العودة الى الصفحة السابقة
فيبي

فيبي

جون نور


«أُوصِي إِلَيْكُمْ بِأُخْتِنَا فِيبِي، الَّتِي هِيَ خَادِمَةُ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي كَنْخَرِيَا» (رومية 16: 1).

فيبي ومن هي!؟؟

الكلمة فيبي تعني (بهية) أو (لامعة) أو (مضيئة) وهي أشبه بالكوكب الذي يلمع في السماء، أو ذلك النور الباهر الذي ينبلج في قلب الظلام،.. ومع أننا لا نقرأ عنها أكثر من آيتين جاءتا في كلمة الله، إلا أنهما كافيتين على أن تعطيا من النور ما يمكن أن يلقي وضوحاً على كثير من الحقائق،... أغلب الظن، أنها كانت متوسطة العمر، لأن بولس يشير إليها كأخت، ولا يعلم أحد إن كانت متزوجة أو غير متزوجة، البعض يعتقد أنها أرملة، على أنه من الواضح أنها كانت امرأة غنية أو ميسورة الحال على أقل تقدير، إذ أنها ساعدت الآخرين، وساعدت بولس، ويبدو أن بيتها في كنخريا كان مفتوحاً للمؤمنين الذين يفدون إليه من هنا أو من هناك، وربما عاش بولس في بيتها، عندما كان في كنخريا، ويظن أنه كان مريضاً هناك، وقد اهتمت به أبلغ اهتمام وعلى الأغلب كانت شخصية قوية ذات نفوذ وتأثير، ولا يعلم لماذا أخذت طريقها من كنخريا إلى روما، غير أن البعض يتصور أنها ذهبت إلى هناك لمصالح تجارية أو قضائية، وكان الرسول يوصي المؤمنين بمساعدتها بما قد تحتاجه منهم هناك،.. ومن الواضح في كل الأوضاع، أنها كانت من ذلك الصنف من النساء التي تتجاوز شخصيتها حدود بيتها ومدينتها، أو البيئة المحيطة بهاعلى أن أهم ما في حياة هذه المرأة، هو أنها كانت تشرب عميقاً من نهر الشركة العميقة مع الله، وقد ظهر هذا في داخل المدينة والكنيسة التي عاشت فيها...

يقول الرسول بولس عن فيبي أول ما يقول: مسمياً إياها «أختنا فيبي» وهو يكشف فيها ومعها عن معنى الإخوة المسيحية ولعل الأصحاح السادس عشر من رسالة رومية يتحدث بأفصح بيان عن هذه الحقيقة، ويكفي أن تتطلع على الأسماء العديدة التي ذكرها بولس فيه لكي ترى كيف تخطت هذه الأخوة حواجز الجنسيات المختلفة، فأكيلا واندرونكوس ويونياس وهيروديون كانوا يهوداً أصلاً،.. وبريسكلا واوربانوس وامبلياس وروفس وجوليا، كانوا رومانيون، والبقية من اليونانيين... كما تخطت الحواجز الاجتماعية إذ كان فيهم العبيد والأحرار، والأغنياء والفقراء، والمثقفين والمحدودين في ثقافتهم،.. وارتفعت أيضاً فوق حواجز الجنس، إذ لم يعد هناك ذكر أو أنثى وقد حيا بولس على الأقل تسع سيدات في هذا الأصحاح، أرق تحية وأجملها!!.. لقد جاء المسيح ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد.

لقد جاء المسيح إلى العالم ليغسل الناس من الطمع والحقد والأنانية والفساد، ويعلمهم أنهم أخوة في شخصه المبارك، وأبناء للأب السماوي، وأن رسالتهم في الحياة أن ينحني الواحد منهم على الآخر في رقة وحنان وإيثار ومحبة!!.. ألم يقل فرانسيس الأسيسي: «ما أجمل هذه الدنيا إن استطعتم أن تتخلصوا مما فيها من قيود وما قيودكم إلا المال والمسكن والمأكل والملبس تعالوا وانظروا الأشياء الحقيقية في الحياة، تعالوا وأحيوا حياة الروح، وأنيروا كالشعلة، وأينعوا كالزهرة، وأفيضوا كما يفيض المجرى المتدفق من الجبل!!..»

وآخر ما ننتهي به، ونحن نذكر فيبي، هو ما أوصى به بولس وهي المعاملة التي ينبغي أن تعامل بها فيبي في روما من جانب المؤمنين والكنيسة هناك!!.. وهذه المعاملة فيما يبدو مثلثة الأركان، لها أساس، ومظهر، وامتداد،.. فأساسها «في الرب».. إذ أن معاملة المؤمنين بعضهم لبعض، ليست مجرد معاملة إنسان إلى أخيه الإنسان على ما يمكن أن تكون علة هذه المعاملة من جمال أو روعة أو جلال، بل أنها تعلو وتسمو على ذلك كثيراً جداً، إذ هي معاملة المؤمن لسيده المسيح نفسه، ومع أن معاملة المؤمن للجميع ينبغي أن تتسم بروح الإحسان والجود والرفق والحنان والمحبة ومن ثم نلاحظ امتداد المعاملة والمعونة التي يمكن تقديمها في القول الذي أوصى به الرسول لفيبي: «تَقُومُوا لَهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ احْتَاجَتْهُ مِنْكُمْ» (رومية 16: 2) وهو هنا يشير إلى الفائدة المتبادلة بين المؤمنين إذ يقول: «لأَنَّهَا صَارَتْ مُسَاعِدَةً لِكَثِيرِينَ وَلِي أَنَا أَيْضًا» (رومية 16: 2) أو بمعنى أخر، هي نوع من الشركة والوفاء ورد الدين، وعند التقديم ينبغي أن تعطي بكل فيض وسخاء، يمكن معهما سد العوز ومواجهة الاحتياج!!...

ذهبت فيبي إلى المدينة الخالدة روما، وهي لا تعلم، عندما كانت تحمل الرسالة إلى أهلها، والوصية الخاصة بها، أنها كانت تقدم للأجيال أعظم كنز في العقيدة والتعليم المسيحي، وليس للرومانيين فحسب، وكانت تقدم في الوقت عينه النموذج المسيحي، الواضح المجيد للأخوة، والخدمة، والتعاون المسيحي بين المؤمنين بعضهم لبعض مهما اختلفت أوضاعهم وظروفهم، تباينت وتلونت بيئاتهم ومجتمعاتهم، إذ هم أولاً وأخيراً قبل وبعد كل شيء، أخوة في المسيح، وأخوة إلى الأبد، في كل زمان أو مجتمع أو مكان!!...