العودة الى الصفحة السابقة
الملك سُليمان

الملك سُليمان

جون نور


لقد سمعتم الكثير عن سليمان الملك الذي اشتهر بحكمته وسعة معرفته، وعرف عنه العدل في الحكم. كما وأنه ترك لنا سِفر الأمثال ونشيد الإنشاد في العهد القديم من الكتاب المُقدّس. عن هذا الرجل العظيم سيكون حديثنا اليوم.

وُلِد سُليمان في مدينة أورشليم أيام ملك والده داود من بثشبع المرأة التي كانت سابقاً زوجة لأوريا الحثّي، والتي تزوّجها داود بعد أن قُتل زوجها. كبر سليمان تحت جناحي أمه ورعاية والده الذي أحبّه كثيراً. وبعد أن حكم الملك داود على مملكة إسرائيل لمدة أربعين سنة، شاخ وضعف جسمه.

وحين قربت أيام داود من نهايتها كلّم ابنه سليمان قائِلاً: «أَنَا ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ الأَرْضِ كُلِّهَا، فَتَشَدَّدْ وَكُنْ رَجُلاً اِحْفَظْ شَعَائِرَ الرَّبِّ إِلهِكَ، إِذْ تَسِيرُ فِي طُرُقِهِ، وَتَحْفَظُ فَرَائِضَهُ، وَصَايَاهُ وَأَحْكَامَهُ وَشَهَادَاتِهِ...» (1ملوك 2:2 – 3). نفذ سليمان كلام والده بكل احترام ومحبّة فعظم جداً. وتراءى الرب لسليمان على تلال جبعون في فلسطين حين كان يقدم ذبائح كثيرة. فقال له: «اسْأَلْ مَاذَا أُعْطِيكَ» (1ملوك 5:3) فطلب سليمان من الله أن يعطيه قلباً فهيماً وحكمة ليميّز بين الخير والشر فيقدر على حكم شعب كبير وإدارة أرض واسِعة. فأعطى الله لسليمان سؤل قلبه، قلباً حكيماً ومُميّزاً، ووعده بأنه لن يكون مثله من جهة حكمته، وكذلك أعطاه غنى وكرامة.

بعد أن أصبح سليمان حكيماً وفهيماً ومُميّزاً، اشتهر جِدّاً بين ملوك عصره، حتى أن بلقيس ملكة سبأ التي كانت تملك على جنوب اليمن، جاءت إليه لتسمع حكمته وترى أفعاله. إلى جانِب شَهرة سليمان بحكمته اشتهر أيضاً بأمر آخر مهم وهو بناء الهيكل في مدينة أورشليم، ونفذ بذلك إرادة والده داود. لأن الملك داود أراد أن يبني هيكلاً كبيراً للرب ولكن الحروب التي خاضها لم تسمح له بذلك. فعندما ملك سليمان اهتمّ جِدّاً بإرادة والده، فأرسل إلى حيرام ملك مدينة صور، وطلب منه خشباً من أرز لبنان مع بنّائين ليبنوا الهيكل وقصراً للملك. وفي المقابل طلب حيرام طعاماً لبيته، «فَكَانَ حِيرَامُ يُعْطِي سُلَيْمَانَ خَشَبَ أَرْزٍ وَخَشَبَ سَرْوٍ حَسَبَ كُلِّ مَسَرَّتِهِ. وَأَعْطَى سُلَيْمَانُ حِيرَامَ عِشْرِينَ أَلْفَ كُرِّ حِنْطَةٍ طَعَامًا لِبَيْتِهِ، وَعِشْرِينَ كُرَّ زَيْتِ...» (1ملوك 10:5 – 11). وفي السنة الأربع مِئة والثمانين لخروج العبرانيين من مصر، تمّ بناء الهيكل في القدس.

