العودة الى الصفحة السابقة
الوصية الثانية

الوصية الثانية

جون نور


«لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ» (خروج 4:20 – 6).

تبين الوصية الأولى موضوع العبادة الوحيد الصحيح، وتحدثنا هذه الوصية عن الطريقة السليمة للعبادة. توصينا الوصية الأولى بعبادة الله وحده، وتوصينا هذه الوصية بالتقديس والروحانية عندما نقترب من الله. تستبعد الوصية الأولى الآلهة الكاذبة، وتنهى هذه الوصية عن الأشكال الكاذبة. إنها تتصل بصفة خاصة بمظاهر العبادة التي ليست إلا تعبيراً عما في القلب.

فالشيطان يحاول أن يبعدنا عن عبادة الله العبادة المستقيمة. وعن أن نقدمه على كل شيء. إذا ما سمحت لتمثال، مصنوع بيد إنسان، أن يدخل إلى قلبي، ويحتل مكان الله الخالق، فإن هذه خطية. أعتقد بأن الشيطان يريدنا أن نعبد أي شيء، مهما كان مقدساً، إن كنا فقط لا نعبد الله نفسه.

لن تجد موضعاً في الكتاب المقدس سمح فيه للإنسان بعبادة أي إله سوى إله السماء يسوع المسيح إبنه لا يجوز أن تقدم العبادة لأي شيء أو لأي شخص. ومع ذلك فهنالك الكثيرون الذين يفعلون هذا.«لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي»،«لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا... لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ».

يريدنا الله أن نعبده هو وحده. وإن كنا لا نعتقد بان يسوع المسيح هو الله الذي «ظهر في الجسد» فيجب أن لا نعبده إنني لا أشك في لاهوت المسيح كما لا أشك في وجودي.

وهنا يبرز هذا السؤال: هل تعني هذه الوصية تحريم عمل صورة لأي من المخلوقات على الإطلاق؟ أعتقد أن الله يعني بها تحريم التماثيل والصور التي يصنعها الناس ليعبدونها. «لاَ تَصْنَعْ لَكَ... لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ».

إنني أعتقد أن هذه الوصية هي دعوة للعبادة الروحية. إنها تتفق مع تصريح المسيح للمرأة السامرية: «اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 24:4).

هذا أمر عسير على البشر أن يتمموه فالناس يميلون إلى الأشياء الملموسة، التي يستطيعون أن يروها: إن الحياة بالإحساس أيسر من الحياة بالروح.

ينبغي أن لا تعيقنا التماثيل أو الصور أو أي شيء آخر عن عبادة الله بالروح والحق. الله يحزن عندما نكون غير أمناء من نحوه. الله محبة، وهو يتألم عندما تتحول محبتنا وعواطفنا إلى أي شيء آخر، والقصاص المقترن بهذه الوصية يعلمنا بان الإنسان يجب أن يحصد ما يزرع، خيراً كان أم شراً. وليس ذلك فقط، بل يجب أن أولاده يحصدون معه أيضاً. لاحظ بأن هذا القصاص يشمل «الجيل الثالث والرابع»، أما الإحسان فإنه يصنع إلى «ألوف».

إن عمل صورة أو تمثال لله لعبادته يحقر من تفكيرنا فيه. إنه يربطنا بفكرة واحدة عنه، مع أننا ينبغي أن ننمو في النعمة وفي المعرفة. إنه يجعل الله محدوداً، وينزل به إلى مستوانا. لقد سخر إشعياء جداً بحماقة صانعي الأصنام، بالحداد الذي صور آلهة بالقدوم وبالمطرقة، وسخر بالنجار الذي أخذ شجرة وخصص جزءاً منها ليشعل فيه ناراً يتدفأ بها ويشوي لحماً، «وَبَقِيَّتُهُ قَدْ صَنَعَهَا إِلهًا، صَنَمًا لِنَفْسِهِ! يَخُرُّ لَهُ وَيَسْجُدُ، وَيُصَلِّي إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «نَجِّنِي لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهِي».. قَلْبٌ مَخْدُوعٌ قَدْ أَضَلَّهُ» (إشعياء 12:44 – 20).

إن اصل كل عبادة وثنية هو ميل القلب البشري لتمثيل الله بشيء يتفق مع حواسه. هذا يؤدي مباشرة لعبادة التماثيل. في بداية الأمر قد لا تكون هنالك رغبة في عبادة الشيء نفسه، لكنه ينتهي بهذا حتماً. إنه من الخطر أن نظن بان الحواس تتعاون مع الروح فالحواس تميل إلى «أن تكون لها السيادة».

لكن قد يقول قائل: «إنني أرى أن الصور والتماثيل تقدم لي معونة كبيرة. أنا لا اعبدها، لكنني أجدها تعينني في عبادتي لكي أركز تفكيري في الله».

قال الدكتور ديل أنه في أيام دراسته في الكلية كانت هناك صورة للمسيح محفورة فوق رف المدفأة. ثم قال: «إن هدوء الوجه ورقته وحزنه كانت تمثل لي أسمى الأفكار عن حضور المسيح. كنت دائم التطلع اليها، وفي كل مرة كانت تؤثر في، وكنت أذكر كيف تجسد المسيح لأجلي. كانت الصورة تبعث في التفكير، وتثير العواطف، وكانت تصور لي المسيح. لكن شكراً لله لأنني كنت لا أعبدها».

ينبغي أن لا تنسيني صورة المسيح انه ساكن في داخلي. «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 20:3) «حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ» (متّى 20:18).

لنذكر دواماً كلمات المسيح للمرأة السامرية (يوحنا 21:4 –24) «يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ... وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا».