العودة الى الصفحة السابقة
سيمون الساحر

سيمون الساحر

جون نور


«وَسِيمُونُ أَيْضًا نَفْسُهُ آمَنَ. وَلَمَّا اعْتَمَدَ كَانَ يُلاَزِمُ فِيلُبُّسَ» (أعمال 13:8)

لا يمكن أن نتعرف على قصة سيمون الساحر في السامرة، قبل أن نتذكر أن السامريين، هم ذلك الخليط الذي جاء إلى الأرض المقدسة وكانوا مزاجاً من الدين والخرافة معاً،.... اختلط الكثيرون منهم باليهود بالمعايشة والتزاوج والمصاهرة والمعاملة، حتى أن السامرية وهي في أعماق فسادها تقول للسيد المسيح: «أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ، الَّذِي أَعْطَانَا الْبِئْرَ، وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟»...((يوحنا 4: 12).

كانت النهضة في السامرة أول صورة لعمل الله العجيب خارج أورشليم بعد يوم الخمسين، ومن السهل في مثل هذه الظروف، أن تأخذ روح الجماعات الناهضة في موجتها وحماسها الجماهيري الكثيرين الذين يقبلون الكلمة بفرح ولكن ليس لهم أصل في ذواتهم، وما أسرع ما يتعثرون عند الضيق أو الاضطهاد أو أولئك الذين يعيشون بين هم العالم وغرور الغني وما أيسر أن تخنق كلمة الله في حياتهم فتصير بلا ثمر!!...

هناك خلاف في الرأي حول إيمان سيمون، فهناك من الشراح من يعتقد أن سيمون لم يعرف الإيمان يوماً واحداً، وأنه تظاهر به للمنفعة، وسيراً في التيار الذي جر المدينة بأكملها وراء فيلبس، وأنه كان نوعا ًمن المداورة السحرية التي قصد منها أن يتمم أهدافه، ولكن بصورة أخرى،... غير أن هناك من يرى أن سيمون آمن إذ أخذ بالموجة العارمة التي حملت الجماهير الغفيرة، وأنه وقع تحت تأثير هذه الانفعالات ، وأنه مثل الكثيرين الذين يستجيبون في نشوتهم إلى حماس الدعوة الدينية وغيرتها، وعلى وجه الخصوص عندما يرون الآخرين يتمتعون بفرح عجيب لا يمكن أن يكون مصدره بشرياً أو إنسانياً على الإطلاق،... وأنه في الحقيقة كان مخدوعاً لم يصل الإيمان به إلى حد التجديد والتغيير الكلي والخليقة الجديدة في المسيح يسوع،

كان سيمون قد بلغ أقصى الشهرة في سحره، وأضحى قبلة أنظار المدينة، فإنه لا يستطيع أن يرى الجميع يتحولون عنه إلى المبشر الجديد فيلبس،... والموت أهون عنده من فقدان الشهرة العظيمة التي وصل إليها من وراء الشعوذة والسحر ولسنانعلم كم من الأيام والليالي قضاها الرجل دون أن يذوق طعم النوم والمدينة كلها متجهة إلى فيلبس!!.... ومن الناس من يريد أن يكون الأول في جهنم وليس الآخر في الجنة!!.... لقد كان الرجل يكسب ذهباً من سحره وشعوذته، فكان المال يتدفق عليه من كل مكان، والرجل يدعى أو ينصب أو يغش أو يخدع، فكل شيء مباح في سبيل المال،... وها قد وفد إلى المدينة رجل لا يطلب مالاً، ولا يعطى شيئاً بمقابل، ويده مبسوطة للمساعدة والإحسان والخير والرفق والرحمة،... لقد تحولت تجارة الرجل الضائعة لهيباً يحرق حياته بأكملها، وهناك تقليد يقول أنه خرج من المدينة إلى روما لعله يعوض في العاصمة ما فاته من الخسارة في المدينة التي اكتسحها الإيمان المسيحي!!....

بلغ الرجل بشاعته الكاملة، عندما «خشخش» بجيبه للرسول بطرس،... وهو يؤكد له أن الدنيا تجارة، مهما اختلفت بضاعتها، والشاطر هو الذي يحسن التجارة ويستثمرها وينميها،... كان يتاجر قبلا بالسحر، فلماذا لا يتاجر بالدين أيضاً، وهو ساحر في جلب المال ينتزعه من جيوب الناس بخفة يد لا نظير لها، والدين يمكن أن يكون سلعة كباقي السلع تباع وتشترى،... وبطرس كما هو باد من مظهره رجل فقير، قال ذات مرة لمن يطلب إحساناً: «لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ»... (أعمال 6:3) وسيمون عنده الكثير من الفضة والذهب، فجيبه ممتلئ، وبيته ممتلئ، فإذا لم يكف ما في جيبه، فإنه يستطيع أن يركض إلى البيت، ويأتي بالكثير، وبطرس يستحق أن يعطى، فهو رجل طيب، ومحتاج، ولا يمانع بته، وسيكون مجنوناً لو رفض العرض السخي المقدم له!!...

ومع أن بطرس رفض العرض بقسوة بالغة في القول: «لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاَكِ، لأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَقْتَنِيَ مَوْهِبَةَ اللهِ بِدَرَاهِمَ!» (أعمال 20:8) امتلأ بطرس بالغضب المقدس، وهو يتحدث إلى الرجل، ولعل هذا الغضب كان نوعاً من الرحمة، لو أن سيمون وعاها وأدركها، لقد بين له الرسول بشاعة عمله، وفي الوقت عينه فتح أمامه طريق التوبة أمام الله، بالندم والصلاة،... وحسم بطرس الأمر في كل التاريخ إذ لا نصيب أو قرعة لمن يستخدم المال وسيلة للقفز إلى الخدمة الكنسية، وهي لمن يفعل ذلك طريق إلى الهلاك والضياع الأبدي!!...

إن الرواية الكتابية تشجع على التصور الذي جاء في التقليد من أن الرجل تحول عدوا سافراً للمسيحية في كل مكان، ودخل في الصراع معها كالمرتد الذي يريد أن يتجاهل ارتداده أو يغطيه بالحرب على ما كان يعتنقه أو يؤمن به، وذهب سيمون إلى جحيمه الأبدي، وما تزال السيمونية تلعب دورها التعس، وأغلب الظن أنها ستظل تفعل ذلك، إلى أن يأتي المسيح ويقف كل واحد أمام عرشه ليعطي حساباً عما فعل بالجسد خيراً كان أم شراً!!...