العودة الى الصفحة السابقة
أليصابات

أليصابات

جون نور


يسرني أن أتناول شخصية نسائية هامة لها علاقة بميلاد المسيح، وهي أليصابات زوجة زكريا الكاهن، وأم يوحنا المعمدان الذي عُرف بالسابق، لأنه سبق المسيح في مجيئه، وكان يُعد الطريق أمامه بالدعوة إلى التوبة.

المعروف أن أليصابات هي زوجة زكريا الكاهن، أبو يوحنا المعمدان، والمعروف عنها أنها امرأة تقية من سبط لاوي، أحد أسباط بني إسرائيل الاثني عشر، وهي قريبة السيدة العذراء بالنسب، ولم يكن لهما ولد، لأن أليصابات كانت عاقراً لا تلد، وقد تقدمت بهما السن. فكانا يطلبان من الله دائماً أن يرزقهما طفلاً.

وذات يوم عندما كان زوجها زكريا الكاهن يصلي في هيكل الرب، ظهر له ملاك الرب وقال له: «... لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَاٰمْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ اٰبْناً وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَاٰبْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ، لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيماً أَمَامَ اٰلرَّبِّ، وَخَمْراً وَمُسْكِراً لاَ يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ اٰلرُّوحِ اٰلْقُدُسِ. وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى اٰلرَّبِّ إِلٰهِهِمْ. وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ اٰلآبَاءِ إِلَى اٰلأَبْنَاءِ، وَاٰلْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ اٰلأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْباً مُسْتَعِدّاً». فَقَالَ زَكَرِيَّا لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ أَعْلَمُ هٰذَا، لأَنِّي أَنَا شَيْخٌ وَاٰمْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟» فَأَجَابَ اٰلْمَلاَكُ: «أَنَا جِبْرَائِيلُ اٰلْوَاقِفُ قُدَّامَ اٰللّٰهِ، وَأُرْسِلْتُ لأُكَلِّمَكَ وَأُبَشِّرَكَ بِهٰذَا. وَهَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتاً وَلاَ تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ، إِلَى اٰلْيَوْمِ اٰلَّذِي يَكُونُ فِيهِ هٰذَا، لأنَّكَ لَمْ تُصَدِّقْ كَلاَمِي اٰلَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ» (لوقا 13:1 – 20).

لا شك أن أليصابات عرفت بما قاله الملاك لزوجها زكريا، ورغم أن ذلك لا يُصدق بأن امرأة عاقراً لم تلد طيلة حياتها، تحبل في سن الشيخوخة، إلا أنها كانت تثق بأمانة الله وصدق مواعيده، فوضعت كل ثقتها به وكل اتكالها عليه. وهكذا حبلت أليصابات وهي شيخه متقدمة في السن، وهذا بلا شك أمر عجيب.

أهم ما في علاقة أليصابات بالنسبة للمسيح، هي أنه عندما كانت حاملاً في شهرها السادس بطفلها الوحيد يوحنا، أرسل الله ملاكه جبرائيل إلى العذراء مريم التي كانت مخطوبة آنذاك لرجل اسمه يوسف. «فَدَخَلَ إِلَيْهَا اٰلْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا اٰلْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي اٰلنِّسَاءِ». فَلَمَّا رَأَتْهُ اٰضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هٰذِهِ اٰلتَّحِيَّةُ! فَقَالَ لَهَا اٰلْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اٰللّٰهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ اٰبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَاٰبْنَ اٰلْعَلِيِّ يُدْعَى» (لوقا 1: 28 – 32).

عندها رضخت مريم لإرادة الله، ومجدّت اسمه، وقبلت إرادته، علماً أنها فتاة شرقية تعيش في مجتمع محافظ، وجزاء من تحبل دون زواج شرعي هو القتل والرجم. ولكنها رغم ذلك آمنت بما قيل لها من الرب على لسان الملاك بأنها ستحبل من روح الله، وأن الذي سيولد منها سيدعى «اٰبْنَ اٰللّٰهِ» (لوقا 35:1). وفي تلك الفترة ذهبت مريم لزيارة نسيبتها أليصابات في مدينة يهوذا. ويذكر الإنجيل المقدس في بشارة لوقا أنه عندما دخلت مريم بيت زكريا «سَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ اٰرْتَكَضَ اٰلْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَاٰمْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ اٰلرُّوحِ اٰلْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي اٰلنِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هٰذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ اٰرْتَكَضَ اٰلْجَنِينُ بِاٰبْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ اٰلرَّبِّ» (لوقا 40:1 – 45).

تحقق وعد الله لزكريا وزوجته أليصابات وولد يوحنا المعمدان الذي لم يقم بين المولودين من النساء من هو أعظم منه حسب قول المسيح عنه (متّى 11:11). وأخذ يوحنا ينمو ويحيا حسب تعاليم الشريعة التي تحض على عبادة الإله الواحد. ولكن حياته كانت تختلف نوعاً ما عن غيره من الأشخاص العاديين، إذ أنه كان يعيش في البراري، يقتات على الجراد والعسل البري، ويلبس وبر الإبل، ويضع على حقويه منطقة من جلد. وكان يكرز في برية اليهودية داعياً الناس إلى التوبة لأنه قد أقترب ملكوت السماوات.

وبالفعل فقد كان يوحنا صوتاً صارخاً في البرية، فخرج إليه جميع من كان في الكورة المحيطة بالأردن وأورشليم وكل اليهودية، في هذا الصدد أيضاً نعلم أن المسيح جاء من الجليل إلى الأردن، إلى يوحنا ليعتمد منه ليكمل كل برّ. وعندئذ انفتحت السماوات ونزل روح الله مثل حمامة على المسيح وسمع صوت من السماوات قائلاً: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متّى 17:3). فيوحنا المعمدان هو ابن أليصابات التي رزقها الله بطفل في شيخوختها.

فما أعظم أليصابات في إيمانها وما أعظم اعترافها بأن يسوع الذي كان آنذاك في أحشاء أمه العذراء هو الرب الإله، الرب يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، الكلمة الذي صار جسداً، الممسوح من الله، النبي والكاهن والملك، الذي يملك على قلوب البشر والذي جاء لأجل خلاصنا من الخطية وفدائنا. فما أعظم إيمان أليصابات وما أعظم شهادتها، وما أعظم المسيح الإله الذي جاء لخلاص البشر.