العودة الى الصفحة السابقة
أفنيكى

أفنيكى

جون نور


«إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي» (2تيموثاوس 1: 5)

أفنيكى ومن هي!!؟

الكلمة «أفنيكى» معناها المنتصرة السعيدة، وهي كما يظهر في الكتاب امرأة يهودية الأصل، عاشت على الأغلب، في لستره في آسيا الصغرى، ونحن لا نكاد نعلم شيئاً عن حياتها الأولى، سوى أنها كانت تعيش مع أمها لوئيس، ولوئيس تعني (صالحة) أو (مرغوبة).. ومن المتصور أن أفنيكي كانت على حد كبير من الجمال، جذب إليها زوجها اليوناني الذي أخذ بسحر جمالها، واستطاع أن يفوز بها زوجة حلوة جميلة فاتنة، كما يذهب إليه بعض الكتّاب،.. على أنها كانت أكثر من ذلك دمثة الأخلاق، رضية الحياة، رقيقة المشاعر،.. ومن المرجح أن بولس كان يأوى إلى بيتها كلما ذهب إلى المدينة في غدواته وروحاته،.. كما أن تيموثاوس ابنها قد ورث عنها الرقة البالغة، التي يذكرها بولس في لغة الدموع عندما افترق الواحد منهما عن الآخر في قوله: «»{مشتاقاً أن أراك ذاكراً دموعك}.. كما أنها كانت يهودية مؤمنة، من ذلك الطراز الذي يلهج نهاراً وليلاً بالكتب المقدسة، ويرتوي منها، وهي أشبه بالشجرة المغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل،!!... ومن المعتقد أنها آمنت بالمسيحية في رحلة بولس الرسول الأولى، واشتهرت هي وأمها وابنها بالإيمان الصريح العديم الرياء، غير المتقلقل والثابت والمستقر، وهي لهذا كانت مظهراً من أروع المظاهر للمسيحية الصحيحة الحقيقية، التي لا تلبس القناع – وهذا هو المعنى الصحيح في الأصل للكلمة «»{العديم الرياء} – فهي في الظاهر كما في الداخل، وفي السيرة كما في السريرة، وفي العقيدة كما في الأفعال، لا تناقض أو إبهام أو اضطراب أو ازدواج عندها على الإطلاق،.. وقد يكون هذا هو السبب في زواج أفنيكى التعس بزوجها اليوناني، ومع أننا لا نعرف تفاصيل هذا الزواج، وكيف تم، كيف حدث أن هذه المرأة لوئيس التي تخاف الله والقوية الإيمان العديم الرياء، كيف حدث أن تسقط سقطتها البالغة، فتعطي ابنتها الوحيدة لرجل وثني يتزوجها، كيف أمكن للمرأة الطيبة، وكيف أمكن لابنتها أن ترتكبا هذه الغلطة القاسية الشنيعة بالتزوج من رجل وثني!!... لم تؤثر حياة أفنيكى في زوجها، وعاش، ومات وثنياً، وهل يلام هو أم تلام لوئيس أم تلام أفنيكى نفسها أم يشترك الثلاثة في هذا اللوم.

على قدر ما أصاب أفنيكى من الفشل في الحياة الزوجية، على قدر ما أصابها من النجاح من ابنها العظيم تيموثاوس، وقد ساعدنا بولس إلى حد كبير، في إدراك سر هذا النجاح الباهر، وأغلب الظن أن ثلاثة عناصر أساسية مكنتها من الوصول إليه، وهي الزمن، والمعلم، والكتاب!!.. أما الزمن فواضح أنه «»{منذ الطفولية} أي منذ اللحظات التي تفتحت عيناه فيه على الحياة، أو كما يقال منذ نعومة أظفاره، أو عندما بدأ مع الأيام عوداً رقيقاً رطباً ليناً سهل التوجيه والتهذيب والتقويم،

لم يكن الزمن أو المعلم، بل كان هناك الكتاب أيضاً، وقد أحسنت أفنيكى عرضه على ولدها، لقد أكلته هي وتشربته، فسرى في شرايينها مسرى الحياة والدم، وكان هو الحياة بعينها للأم والولد جميعاً..

في إحدى الصور القديمة الجميلة نرى أفينكى تجلس على مقعد، وأمامها منضدة، بسطت عليها الكتاب المقدس، وعلى مقربة منها تجلس أمها، بينما يتكئ ابنها الصبي تيموثاوس بمرفقيه على المنضدة، وهو ينصت إلى أمه، في تأمل ورقة ووداعة، وهي تتحدث إليه، بما شكل حياته، وجعل منه فيما بعد ذلك الخادم العظيم، الذي حمل الراية، من بولس، وأبى أن تسقط إلى الأرض يوم سقط الرسول العظيم، وهو يصبغ الشهادة الأمينة، بدمه الذكي، من أجل الخدمة المقدسة ومجد يسوع المسيح في هذه الحياة!!..

ولعلنا لا نستطيع أن نختم قصة أفنيكي وأمها وتيموثاوس، دون أن نذكر ذلك الغلام الذي وقف يحدق في أبيه، وهو ينظف زجاج النافذة في كاتدرائية عظيمة، وإذ سقطت قطعة من الزجاج من يد الأب العجوز المرتعش الحركة، أسرع الولد والتقطها وأعادها مرة أخرى إلى أبيه، وهو يقول: لقد تسلم أبي من جدي هذا العمل، وهو باق فيه وسيبقى حتى يذهب كما ذهب جدي، وأستلمه أنا، وتمضي الأيام هكذا متسلسلة متوالية... ألا يمكن أن نقول بهذا المعنى، وعلى صورة أجمل وأكمل وأبهر وأجل ما قاله الرسول لتلميذه الحبيب في آخر رسالة له على هذه الأرض: «إِنِّي أَشْكُرُ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ مِنْ أَجْدَادِي بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ، كَمَا أَذْكُرُكَ بِلاَ انْقِطَاعٍ فِي طَلِبَاتِي لَيْلاً وَنَهَارًا مُشْتَاقًا أَنْ أَرَاكَ، ذَاكِرًا دُمُوعَكَ لِكَيْ أَمْتَلِئَ فَرَحًا إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا» (2تيوثاوس 1: 3 - 5)...

أيها الأخوات تمثلوا بالقديسات اللواتي ذكرهن الكتاب وليكن لكم مثالاً كالعذراء مريم واليصابات وليديا ولوئيس وأفنيكي.