لقد بنى سليمان الهيكل من حجارة لم تمسّها مطرقة نحات، ومن خشب الأرز اللبناني. وغشّى كل شيء بالذهب والأحجار الكريمة، وأصبح الهيكل هو المكان الرئيسي لعبادة العبرانيين وتقدمة ذبائِحهم. وعند تدشين الهيكل وقف سليمان الملك ورفع يديه نحو السماء وقال: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، لَيْسَ إِلهٌ مِثْلَكَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَلاَ عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ، حَافِظُ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ لِعَبِيدِكَ السَّائِرِينَ أَمَامَكَ بِكُلِّ قُلُوبِهِمْ... فَاسْمَعْ أَنْتَ مِنَ السَّمَاءِ مَكَانِ سُكْنَاكَ وَاغْفِرْ، وَاعْمَلْ وَأَعْطِ كُلَّ إِنْسَانٍ حَسَبَ كُلِّ طُرُقِهِ كَمَا تَعْرِفُ قَلْبَهُ. لأَنَّكَ أَنْتَ وَحْدَكَ قَدْ عَرَفْتَ قُلُوبَ كُلِّ بَنِي الْبَشَرِ» (1ملوك 23:8 و39) وأكمل سليمان صلاته طالباً من الله العلي أن يسامح الشعب على أخطائه وأن يكون راعياً وحامياً ومُدافعاً عن الشعب الذي يعبده. لقد أظهرت صلاته عمق إيمانه بالله الخالق وثقته الكاملة بقوّته العَظيمة.

ظهر الله ثانية للملك سليمان في رؤيا، وقال له: «إِنْ سَلَكْتَ أَمَامِي كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ أَبُوكَ بِسَلاَمَةِ قَلْبٍ وَاسْتِقَامَةٍ، وَعَمِلْتَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُكَ وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي فَإِنِّي أُقِيمُ كُرْسِيَّ مُلْكِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ كَمَا كَلَّمْتُ دَاوُدَ أَبَاكَ قَائِلاً: لاَ يُعْدَمُ لَكَ رَجُلٌ عَنْ كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ. إِنْ كُنْتُمْ تَنْقَلِبُونَ أَنْتُمْ أَوْ أَبْنَاؤُكُمْ مِنْ وَرَائِي، وَلاَ تَحْفَظُونَ وَصَايَايَ، فَرَائِضِيَ الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ، بَلْ تَذْهَبُونَ وَتَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى وَتَسْجُدُونَ لَهَا فَإِنِّي أَقْطَعُ إِسْرَائِيلَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ...» (1ملوك 4:9 – 7). لقد أنذر الله سليمان وشعبه بأنه سيقطعهم عن وجه الأرض إذا هم عبدوا آلِهة أخرى غير الله، وكذلك شَجعهم لأن يتبعوه فتلاحقهم البركات ويبقى لداود ملك في وسط بني إسرائيل.

لقد بارك الله الملك داود ومن بعده سليمان الملك وعلّمهما طاعته وعبادته، وأعطاهما الحكمة والمعرفة في تصريف أمورهما والعدل في الحكم. ونحن اليوم أيضاً يُنذِرنا الله من تركه والِلحاق بآلِهة أخرى، وهي كثيرة في هذا العصر، منها محبّة المال والشهوة الجَسديّة، وحب العظمة والمجد، وكذلك يُشجّعنا على طاعته وعبادته، ويعطينا الحكمة والفهم في تصرّفنا مع الآخرين وعلى الأخصّ في الأوقات العصيبة والصعبة. ولقد وعدنا الله القدّوس بأننا سنحصل على الحياة الأبديّة في السماء، إذا آمنا وقبلنا الرب يسوع مخلصاً لحياتنا من الخطية. ولكن إذا لم نتب ولم نؤمن بالرب يسوع وبِخَلاصِه لنا، وإذا لم نعش مُقدّسين أمام الله، فسوف ينزعنا الله من ملكه الأبدي ويقطعنا من المجد المُعطى لنا، ويضع مكاننا من يُطيعه ويؤمِن بِمَحبّته وخَلاصِه.