العودة الى الصفحة السابقة
صفنيا

صفنيا

جون نور


«اطْلُبُوا الْبِرَّ. اطْلُبُوا التَّوَاضُعَ. لَعَلَّكُمْ تُسْتَرُونَ فِي يَوْمِ سَخَطِ الرَّبِّ» (صفنيا 3:2).

لا يكاد يعرف الشُرّاح ودارِسو الكِتاب شيئاً عن صفنيا النبي، خارج ما جاء في سفره ونبوّته، ومع ذلك فالعِبارات التي ذُكِرت عنه، كافِية لأن تكشف لنا شخصيّة عظيمة، لعلّها كانت من أبرز وأعظم الشخصيّات المعروفة في عصرها، وكان واحِداً مِمّن جرى فيهم الدم الملكي، والاسم، صفنيا مِعناه: «الرب يُخبئ» أو «الرب يحرس» ويُشير إلى الشخص الذي يُخبئه الرب ويحرسه في يوم الخطر والدمار،

عِندما بدأ صفنيا نبوّته كانت الأمة الأشورية قد أخذت في التراجع والتقهقر، بعد أن بلغت قمة مجدها، أمام الكِلدانيين الذين قاموا بِغزواتهم الواسِعة في غرب آسيا، وابتدأ نجمهم يعلو ويرتفع ويسود بسرعة خاطِفة وقوّة مُذهِلة!!...

صفنيا صوّر شناعة الخطيّة وعِقاب الله لها، وكان أكثر الأنبياء والرُسل في الحديث عن يوم الرب، ويوم الرب إذا كان يشير مبدئياً إلى العِقاب الذي ألمّ بأورشليم والممالك التي حولها، فإنه يرمز أساساً إلى اليوم الأبدي المخوف حين يدين الله المسكونة بالعدل والشعوب بالاستقامة، وحين يطهر الأرض من كل النجاسات والمفاسد، ويُقيم العصر المجيد الذي تنزل فيه أورشليم السماوية مِن عِند الله كعروس مُزيّنة لِرجلها!!... وحين يحكم الله حكمه الأبدي في المجد العتيد!!...

كانت مدينة أورشليم في زمن صفنيا، تظنّ أنها أفضل من غيرها، ولكن صفنيا يصفها بالقول: «وَيْلٌ لِلْمُتَمَرِّدَةِ الْمُنَجَّسَةِ، الْمَدِينَةِ الْجَائِرَةِ!»... (صفنيا 1:3) أو في لغة أُخرى، هي المدينة الغارِقة في إثمها وشرّها وشهواتها، الجامِدة على دروبها أي الشبيهة بالخمر العَكِرة التي رسب عكارها، فلم تنتقل من إناء إلى إناء لِتتنفى!!... وليس هذا فحسب، بل أكثر من ذلك، أن القادة والرؤساء في وسطها أشبه بالأسود الزائرة في قسوتهم،... ولعلّ أقسى ما تُصاب به أمة ان يكون رؤساؤها قُساة القلوب، غلاظ المشاعِر،... ، بدون رسالة من الله،... وبذلك يغدرون بالشعب، وما أشرّ أن ينطق النبي عن الهوى والخداع، إذ يعيش المجموع بذلك في عالم من الأضاليل والأباطيل، أما الكَهنة فهُم مُنجسّون إذ هم نجسون بأعمالهم وتصرّفاتهم، كما أنهم خالفوا الشريعة في نُظمها وفرائِضها ووصاياها... وهل يرى الله هذا ويسكت وهو الإله العادِل الذي لا يفعل ظُلماً، ووشيكاً سيظهر حقّه وعدلِه كالنور؟!!...لأن الله لا يُمكِن أن يسكت على الشرّ أو يتهاون مع الإثم!!...

لم تكن التوبة الصحيحة أيّام صفنيا قائِمة، ولأجل ذلك لم يتحدّث عن عوده من السبي كغيره من الأنبياء، بل تحدّث فقط عن بقيّة انتزع الله كِبرياءها وتعدّيها، فأضحت شعباً مسكيناً بائِساً يتوكّل على الرب: إن الذين يتوّكلون على الله لا يمكن أن يصبّ عليهم حكماً أو قضاء، أو يُرسل عليهم من يضايقهم أو يتعبهم، كلا فـ «قَدْ نَزَعَ الرَّبُّ الأَقْضِيَةَ عَلَيْكِ، أَزَالَ عَدُوَّكِ».. (صفنيا 15:3).

