العودة الى الصفحة السابقة
مريم ومرثا

مريم ومرثا

جون نور


«1 وَكَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضًا وَهُوَ لِعَازَرُ، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا مِنْ قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا. 2 وَكَانَتْ مَرْيَمُ، الَّتِي كَانَ لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضًا، هِيَ الَّتِي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِطِيبٍ، وَمَسَحَتْ رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا. 3 فَأَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: «يَاسَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ». 4 فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ: «هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللهِ بِهِ». 5 وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ. 6 فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ» (القراءة: يوحنا 1:11-6)

جميعنا نَنشُدُ الاستقرار. وجميعنا نتمنى أن يستمر هذا الاستقرار في حياتنا. خصوصاً في وسط عالم ساقط مليء بالمفاجآت، ووسط أوضاع غير مستقرة، كالأيام التي نمر بها الآن تخبئ في طياّتها المجهول.

نحن نَنشُدُ الراحة. فالله دعانا إليها، إذ أراحنا من خطايانا ومن قصاصها. لكن الراحة الكاملة هي في المجد مع المسيح.

مرض لعازر شقيق مريم ومرثا ويسوع لم يأتِ. مات لعازر، ويسوع لم يأتِ. طال الانتظار وأنتن لعازر، وأخيراً جاء يسوع. جاء من «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ» (متّى 18:28). لاقته مرثا قائلة أخي مات، لو أتيت لما كان قد مات، ولما كنّا حزّنا. عاتبته مرثا، أمّا هو فلم يعاتب، تشكّت لكن يسوع احتمل. هذه شخصيته؛ وهذا شأنه معنا خصوصاً في ظروفنا القاسية..

أربعة أيام من الحزن والنوح والبكاء الشديد، بالإضافة إلى أفكار كثرة تدور حول أسباب تأخر المسيح. إن لعلاقتنا بالمسيح تأثيراً كبيراً في مجمل حياتنا، في سعادتها وفي شقاوتها، في حلوها وفي مرّها، في انتصارها وفي انكسارها.

لذلك نجد أن أكثر ما يتعبنا هو الأوضاع المعلّقة التي تنتظر تدخل المسيح ووضع الأمور في مكانها. وهذا ما قالته مرثا: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي! لكِنِّي الآنَ أَيْضًا أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللهِ يُعْطِيكَ اللهُ إِيَّاهُ» (يوحنا 11: 21 و22). لكن حين وصلت اختها مريم، لم يخب ظن المسيح بأن تتصرف بطريقة عقلانية واعية فيها الكثير من العبادة. «فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ، خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ» (يوحنا 11: 32). خرّت عند قدمي ربّ الحياة الذي في يده نسمة كلِّ حي. وهذا واقع يفرض نفسه عندما نتواجه مع المسيح، «الحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عبرانيين 3:1).

لماذا لم تأتِ سريعاً وتمنع موت أخي؟ لو كنت ههنا لم يمت أخي. نحبك ونعتمد عليك ونثق بأنك لو كنت ههنا لما حصل ما حصل. أنا أؤمن بأنك لو كنت ههنا لشفيت أخي.

نحن غالباً ما نتكلم، ونتشكّى ونعاتب ونصلّي وقلّما ننتظر الانطباعات. تطلّعت إلى وجه يسوع لكي تقرأ، وماذا قرأت؟ رأت فيه وجهاً منزعجاً مضطرباً، «انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ» (يوحنا 11: 33). رأت عينين مليئتين بالدموع، ودمعتين كبيرتين منسابتين على الوجه الكئيب، أدهشتا يوحنا الحبيب فدوّن «بَكَى يَسُوعُ» (يوحنا 11: 35).

لم يبك يسوع عن عجز أو حيرة بل تعبيراً عفوياً عن محبة رقيقة، وعن مشاركة في وضع مؤلم ومحزن، فإنه «»"في كل ضيقهم تضايق" (إشعياء 9:63).

وصل يسوع إلى القبر، وصل إلى التحدي المبرمج، وطلب رفع الحجر، فإذا بمرثا تصرخ: «»"قد أنتن". وهل هذا يعني فقدان الأمل بعمل أيِّ شيء؟ وهل هذا يعني أن الأمر وصل إلى نقطة اللارجوع؟ وكأن مرثا تحاول أن تذكّر يسوع بأمر يجهله، وكأنها تقول للرب: أنا أعرف أن كلَّ ما تطلب من الله يعطيك لكن عليّ أن أذكرك بأنه أنتن. نحن نريد أن نُعلمك إلى أين وصل الوضع. فحالة لعازر تختلف عن حالة ابنة يايرس، وعن حالة ابن أرملة نايين.

صلاة قصيرة، والمسيح، وبصوت عالٍ يأمر لعازر بالخروج من القبر: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!» (يوحنا 11: 43).

خرج لعازر، فانقلب المأتم إلى عرس، وتحوّلت دموع الحزن إلى دموع الفرح، وتوارت دموع الفراق خلف بهجة اللقاء الجميل وجمع الشمل.

وكانت النتيجة أن آمن به كثيرون، وهكذا تحوّل المرض والموت إلى وسيلة يتمجّد بها الله.

كان يسوع وما زال يحب هذه العائلة التي دخلت في خطة المسيح لكي تكون المثال الصالح الذي يُقتدى به. لدى الله معاملات خاصة وبرامج معينة، وامتياز لنا أن نكون نحن الأداة لتتميم هذه المقاصد الإلهية. إنّ العنوان الذي اختاره المسيح لهذه الدراما هو: «هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللهِ بِهِ» (يوحنا 11: 4).

عندما تبلّغ المسيح نبأ مرض لعازر مكث في الموضع الذي كان فيه ولم يتحرك. سمع صلاة الأختين وبقي صامتاً.

هل نحس أحياناً بأن السماء نحاس والأرض حديد، وصلاتنا ترجع إلى حضننا؟ ألا نشعر أحياناً، كما شعر المرنم قديماً عندما تفوّه بهذه الكلمات: «يَا رَبُّ، لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟» (مزمور 1:10).

نحن نصلّي من أجل الفرج السريع والنهاية السعيدة، لكن المسيح يستجيب في الزمان الأنسب والوقت الأفضل. نحن نفكر عاطفياً، ولنا الحق، لأننا نحب نفوسنا ونعرف أن الرب حنون ويحبنا. لكن علاقة المسيح بنا ليست علاقة عاطفية فقط، لكنها علاقة مبدئية. نحن نفسر المحبة بخلاف ما يفسرها المسيح. فمحبته لنا هي بقدر ما يرضى أن يستخدمنا ويباركنا ونكون بركة.

بمعنى أن الله يعطينا بقدر ما تكون ثقتنا فيه وبقدر ما نؤمن أنه قادر أن يفعل في حياتنا عندما نؤمن بأنه الرب القادر على كل شيء لنسلم كل شيء في حياتنا لله القادر على كل شيء وهو يجري ما هو الأحسن والأنسب لحياتنا.