العودة الى الصفحة السابقة
الطوفان

الطوفان

جون نور


كلنا نقرأ في الكتاب المقدس عن قصة الطوفان دون ان نقترب من هذا الحدث او حتى التطرق الى فحواه ومعناه بالنسبة لنا نحن المؤمنين في الأصحاح السابع من سفر التكوين.

تكلم الله فحدثت ثلاثة أمور:

1. «انْفَجَرَتْ كُلُّ يَنَابِيعِ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ» (تكوين 11:7).

2. «وَانْفَتَحَتْ طَاقَاتُ السَّمَاءِ» (تكوين 11:7).

3. «كَانَ الْمَطَرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً» (تكوين 12:7).

لنتناول أولاً سؤالين مألوفين: • من أين أتت المياه؟ • وإلى أين ذهبت المياه التي غطت الجبال؟

إن الجواب عن السؤال الأول، من أين أتت المياه؟، بسيط: كانت تلك المياه المختزنة داخل المظلة المائية منذ اليوم الثاني من أسبوع الخلق. وكان الله قد أوجد هذه المظلة لحماية خليقته ولتأمين الغلاف الجوي الكامل والأنسب لصحة الإنسان ونموه. لكن عندما تفاقم عصيان الإنسان في نظر الله، أصبحت هذه المظلة عينها مصدراً كافياً للمياه التي تسببت بالطوفان المروّع.

أما الجواب عن السؤال الثاني: أين ذهبت المياه التي غطت الجبال؟، فقد ورد أيضاً في الكتاب المقدس، كما أن الدليل على هذه الحقيقة منتشر في كل مكان حولنا. فالكتاب المقدس يخبرنا بأن المياه غطت جميع الجبال الموجودة آنذاك، والمشار إليها في سفر التكوين كتلال عالية، وذلك حتى ارتفاع 15 ذراعاً: «فَتَغَطَّتْ جَمِيعُ الْجِبَالِ الشَّامِخَةِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ. خَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا فِي الارْتِفَاعِ تَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ» (تكوين 19:7 و20).

لنتذكر أن الأرض، قبل الطوفان، كانت مختلفة عما هي عليه الآن. فالمطر لم يكن معروفاً قبل الطوفان، وذلك بشهادة الكتاب المقدس: في سفر التكوين والأصحاح الثاني

«... لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَمْطَرَ عَلَى الأَرْضِ، وَلاَ كَانَ إِنْسَانٌ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ. ثُمَّ كَانَ ضَبَابٌ يَطْلَعُ مِنَ الأَرْضِ وَيَسْقِي كُلَّ وَجْهِ الأَرْضِ» (تكوين 5:2 و 6).

لم تكن هناك أية جبال شامخة، ولا رياح هوجاء أو ثلج أو مطر قبل الطوفان. ذلك لأنه لم يكن لهذه جميعها أي دور داخل العالم الكامل الذي خلقه الله. فالأرض كلها كانت تشهد مناخاً معتدلاً كما يظهر من سجل المتحجرات.

• كانت هذه المساحات غارقة تحت المياه. وتؤكد ذلك قمم الجبال المكوّنة إلى حدّ كبير من طبقات صخرية بحرية وغالباً ما تحوي متحجرات بحرية حديثة العهد.

• إن الارتفاعات الجبلية العظمى مع الانخفاضات في أحواض البحار، كان سيرافقها حتماً وفرة من نشاطات أخرى متعلقة بالزلازل، من صنف الفلقات في قشرة الأرض والطيات والضغوط وحركات الأرض على أشكالها. وهكذا باستطاعتنا تفسير ظاهرة حزام الزلازل في الوقت الحاضر مع نشاط الزلازل المتواصل حول العالم، على أنهما من الإفرازات الباقية من تكوين المرتفعات العظيمة بعد الطوفان.

• وهذا الأمر عينه ينطبق أيضاً على ظاهرة البراكين المنبعثة من الأرض: انفجار ينابيع الغمر (تكوين 11:7). إن عملية توازن القشرة الأرضية، ولاسيما المرتفعات الجبلية التي حصلت بعد الطوفان، لابد من أنها كانت قد تسبّبت بإطلاق كميات إضافية من المواد البركانية. ويظهر هذا من خلال العدد الهائل من السهول البركانية الحديثة العهد المنتشرة حول العالم. كما يدل على ذلك أيضاً العدد الكبير من البراكين التي لم تنطفئ إلا في الآونة الأخيرة، ناهيك عن تلك التي لا تزال ناشطة حتى اليوم.

لكن، على أي ارتفاع تغطت الجبال؟ يذكر الكتاب المقدس أن مياه الطوفان تعاظمت حتى ارتفاع 15 ذراعاً فوق الأرض. وإذا قام أحدنا بحساب كمية المياه الضرورية لجعل فلك نوح يطفو، فالنتيجة التي يحصل عليها، ويا للعجب، هي 15 ذراعاً. فالله يقول لنا اليوم إنه حرص على جعل الفلك يطفو بأمان فوق أعلى الجبال من دون أن يصاب بأي أذى حتى خشب الجفر في أقصى أسفل المركب. فما أعظم إلهنا الذي يهتم بكل تفاصيل حياتنا.

يذكر لنا الكتاب المقدس أن الفلك استقر على جبال أراراط. ثم سرعان ما تبدل المناخ كما سنرى في ما بعد، وبدأ تساقط الثلوج. وفي نهاية المطاف، أصبح الجبل محتجزاً باستمرار داخل قلنسوة من جليد. ولعل الفلك بقي هو نفسه محفوظاً في الجليد على مدى آلاف السنين، كأنه أشبه بنصب يشهد بصمت على دينونة الله على عالم الفجار.

الدعوة للمؤمنين هي من جديد إلى التمسك بحرفية كلمة الله، لأنها كاملة من كل وجه. فالعلم الحقيقي يتفق مع رواية الطوفان؛ والبرهان منتشر في كل مكان حولنا: على حدث الطوفان حصل فجأة قبل آلاف السنين؛ وعلى فلك صمم على نحو كامل لمقاومة الظروف القاسية المذكورة في سفر التكوين. هذا الفلك الذي حضن نوحاً وعائلته مع اثنين من كل نوع من الحيوانات وحفظهم جميعاً سالمين إلى حين تراجع مياه الطوفان. كذلك يشهد هذا البرهان على غلاف جوي مختلف وغير مألوف لدينا لأنه قادر على إعلان وعد الله: قوس قزح.

هذا البرهان هو إذاً واضح كنور الشمس، وهكذا لا يبقى أي عذر للذين اختاروا ألا يؤمنوا.