على أن الصورة الأخرى التي رسمها صفنيا عن يوم الرب، كانت صورة رهيبة مُرعبة، أخذت شكلها الأول في غزو الكِلدانيين والذي كان مُخيفاً إلى أبعد الحدود، وقد وقف هذا الغزو على أبواب أورشليم ويهوذا، على أبشع ما يُمكِن أن يتصوّره الإنسان: «نَزْعًا أَنْزَعُ الْكُلَّ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ. أَنْزِعُ الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ. أَنْزِعُ طُيُورَ السَّمَاءِ وَسَمَكَ الْبَحْرِ، وَالْمَعَاثِرَ مَعَ الأَشْرَارِ، وَأَقْطَعُ الإِنْسَانَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَأَمُدُّ يَدِي عَلَى يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ» .. (صفنيا 2:1 – 4) «قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمِ. قَرِيبٌ وَسَرِيعٌ جِدًّا. صَوْتُ يَوْمِ الرّبِّ. يَصْرُخُ حِينَئِذٍ الْجَبَّارُ مُرًّا. ذلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُ سَخَطٍ، يَوْمُ ضِيق وَشِدَّةٍ، يَوْمُ خَرَابٍ وَدَمَارٍ، يَوْمُ ظَلاَمٍ وَقَتَامٍ، يَوْمُ سَحَابٍ وَضَبَابٍ. يَوْمُ بُوق وَهُتَافٍ علَى الْمُدُنِ الْمُحَصَّنَةِ وَعَلَى الشُّرُفِ الرَّفِيعَةِ. وَأُضَايِقُ النَّاسَ فَيَمْشُونَ كَالْعُمْيِ، لأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَى الرَّبِّ، فَيُسْفَحُ دَمُهُمْ كَالتُّرَابِ وَلَحْمُهُمْ كَالْجِلَّةِ. لاَ فِضَّتُهُمْ وَلاَ ذَهَبُهُمْ يَسْتَطِيعُ إِنْقَاذَهُمْ في يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ، بَلْ بِنَارِ غَيْرَتِهِ تُؤْكَلُ الأَرْضُ كُلُّهَا، لأَنَّهُ يَصْنَعُ فَنَاءً بَاغِتًا لِكُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ» (صفنيا 14:1 – 18) «لِذلِكَ فَانْتَظِرُونِي، يَقُولُ الرَّبُّ، إِلَى يَوْمِ أَقُومُ إِلَى السَّلْبِ، لأَنَّ حُكْمِي هُوَ بِجَمْعِ الأُمَمِ وَحَشْرِ الْمَمَالِكِ، لأَصُبَّ عَلَيْهِمْ سَخَطِي، كُلَّ حُمُوِّ غَضَبِي. لأَنَّهُ بِنَارِ غَيْرَتِي تُؤْكَلُ كُلُّ الأَرْضِ».... (صفنيا 8:3).

ولعلّ من اللازِم أن نُشير هُنا إلى أن ما تحدّث به صفنيا كان هو بِعينه الذي تحدّث عنه الرب يسوع المسيح في الأصحاح الرابع والعشرين من إنجيل متى، والذي كانت فيه أورشليم وخرابها الرهيب القريب، رمزاً لِذلك الخراب النِهائي الشامِل الذي سيلحق الأشرار في اليوم الأخير،..

إن يوم الرب بِالحقيقة إذا كان للأشرار قديماً أو حديثاً أو في النِهاية عِقاباً وعذاباً وضياعاً، فهو لِلمؤمنين أغنية ومجد وسلام، أو كما قال المرنم في المزمور الثامن والتسعين: «اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ. اهْتِفُوا وَرَنِّمُوا وَغَنُّوا. رَنِّمُوا لِلرَّبِّ بِعُودٍ. بِعُودٍ وَصَوْتِ نَشِيدٍ. بِالأَبْوَاقِ وَصَوْتِ الصُّورِ اهْتِفُوا قُدَّامَ الْمَلِكِ الرَّبِّ! لِيَعِجَّ الْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ، الْمَسْكُونَةُ وَالسَّاكِنُونَ فِيهَا. الأَنْهَارُ لِتُصَفِّقْ بِالأَيَادِي، الْجِبَالُ لِتُرَنِّمْ مَعًا أَمَامَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ جَاءَ لِيَدِينَ الأَرْضَ. يَدِينُ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ وَالشُّعُوبَ بِالاسْتِقَامَةِ»... (مزمور 98: 4 - 9).

أعزائي المستمعين ما أصعب وما أرهب يوم الرب العظيم حين يعج البحر وملؤه والمسكونة والساكنين فيها.

لكن الذين اختبئوا في الفلك لن ينزل عليهم طوفان الرب لأنهم اختبئوا في صليب المسيح وعمله الكفاري على الصليب فأدعوك عزيزي المستمع أن تهرب إلى الرب يسوع وتختبئ فيه.