العودة الى الصفحة السابقة
حنانيا المختلس

حنانيا المختلس

جون نور


«وَرَجُلٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا، وَامْرَأَتُهُ سَفِّيرَةُ، بَاعَ مُلْكًا وَاخْتَلَسَ مِنَ الثَّمَنِ» (أعمال 5: 2،1).

كان أول تراب يسقط على الكنيسة الناصعة الجمال، هو دخول رجل وامرأة إلى عضويتها يحملان قذارة العالم وفساد الشيطان،... وكان على الكنيسة وهي تواجه الاضطهاد والعنف والعدو الخارجي، أن تدرك الضربة المميتة التي يريد الشيطان أن يسددها إليها من الداخل،.... ومن الغريب أن الكنيسة نجحت لمدة ثلاثة قرون وهي تواجه أعتى وأعنف اضطهاد خارجي ممثلاً في الإمبراطورية الرومانية التي جندت كل قواها للقضاء عليها، دون أن تنال منها شيئاً، ولكن الكنيسة ترنحت وسقطت عندما عمل السوس فيها من الداخل، ينخر في عظامها بالمفسدين الذين دخلوا في عضويتها أو أخذوا مركز القيادة فيها!!. ومن هنا تبرز أهمية قصة حنانيا وزوجته سفيرة في الخطوات الأولى لكنيسة الرب يسوع المسيح على الأرض!

إن الصورة التي يظهر فيها حنانيا أمامنا يبدو واحداً من ذلك المجموع الهائل الذي انضم إلى الكنيسة بعد يوم الخمسين، ويبدو أنه كان من أولئك الذين استهوتهم الكنيسة بعظمتها وجلالها وسموها ومعجزاتها...

تعتبر خطية حنانيا من النماذج الجديرة بالتحليل والبحث، وذلك لما تبدو عليه من نواح متعددة!!... فهي الخطية البشعة التي جاءت وليدة العمل الشيطاني الكامل قد يتساءل الكثيرون مندهشين: وأين البشاعة في رجل باع ما يملك، واحتفظ لنفسه بجزء من ثمن البيع، وقدم الباقي مشاركاً في العمل الخيري كما فعل آخرون أيضاً!!؟... ولعل حنانيا وزن الأمر بهذه الصورة ولم ير في عمله عيباً أو ضرراً ومن هذا المنطلق فقط يمكن أن نقول إن بشاعة خطية حنانيا هي أنه ارتكبها وهو عضو في الكنيسة، وقد اشترك ولا شك مع المشتركين في الترنيم لله والصلوات والابتهالات، واستمع نهاراً وليلاً إلى تعاليم الرسل، وما تركه المسيح لهم من مبادئ وقيمٍ ونورٍ وأخلاقٍ، مما لا شبهة فيه أن بشاعة الخطية قد تزايدت لما فيها من عنصر الإصرار والعمد، فهي ليست هجوماً شيطانياً مباغتاً، سقط فيه الرجل أو امرأته تحت عنصر المباغتة، لكن الخطية عند الرجل حدثت بعد التأمل والتبصر والروية والتفكير،... لقد اختمرت المؤامرة في الظلام، وفكر الرجل مع امرأته، وانتهيا إلى قرار موحد مظلم آثم!!.... لقد ظهرت خطيته أول ما تكون في الرياء والنفاق، فاكتست بأجمل مظهر مع ما تحمله في الحقيقة من دافع خفي شرير،... ولست أظن أن هناك شيئاً يكرهه الله قدر الخطية التي تتمسح بثوب الدين. حنانيا كان يود أن كل شخص في مدينة أورشليم يعرف السخي الكريم الذي قدم ماله لأجل الآخرين، وبذل عن سخاء ما بعده سخاء، شأنه شأن الكثيرين الذين يبوقون بالبوق إعلاناً لسخائهم، أو يطلبون من الآخرين أن يبوقوا لهم في المجتمع والصحف والمجلات وكافة وسائل الإعلام، لو استطاعوا إلى ذلك سبيلا وعلى هذا الأساس فأن حنانيا لا يمكن أن يكون أقل من الاخرين الذين قدموا من اموالهم في نظر الكنيسة ، ومن ذا الذي يستطيع أن يكشف حنانيا وقد باع ملكه لشخص لا صلة له بالكنيسة البتة، ولا يمكن أن يتحدث عن حقيقة الثمن الذي دفعه في سبيل هذا الملك، والأمر كله لا يمكن أن يكون معلوماً لإنسان قط، ما خلا الزوجة التي عرفت وأقرت ببراعة زوجها وقدرته ومهارته الفائقة في الترتيب والتنظيم و«التكتيك».... والمرأة سعيدة بزوجها الذي يملك هذه القدرة على التخطيط العظيم الهائل، والأمر سر بينهما لا يصل إليه ثالث،... فإذا أضفنا إلى هذا كله أن من يستسيغ الغش لا مانع عنده من الكذب، وما هو الكذب عند حنانيا، ما هو إلا براعة ومهارة في التخطيط.

لقد كانت خطية حنانيا أولاً وقبل كل شيء خطية ضد روح الله: «لِتَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ» (أعمال 3:5) وهنا نبلغ لب الحقيقة التي جعلت بطرس يصف الواقعة بشيء واحد لا غير، ألا وهو «الاختلاس»،... لقد نسى حنانيا من أول الأمر أنه وما ملكت يداه ملك لله جملة وتفصيلاً، وأنه وهو يهودي كان يعلم ما قاله داود النبي وهو يقدم لبيت الله: «وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ» (1أخبار 14:29).... وعندما باع الرجل ملكه تحول مركزه إلى مركز النذير، فهو إذا أخذ مما نذر، فهو مختلس لا أكثر ولا أقل،... والله يتعامل معه على هذا الأساس، ويحاسبه على هذا الوضع، وهو لا يستطيع أن يخدع أحداً إلا نفسه، فالله لا يمكن أن يخدع، وبطرس أيضاً، قد كشف له الله الحقيقة.

على أن السؤال الذي يمكن أن يثار بعد هذا كله: هل كان لا بد من هذا العقاب السريع القاسي المباغت بالموت الذي أخذ حنانيا وزوجته معاً في ظرف ثلاث ساعات،... ولماذا سمح الله بهذه الشدة في مطلع الكنيسة الأولى؟... لقد أراد الله أن يبين بعض الحقائق، ولعل أهمها،: مركز المؤمن في العهد الجديد ورسالته.

على أن السؤال الذي قد يعن للكثيرين بعد ذلك: ما هو مصير حنانيا وزوجته!!؟ وهل هلكا!!؟ وقد اختلفت الإجابة على ذلك، فإن هناك من يصر على هلاكهما الأبدي، باعتبار أن الصورة الأخيرة لكليهما هي أنهما خاطئان ماتا في خطيتهما دون توبة عنها، وأي خاطئ لا يتوب، لا شبهة في مصيره على الإطلاق سواء أكان من داخل الكنيسة أو من خارجها.

على أية حال فإن أمرهما بين يدي الله وحكمه الأبدي،... ولكن قصة الرجل وامرأته ستبقى على الدوام القصة التي تعلم الخطاة والمؤمنين هذه الحقيقة الخالدة: «مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ!... لأَنَّ إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ»!!... (عبرانيين 31:10، 29:12).