهتمامه بمدينة نينوى العظيمة، ولاحظوا أن يونان في النهاية وافق بغضاضة أن يذهب: «فَقَامَ يُونَانُ وَذَهَبَ إِلَى نِينَوَى بِحَسَبِ قَوْلِ الرَّبِّ. أَمَّا نِينَوَى فَكَانَتْ مَدِينَةً عَظِيمَةً ِللهِ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. فَابْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَنَادَى وَقَالَ: «بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى» (يونان 3: 3 و4).

«فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِاللهِ» (يونان 3: 5) ولكن كيف نعرف أنهم آمنوا بالله؟ لأنهم «وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. وَبَلَغَ الأَمْرُ مَلِكَ نِينَوَى، فَقَامَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُ، وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَجَلَسَ عَلَى الرَّمَادِ. وَنُودِيَ وَقِيلَ فِي نِينَوَى عَنْ أَمْرِ الْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ قَائِلاً: «لاَ تَذُقِ النَّاسُ وَلاَ الْبَهَائِمُ وَلاَ الْبَقَرُ وَلاَ الْغَنَمُ شَيْئًا. لاَ تَرْعَ وَلاَ تَشْرَبْ مَاءً. وَلْيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ، وَيَصْرُخُوا إِلَى اللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ وَعَنِ الظُّلْمِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، لَعَلَّ اللهَ يَعُودُ وَيَنْدَمُ وَيَرْجعُ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ فَلاَ نَهْلِكَ» (يونان 3: 5 - 9).

سمع الناس عن الله وآمنوا به، ورجعوا إلى الرب وأعلنوا عن عمق ندمهم واعترفوا بخطاياهم، ونادوا بصوم لا لأنفسهم فقط بل للحيوانات أيضاً، ونزعوا عنهم ملابسهم المزخرفة الجميلة وارتدوا مسوحاً تعكس عمق توبتهم عن خطيتهم، واتجه أهل نينوى للصلاة وطلب الجميع أن يدعو الرب.

يجب أن ينعكس لطف الله على شعبه، فلا حدود للطف الله، وهذا واضح من الحقائق الخاصة بنعمة الله وصلاحه ولطفه، فقد جاز يسوع في الموت لمدة ثلاث أيام وثلاث ليالي مثلما قضى يونان ثلاثة أيام وليالي في بطن الحوت، وقد كانت هذه علامة على أنه مثلما رجع يونان من الأموات فأن ربنا يسوع سيجتاز الموت وسيرجع نيابة عنا، فإن شككنا في لطف الله يجب أن ننظر ببساطة للصليب، وإن شككنا في نعمة الله فيجب أن ننظر للجلجثة، وأتساءل إن كان من الممكن أن نظهر افتقارنا للحنان واللطف لعالمنا مثلما فعل يونان، فيجب أن نسأل الرب أن يساعدنا لكي نراجع اتجاهاتنا ومواقفنا ونمتحن قلوبنا لنرى إن كان بها شراً.