العودة الى الصفحة السابقة
يوشيا

يوشيا

جون نور


«وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مُلْكِهِ إِذْ كَانَ بَعْدُ فَتًى، ابْتَدَأَ يَطْلُبُ إِلهَ دَاوُدَ أَبِيهِ» (2أيام 3:34).

كان يوشيا واحداً من أعظم الصور وأروعها لما يمكن أن يفعله الشباب في ربيع الحياة وطراوة الأيام، ويوشيا يعطي صورة عظيمة عن الملك الشاب، الذي لم تطل حياته، ولكنه صنع ما يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى لجميع الشباب في كل العصور والأجيال!!..

عرف يوشيا الولادة الجديدة وهو في السادسة عشرة من عمره، لقد ارتقى العرش صبياً صغيراً في الثامنة من العمر، لقد ولد يوشيا بقلب قابل للتأثر بالرقة وقد كان أبوه وجده أشر ملكين باعا إسرائيل للعبودية والشر، وورث يوشيا عن أبيه وجده، اسما زريا، وعرشا متهاويا، ومملكة مضعضعة، وشبح الدينونة يلوح في الأفق، وما من شك أن كل هذا كسر قلب يوشيا وجعله رقيقا، لقد نجا الغلام من التأثيرات التي كان يمكن أن تلاحقه من الشطر الأعظم الأول لجده منسى، ومن أبيه آمون.

في بدء الشباب – في السادسة عشرة من العمر – بدأ يوشيا يطلب إله أبيه... أو في لغة أخرى، أنه تأتي على الشاب ساعة لا بد أن يطلب فيها الله إلهاً لنفسه فمهما تكن نشأته طيبة، ومهما يكن له من أم طيبة، ومعلم عظيم فلن يكفي يوشيا أن يكون الله إله داود، أو إله إرميا، إذ ينبغي أن يكون إلهه هو... لأن معرفة الله بكيفية غير مباشرة عن طريق التعليم أو الوراثة، لا يمكن أن تقنع أو تفي حاجات يوشيا، ولن يستريح الفتى حتى يقول لله: «آهِ يَا رَبُّ، لأَنِّي عَبْدُكَ! أَنَا عَبْدُكَ ابْنُ أَمَتِكَ. حَلَلْتَ قُيُودِي» (مزمور 16:116)... وهكذا عرف يوشيا إلهه وتجددت حياته!!...

عندما بلغ يوشيا العشرين من العمر، تقدم خطوة أخرى في خدمة الله، إذ هو لا يكتفي بأن يسير أمام الله ويعمل المستقيم أمام عينيه،أو يسلك في جميع طرق داود دون أن يحيد عنها يمينا أو شمالا!!... بل هو الثائر المصلح الذي يحمل المعول لينقض على المرتفعات والسواري والتماثيل. والمسبوكات، ويحطمها على رؤوس الكهنة الذين يوقدون لها وقد جاء الفتى الشاب ابن العشرين بالثورة العارمة، التي تهدم قبل أن تبني، وتصل في الهدم إلى حد التكسير والدق والرش، فهو لا يبقى على شيء من أسس الفساد بل يحول الكل رماداً تذريه الرياح فوق العظام المحروقة، والتي نثرها في كل مكان هباء، وقد امتلأ قلبه من الغضب والغيظ والانتقام!!... وكل ثورة إصلاح لا يمكن أن تبدأ إلا بالهدم والتحطيم، والاقتلاع والإبادة، في حياة الفرد أو البيت أو الأمة على حد سواء!!...

كان يوشيا – شأنه شأن كل شاب عظيم – يدرك أن الحياة رسالة، ولقد عاش يسأل نفسه آلاف المرات: لماذا جاء إلى هذا العالم؟ وها هو الدور الذي يتعين عليه أن يلعبه كشاب وكبطل؟ وبكل رؤى الشاب التي يعطيها روح الله لكل شاب مؤمن، أدرك أنه لم يولد ليستوي على عرش يأمر ويحكم، ويستبد ويطغى،.. أو يشرب ويلعب ويهزل ويمرح أو يقتنى الثروات ويبني القصور، أو يمتلك الأطنان من المجوهرات والذهب كانت أيام يوشيا قصيرة وعريضة، وقد تكون حياتك مثله، أو مثل أيام المسيح على الأرض فهل تستطيع أن تغتنم الفرصة لتقول: «يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ» (يوحنا 4:9)...

لم يكتفِ يوشيا بتطهير الأرض من الوثنية والفساد والشر، بل تحول إلى هيكل الله حيث ركز هناك نظرته، وفي السادسة والعشرين من عمره بدأ بترميم الهيكل وتنظيفه وتجديده، إذ كان على يقين بأن الإهتمام بالهيكل، هو قلب الإصلاح، وصورته الصادقة، وقياسه الصحيح،... وقام العمال والصناع وبذلوا الجهد والقوة وكان الكل يعملون بالهمة الأمانة حتى أكملوا الترميم والتجديد،... ولم يقصد يوشيا أن يكون الهيكل مجرد بناء فخم جميل عظيم، بل قصد أن يكون مركزاً للإشعاع والنور، ومكان السجود والتعبد والاقتراب إلى الله.

كان ليوشيا كلمة الله الحية الخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ... لقد أدرك أن ما فعل من إصلاح، أو ما وصل إليه من نتائج لا يعد شيئا على الإطلاق بالنسبة إلى ما ينبغي أن يفعله ويقوم به من أعمال أخرى أتيه!!... لقد شعر كما شعر إشعياء أن أعمال بره كثوب عدة؟؟... إن كنت هكذا فإن روح الله يعمل فيك، وإنه يصحب الكلمة المقدسة، وأنت تقرأها أو تسمعها على حد سواء.. كم نتعلم من يوشيا ونحن نقرأ أو نسمع كلمة الله!!؟

مات يوشيا في التاسعة والثلاثين من عمره، مات في شرخ الشباب وأوج الحياة، إذ سقط في معركة مجدو، وقد قتله فرعون ملك مصر في تلك المعركة، ونحن لا نملك إلا أن نقف في صمت ودموع وتأمل؟؟...

كان يوشيا آخر الزهور الباقية من البستان الذي أضاعته الخطية من أرض يهوذا... قبل أن تدخل في ليلها الطويل والعميق، حتى يأتي المسيح مخلص العالم ليموت هناك على هضبة الجلجثة!!...