العودة الى الصفحة السابقة
يعقوب ولأبان

يعقوب ولأبان

جون نور


«وَأَتَى اللهُ إِلَى لاَبَانَ الأَرَامِيِّ فِي حُلْمِ اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: «احْتَرِزْ مِنْ أَنْ تُكَلِّمَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ أَوْ شَرّ» (تك 24:31).

كنا قد تحدثنا في الأسابيع الماضية عن قصة عيسو وأخيه يعقوب ونتحدث في الأسبوع عن يعقوب وحميه لأبان.

وجد يعقوب في خاله نداً له بل صورة منه. فقد كان لأبان ماكراً، يأخذ الأمور بالحيلة وحسن السياسة. وكان يعقوب كذلك !!ولقد رأيناه – بعد أن أقام يعقوب عنده شهراً، يتقدم إليه وقد وضع على فمه ابتسامة كبيرة، ويقول، ألأنك أخي تخدمني مجاناً؟ عين لي أجرتك !!لم يكن هذا منه مراعاة ليعقوب وصالح يعقوب، بل مراعاة لنفسه ومصلحة نفسه. لقد رأى في يعقوب الرجل الذي يحسن رعاية أغنامه، فهو يعمل على إبقائه بكل وسيلة. وإذ يطلب منه يعقوب أن يزوجه من ابنته راحيل، لا يمتنع بالقول: إننا لا نزوج الصغرى أولاً، بل يقول، إن أعطيك إياها خير من أن أعطيها لرجل آخر!

ولكنه في نهاية السنين السبع، وتحت ستار الليل، يضع ليئة في خباء يعقوب وعندما يثور عليه يعقوب ويتهمه بالخداع لا يضطرب بل يقول وابتسامته لا تفارق شفتيه، لا يفعل هذا في مكاننا، أن تعطى الصغيرة قبل البكر. أكمل أسبوع ليئة فنعطيك راحيل بالخدمة التي تخدمني أيضاً سبع سنين آخر. وهكذا ضمن بقاء يعقوب معه مدة ثانية!ولما فرغ يعقوب من دفع (ثمن) زوجتيه تقدم إلى خاله وقال أصرفني لأذهب إلى مكاني وإلى أرضي. أعطني نسائي وأولادي الذين خدمتك بهم فأذهب. لأنك أنت تعلم خدمتي التي خدمتك! ولم يكشر لأبان عن ناب الغضب ولم ينتهر ابن أخته. ولو أننا كشفنا قلبه لوجدناه يغلي غضباً. ولكنه ابتسم في وجهه وقال ليتني أجد نعمة في عينيك. قد تفاءلت فباركني الرب بسببك. أبق معي وعين لي أجرتك!

أما يعقوب فلا يطلب أجرة حسب الظاهر. وهو يقول ذلك صراحة، لا تعطني شيئاً. إن صنعت لي هذا الأمر أعود أرعى غنمك وأحفظها. اجتاز بين غنمك كلها اليوم، واعزل أنت منها كل شاة رقطاء وبلقاء وكل شاة سوداء بين الخرفان وبلقاء وكل شاة سوداء بين الخرفان وبلقاء ورقطاء بين المعزى فيكون مثل ذلك أجرتي. ويشهد فيّ بري يوم غد إذا جئت من أجل أجرتي قدامك. كل ما ليس أرقط أو أبلق بين المعزى وأسود بين الخرفان فهو مسروق عندي.

وفكر لأبان في نفسه، أن يعقوب لا يعلم ولا شك أن أجرته ستكون تافهة جداً لأن اللون الأسود بين الخرفان والأرقط والأبلق بين المعزى نادر كل الندورة. وإذا عزلنا الموجود من هذا بعيداً فلن يحصل يعقوب على شيء!

وتم فحص الغنم وأخرجوا منها الأسود والأرقط والأبلق ودفعوها إلى أولاد لابان ليرعوها على مسافة ثلاثة أيام حتى لا يكون ثمة اختلاط بينها. وكان المنتظر أن يكون نتاج الأغنام الباقية نظيرها، لا أرقط ولا أبلق ولا أسود. غير أن يعقوب كان يخفي سره. لقد تعلم في بيت أبيه ومن رعاة كنعان بعض حيلهم مع الغنم وها هو يمارس بعضها. أخذ لنفسه قضباناً خضراً من لبنى ولوز ودلب وقشر فيها خطوطاً بيضاً كاشطا عن البياض الذي على القضبان. وأوقف القضبان التي قشرها في الأجران في مساقي الماء – حيث كانت الغنم تجيء لتشرب، تجاه الغنم – لتتوحم عند مجيئها لتشرب. فتوحمت الغنم عند القضبان وولدت الغنم مخططات ورقطاً وبلقا. وكرر يعقوب هذه العملية إلى أن استضعفت الغنم. فاتسع الرجل كثيراً جداً. وكان له غنم كثير وجوار وعبيد وجمال وحمير !!

وقد اندهش لأبان في أول الأمر، وهو يرى كل النتاج من النوع الذي ليعقوب. فغير الشرط مرة ومرتين وثلاث مرات. وفي كل مرة كان (الحظ) يقف في صف يعقوب !!

وبانت ليعقوب رائحة الغدر فانشغل نوعاً ما. هل صلى؟ نظن أنه فعل، ولا بد أنه استنجد بملاكه الحارس الذي لاقاه في بيت إيل. وفي الليل ظهر له الملاك وقال، ارجع إلى أرض آبائك فأكون معك!!

وأخبر يعقوب زوجتيه إن ذلك تم بتدبير الله وإن ملاك بيت إيل سبق وأخبره بكل ذلك. وإن هذا الملاك بعينه قد ظهر له أخيراً وأمره بالعودة إلى أرض ميلاده!

ورتب يعقوب أموره وبدأ يعد نفسه للسفر. كان يعلم أن لأبان لن يتركه يسافر وأنه سيمنعه بالقوة. لقد انقضى عهد الابتسامة والكلام الناعم. سيأخذ زوجاته وأولاده وسيطرده وحيداً كما جاء. وإذا لزم الأمر فإنه يجلده ويسجنه!ويقتله!!!

ولم يعلم لأبان بهروب يعقوب إلا في اليوم الثالث، فأخذ عدداً من أهله وسعى وراء يعقوب مسيرة سبعة أيام حتى أدركه في جلعاد. وكان في نيته أن يقضي على يعقوب ويسلبه كل ماله. ولكن الله ظهر له في حلم وحذره من الإساءة إلى يعقوب. ويبدو أن التحذير كان قوياً حتى أن لابان كف عن أن يأتي إساءة!

نلاحظ الرجلين الماكرين يتقابلان وجهاً لوجه، ويحاول كل منهما أن يوقع اللوم على الآخر. كان كل منهما يقول ما لا يؤمن به. اسمعوا أعزائي المستمعين لأبان يقول ماذا فعلت وقد خدعت قلبي وسقت بناتي كسبايا السيف. لماذا هربت خفية وخدعتني ولم تخبرني حتى أشيعك بالفرح وبالأغاني والدف والعود. ولم تدعني أقبل بني وبناتي. الآن بغباوة فعلت. في قدرة يدي أن أصنع بكم شراً ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلاً احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو بشر! قطع كلاهما عهد سلام حول وليمة. وفي الصباح قبّل لابان بنيه وبناته وباركهم ومضى.

وتنفس يعقوب الصعداء ورفع عينيه إلى الله في صلاة الشكر!!