العودة الى الصفحة السابقة
الراعي الصالح

الراعي الصالح

جون نور


«11 أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ. 12 وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَجِيرٌ، وَلَيْسَ رَاعِيًا، الَّذِي لَيْسَتِ الْخِرَافُ لَهُ، فَيَرَى الذِّئْبَ مُقْبِلاً وَيَتْرُكُ الْخِرَافَ وَيَهْرُبُ، فَيَخْطَفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا. 13 وَالأَجِيرُ يَهْرُبُ لأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَلاَ يُبَالِي بِالْخِرَافِ. 14 أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، 15 كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ. 16 وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ» (يوحنا 11:10 - 16).

ليسوع في الكتاب المقدس ألقاب كثيرة، منها: الرب أو السيد، والمسيح، ومختار الله، وأبن الله، والفادي أو المخلص. غير أن لقب الراعي الصالح قد يكون أحبها إلى النفس. وليس المسيح راعياً وكفى، بل هو الراعي الصالح، الراعي الحقيقي، الراعي الأصيل.. ويرينا مثل الراعي في الكتاب المقدس ان الراعي الصالح يعرف خرافه: لقد عرف يسوع الناس. وكانت معرفته بهم حقيقية عميقة، فرأى ما وراء الظواهر والمظاهر. عرف فيهم مواطن الخير ومواطن الضعف. أنه كان يعالج النفس وحاجاتها، قبل أن يعالج الجسد وحاجاته. كان يرى ناحية الخير في كل إنسان ويقويها. ويدهشنا تأثيره على الأشخاص الذين إلتقى بهم.

لقد وجه يسوع نظره إلى التلاميذ فعرف ضعفهم وعالجه بصبر ورفق وصاغ منهم شخصيات قوية بحيث أصبحوا مستعدين لحمل رسالة إنجيله إلى العالم أجمع. كان التلاميذ أناساً مثلنا. ولم يكونوا على شكل واحد. كانوا ذوي دماء حارة تختلف أشكالهم وطباعهم وأمزجتهم. وحين نتأمل فيهم تجذبنا شخصياتهم، فنذكر أحدهم بسرعة خاطره وحاضر بديهته. ونذكر الثاني بعبوسه وكآبته وضيق دائرة الحق في نظره. ونذكر الثالث بنظراته الخاصة في الحياة، وهي مزيج من الكآبة وخفة الروح. لقد عرف يسوع كل أصناف البشر وأحبهم. وهو يرغب الآن في أن يخدم كل أصناف البشر في ملكوته حتى الذين هم على شاكلتنا.

هذا هو الراعي الصالح الذي - على الرغم من ضعفاتنا - يحملنا على الشعور، إننا ذوو قيمة لا تقدر في نظر الله. هذه هي وظيفة الراعي الحقيقي. فالعشار المكفهر الوجه، القاسي القلب الذي نبذه الناس، فنبذهم، أحس أن هذا الإنسان الذي لا مثيل له في طهره وبره، لا يحتقره ولا ينظر إليه شذراً. والمرأة الخاطئة التي طاردها المتدينون أحست، وقد أخذتها الدهشة، إنه لم يقصها عنه ويتجنبها كمن به وباء. ولكنه تحدث إليها بما يملأ نفسها عزاء ورجاء وخيراً.

الراعي الصالح يرعى خرافه، لأنه يعلم أنه في خدمة رب الخراف. إن رعية بلا راع تكون كريشة في مهب الريح، لا حول لها ولا طول. يعصف بها الخوف لدى كل ملمة. إن الراعي يحميها ويتقدمها ليرشدها. إنه لا يسير أمامها على غير هدى وبغير تفكير، وإنما يظل متيقظاً مفتوح العينين ويتلفت حوله ليدفع الوحوش الضارية إذا ما حاولت مهاجمة القطيع ويطاردها. وليقودها إلى أماكنها إذا هبت العواصف وهطلت الأمطار. أما إذا مرض أحد الخراف فإنه يعتني به. وإذا عجز عن السير يحمله.

هذا ما فعله يسوع في حياته على الأرض. وهذا ما يجب أن يفعله كل راع في كنيسته، لا نظرياً، بل عملياً. فكما أن راعي الغنم لا يستطيع التغلب على الذئاب، إذا ما هاجمت قطيعه بالوقوف أمامه واعظاً إياها بعدم الإعتداء على خرافه، ومرشداً إياها بأن تطرح عنه وحشيتها وناصحاً إياها بأن ترجع على أعقابها فتنجوا بجلدها، كذلك لا يمكن لراعي الكنيسة أن يتغلب على السلبية في كنيسته بإلقاء المواعظ البليغة من على المنبر، بل بسيرته الصالحة وإيجابيته البناءة.

قد يسبب الراعي الصالح ألماً لخرافه: حمل أحد رعاة الأغنام خروفاً على منكبيه فسأله أحد السياح عن السبب، فأجاب: لقد كسرت ساقه. فظن السائح أن الراعي أرعن عديم الشفقة. فأفهمه الراعي بأن الخروف كان يهرب دائماً وكان يسبب له كثيراً من العناء قبل أن يمسك به ويرده إلى القطيع. فكسر ساقه وأخذ يعتني به ليعوده على البقاء مع القطيع والإصغاء إلى صوته ولولا ذلك لتاه وخسره. وفي تطبيق ذلك علينا نقول: «إذا تهنا في برية الحياة وتكسرت فيها أقدامنا، فنحن لسنا متروكين بل نحن برعاية راعينا الصالح الذي لا يريد أن يهلك أحداً، بل أن يقبل الجميع إليه».

دين يسوع هو دين التسامح والمحبة والحرية ولا إكراه فيه أو عنف. فهو لا يسوق الناس إليه سوقاً، بل يمنحهم الخيار، ويسمو بهم إليه عن طريق الحلم والرفق.

أن أتباع المسيح لا يمكن أن تحصرهم جدران ثابتة ولا نظام واحد، لأنهم ينتمون إلى أجناس وشعوب مختلفة، وإنما تحصرهم محبة المسيح. فإلى كل أخ مسيحي، مهما كان مذهبه، ومهما كانت كنيسته، بل إلى غير المسيحيين أيضاً تمد المسيحية ذراعيها وتفتح قلبها مرحبة بهم، ليأخذوا مكانهم في صدر المسيح. إن شخصية المسيح الغنية هي الجاذب الذي يجذب أبناء الله المتفرقين ويضمهم إلى حظيرة واحدة. فيصبح الجميع رعية واحدة لراع واحد.