العودة الى الصفحة السابقة
دبورة

دبورة

جون نور


هل يجوز للمرأة أن تأخذ مركز القيادة والصدارة إلى الدرجة التي تقود فيها الجيوش وترأس الأمم، وتحكم البلاد، وتأخذ كافة المناصب القيادية اجتماعياً ودينياً... يقول البعض أن هذا جائز جداً، وأن المسيحية لا يمكن أن تعترض عليه، وأنه إذا كان العهد القديم قد قدم لنا أسماء لامعة من هذا القبيل كمريم النبية، ودبورة، وراعوث، وأستير وغيرهن، فإن العهد الجديد الذي حرر المرأة وأعطاها مكان المساواة مع الرجل لا بد يعطيها مركزا أسمى وأعلى، ويمكنها من كافة المراكز القيادية في وقت غزت المرأة كل مكانة ومجال في الأرض ان دور المرأة الصحيح أن تقف إلى جانب الرجل أو خلفه لتكون له بمثابة الملهم والمحفز والمعين كما فعلت دبورة عندما دعت باراق بن ابي نوعم ليقود المعركة، واشترط أن تبقى إلى جواره حتى يصل إلى النصر...

إن الدراسة المتعمقة لشخصية دبورة كما جاءت في كلمة الله، تؤكد وتقطع بأنها شخصية نادرة غير عادية، التي لا تتكرر سوى في عصور متباعدة في التاريخ قد تصل إلى المئات أو الألوف من السنين... ولكن أن تكون الشخصية قاضية مفكرة وأماً رقيقة، وأن تحمل في جنباتها عنف المحارب، وأغنية الشاعر، كمثل ما كانت عليه دبورة، فإن هذا لا يحدث إلا على نحو نادر، وفي فترات متباعدة جداً وعلى الأغلب في عصور الأزمات والمحن.

هذه الشخصية الحكيمة ولا شك مرهوبة الجانب وهي محترمة من الجميع، كانت موضع المهابة والاحترام، ليس في جيلها فحسب، بل في التاريخ اليهودي بأكمله، ولا يبدو هذا في قدرتها على وضع أحكامها كقاضية موضع التنفيذ، في عصر وصف أبلغ وصف بالكلمة التي جاءت في ختام سفر القضاة: «فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كُلُّ وَاحِدٍ عَمِلَ مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ» (قضاة 21: 25). بل أكثر من ذلك في أنها وجهت الأمة ودعتها إلى الحرب، ورفض القائد أن يتحرك للقتال إلا إذا كانت هي على رأس الجيش، تسير إلى جواره خطوة فخطوة،.. والشيء العجيب في هذه المرأة أنها كانت تجمع بين قوة السكون، وقوة الحركة،.. كانت جالسة تحت نخلة دبورة، تحكم كما يحكم ملك من عرش، فياضة الأنوثة.

كانت هذه المرأة قاضية في جيلها وعصرها، وكم حكمت ولا شك بين المئات أو الآلاف من المتنازعين الذين وفدوا لكي تفصل بينهم فيما أثاروا من شكاوي أو خصومات، لكنها تحولت هي فيما بعد إلى قضية عامة تنتقل من جيل إلى جيل، ومن بلد إلى آخر ومن مجتمع إلى مجتمع، قضية المرأة، وهل من حقها أن تأخذ مكان القيادة أو الصدارة، وهل هذا الحق مطلق، وعام، وشامل!!؟ أم هو حق نسبي أو استثنائي لا يأتي إلا في أوقات خاصة، وظروف معينة.

وهذه الظاهرة الأولى في هذه القضية، فإن أول أوصاف دبورة أنها «نبية» وهي ثاني نبية يذكرها الكتاب المقدس بعد مريم النبية «أخت موسى وهارون»، وهي النبية الوحيدة خلال أربعة قرون بين قضاة إسرائيل، وكان من المستحيل أن تظهر على المسرح إلا بعد اقتناعها واقتناع الشعب بصوت الله الذي جاء إليها، وليس في الكتاب ما يفصح عن النبوات التي تنبأت بها، فيما خلا إعلانها لباراق عن دعوة الله له ليقود المعركة، غير أنه من الواضح أن الشعب آمن بأنها تحمل رسالة الله، وأن صوت الله في فمها، وأن قوتها الصحيحة والحقيقية، بل أن شجاعتها الفائقة لم تكن كلتاهما صادرتين عن مجرد استعداد طبيعي في كيانها البشري، بل ليقينها الكامل بأنها مدفوعة من الله لغاية مقدسة..

والآن نأتي إلى السؤال الهام والحيوي، هل من حق المرأة أن تأخذ المراكز القيادية، على انفراد أو مشاركة الرجل في كل ميدان، وهل يشجع الفكر المسيحي مثل هذا الاتجاه؟؟ وهل تلقى قصة دبورة مزيداً من النور على الرأي الصحيح من هذا القبيل؟؟

ففي الوقت الذي جمع فيه يسوع حوله من الأتباع الرجال والنساء على حد سواء، دون أدنى تفرقة، كان هناك التلاميذ، وكانت هناك النساء اللواتي كن يخدمنه من أموالهن، وفي الوقت الذي ظهرت فيه العلاقة بين الجميع على أرفع وأرقى لون حضاري عرفه الإنسان حتى يومنا الحالي، وطبقته الكنيسة المسيحية عندما كانت المرأة تسير جنباً إلى جنب إلى جوار الرجل، فمثلاً لماذا لم يختر المسيح من بين تلاميذه الاثني عشر أو السبعين امرأة واحدة أو أكثر ولماذا قصر هذا على الرجال دون غيرهم!!.. ولماذا لم تختر الكنائس المختلفة امرأة لتكون أسقفاً أو شيخاً، رغم وجود الكثيرات اللواتي كن من أعظم الشخصيات، وكان أثرهن في الكنيسة في بعض الأوقات أعمق وأقوى من أثر الرجال، كليدية وأفودية وسنتيخي في فيلبي، وبريسكلا التي كانت الكنيسة تنتقل في بيتها بانتقالها من مكان إلى آخر، وكانت على قدرة تعليمية، مكنتها من تعليم أبلوس العظيم طريق الرب بأكثر وضوح.

هل يوجد من بينكم من ينهض كدبورة لينضم إلى ذلك الجمع النبيل من الرجال والنساء، الجمع الذي لا يمكن أن يهدأ أو يستريح حتى يضرب ضربته القاضية لمجد الله، والإنسانية!!؟ ألستم تسمعون نداء المسيح أيتها الأخوات من النساء!!؟ أجل فإنه نفس الصوت الذي جاء قديماً إلى بنات أورشليم عندما قال: «يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ» (لوقا 23: 28) ابكين بكاء الضراعة والحزن على غيركن من أخوات خاطئات... ألا فانهضن من فراش تنعمكن، وهدوء جمودكن وسيروا مع المسيح في «طريق الآلام» لتساعدنه بمساعدة إخوتكن من الرجال والنساء...