العودة الى الصفحة السابقة
ثلاثة لم يتبعوا يسوع

ثلاثة لم يتبعوا يسوع

جون نور


«18 وَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ جُمُوعًا كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِالذَّهَاب إِلَى الْعَبْرِ. 19 فَتَقَدَّمَ كَاتِبٌ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». 20 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». 21 وَقَالَ لَهُ آخَرُ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». 22 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اتْبَعْنِي، وَدَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ»(متّى 18:8 – 22) (ولوقا ص 9)

نجد قصة تقدم لنا ثلاثة رجال. ولا تذكر لنا القصة شيئاً عن أسمائهم أو بلادهم التي جاءوا منها، ولكننا نراهم بكل وضوح في صور ثلاث.

نرى ثلاثة رجال قد جُذبوا إلى يسوع، وكل واحد منهم يختلف عن الآخرين في التفكير، وفي نظرته إلى الأشياء. كما نرى يسوع يرد على كل واحد منهم في عبارات موجزة حازمة.ولا نجد في القصة نتيجة لأية حالة منها.

الأول منهم كان كاتباً. جاء هذا الرجل لى يسوع وقال له:

«يا سيد اَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي» – فهو لم يأتِ إلى يسوع بسؤال، ولم يقحم نفسه في النقد، كما كان يفعل الكثيرون من زملائه. ولذلك يظهر لنا أنه شخص أسره يسوع حتى جاء إليه قائلاً: «يا سيد اتبعك أينما تمضي». وهكذا نرى الرجل يقف أمام شخص أحسَّ أنه يستطيع أن يتبعه في كل مكان.

وعندما نأتي إلى الثاني من هؤلاء الرجال، نجد متّى يحدثنا عنه أيضاً – دون لوقا – فيقول أنه كان تلميذاً. كان ضمن عداد الذين كانوا من أتباع يسوع. ولا نجد ما يدل على أنه تحدث إلى يسوع حتى قال له: «اتبعني». وهنا نجد يسوع يخاطب هذا الرجل، وهو تلميذ، ويعطيه أمراً جديداً ويدعوه إلى صلة معه أكمل وأعظم، وجوابه ليسوع أظهره:

«يا سيد ائذن لي أن أذهب وادفن أبي». وهذا الجواب يعلن الحقيقة من حيث أنه كان إنساناً مكرساً لواجب سام، وقديراً على الحب الأرضي. وكانت هذه الأشياء متمكنة منه، حتى عندما دعاه الرب إلى صلة أسمى وعلاقة أقرب، أجاب بأنه لا يستطيع أن يلبِّي الدعوة في الحال من أجل الواجبات الحاضرة.

أما الشخص الثالث فلا نعلم عنه شيئاً إلا مما حصل. تكلم إلى يسوع قائلاً: «اتبعك يا سيد ولكن ائذن لي أولاً أن أودع الذين في بيتي». ويتصف هذا الرجل – مثل الرجل الأول – بالباعث الذي دفعه لأن يقول ليسوع أيضاً: «اتبعك». وهنا نرى إنساناً يحسُّ بجاذبية نحو يسوع، وينوي أن يسير وراءه ويؤيد عزمه، ولكنه يشعر، إلى حين، بما يجذبه إلى الوراء. ومسألة وداع الأهل هنا لا تعني مجرد «مع السلامة» – ولكنها تعني تأخيراً طويلاً مصحوباً بوليمة فرح وطرب. أن رغبة هذا الرجل هي التي عطلته في ذلك الحين.

وهكذا نرى الرجال الثلاثة، وقد استمالهم يسوع إليه وأحسُّوا بقوة شخصيته، ورغبوا في إتباعه، ولكنهم اختلفوا في تصرفهم.

الأول الذي أظهر استعداده أن يتبع يسوع أينما يمضي قال له يسوع: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه». وبهذا القول قصد يسوع أن يعلن موقفه. فللثعالب أوجرة تستطيع أن تجري إليها. والطيور لها أوكار تستريح فيها. وهذا القول كان إعلاناً واضحاً لهذا الرجل لما يعنيه السير وراء يسوع.

وللرجل الثاني قال له يسوع أمراً: «اتبعني». وبهذا دعاه يسوع دعوة أعلى لم يعرفها قبلاً، دعاه إلى شركة في طريق لم يرها ولا فهمها ولكنها، مع ربنا نفسه. وهذا الطريق معلن في قول يسوع: «دع الموتى يدفنون موتاهم». دع الذين تنقصهم الرؤى، الذين لا يعرفون مجد الملكوت يحضرون دفن أولئك الذين يعيشون في نفس المستوى الأرضي. إن يسوع دعا هذا الإنسان أن يبتعد عن أقرب الروابط الأرضية، ليتمتع بالدعوة العليا التي كان فيها يسوع نفسه. وفي هذه القرابة المقدسة توجد التزامات تسمو بالدعوة فوق كل قرابة أرضية.

وعندما يجيء إلى الرجل الأخير نجد الرغبة عينها، الإلزام عينه، القصد عينه. إنه أراد أن يتبع يسوع، ولكنه أراد أيضاً أن يؤجل الأمر إلى أن يعود ويودع من في بتيه. وجواب يسوع لهذا الرجل يظهر أنه كان شديد اللهجة. قال له:

«ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله». فالنظر إلى الوراء دليل على أن الشخص غير لائق للملكوت ولا لخدمة الملكوت، دليل على أنه غير لائق لمرافقة يسوع.

ولنصغ إلى جواب يسوع لكل واحد من هؤلاء الرجال الثلاثة:

فردٌّة على الرجل الأول دليل على ضرورة الانفصال عن كل ما يمنع التقدم. وردُّه على الرجل الثاني دليل على ضرورة إبعاد أقوى الروابط البشرية وأقربها عندما تعترض سبيل دعوة المسيح العليا. وجوابه للرجل الثالث يعلن الحقيقة بأن الإخلاص الصحيح لا يحتاج إلى تردد أو إلى نظرة إلى الوراء.

لا تخبرنا قصة الإنجيل ماذا كان مصير كل من هؤلاء الرجال الثلاثة، ولكننا نعلم أنه في حالة قبول كل واحد منهم، كان هناك الاختيار بين قبول يسوع وطريقه، أو العودة إلى العلاقات الأرضية.

ولنتذكر موقف يسوع من هؤلاء الرجال الثلاثة وجوابه لكل واحد منهم في ضوء العبارة: «ثبَّت وجهه نحو أورشليم» حيث كان الصليب في انتظاره. وهذا ما تعنيه تبعية المسيح.

فيا إلهي أعني لأسير في أثر خطواتك حتى أن كان هذا يقودني إلى التضحية والألم، فهنا السبيل إلى النصرة، فالمجد.