العودة الى الصفحة السابقة
اتباع يسوع

اتباع يسوع

(متّى 18:8 – 22 ولوقا ص 9)

جون نور


«18 وَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ جُمُوعاً كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِاٰلذَّهَابِ إِلَى اٰلْعَبْرِ. 19 فَتَقَدَّمَ كَاتِبٌ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». 20 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ اٰلسَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا اٰبْنُ اٰلإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». 21 وَقَالَ لَهُ آخَرُ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَا سَيِّدُ، اٰئْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». 22 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اٰتْبَعْنِي، وَدَعِ اٰلْمَوْتٰى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ».

«1 وَدَعَا تَلاَمِيذَهُ اٰلاٰثْنَيْ عَشَرَ، وَأَعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلْطَاناً عَلَى جَمِيعِ اٰلشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ أَمْرَاضٍ، 2 وَأَرْسَلَهُمْ لِيَكْرِزُوا بِمَلَكُوتِ اٰللّٰهِ وَيَشْفُوا اٰلْمَرْضَى. 3 وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَحْمِلُوا شَيْئاً لِلطَّرِيقِ، لاَ عَصاً وَلاَ مِزْوَداً وَلاَ خُبْزاً وَلاَ فِضَّةً، وَلاَ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ ثَوْبَانِ. 4 وَأَيَّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَهُنَاكَ أَقِيمُوا، وَمِنْ هُنَاكَ اٰخْرُجُوا. 5 وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ فَاٰخْرُجُوا مِنْ تِلْكَ اٰلْمَدِينَةِ، وَاٰنْفُضُوا اٰلْغُبَارَ أَيْضاً عَنْ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ». 6 فَلَمَّا خَرَجُوا كَانُوا يَجْتَازُونَ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ يُبَشِّرُونَ وَيَشْفُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ.

7 فَسَمِعَ هِيرُودُسُ رَئِيسُ اٰلرُّبْعِ بِجَمِيعِ مَا كَانَ مِنْهُ، وَاٰرْتَابَ لأَنَّ قَوْماً كَانُوا يَقُولُونَ: «إِنَّ يُوحَنَّا قَدْ قَامَ مِنَ اٰلأَمْوَاتِ». 8 وَقَوْماً: «إِنَّ إِيلِيَّا ظَهَرَ». وَآخَرِينَ: «إِنَّ نَبِيّاً مِنَ اٰلْقُدَمَاءِ قَامَ». 9 فَقَالَ هِيرُودُسُ: «يُوحَنَّا أَنَا قَطَعْتُ رَأْسَهُ. فَمَنْ هُوَ هٰذَا اٰلَّذِي أَسْمَعُ عَنْهُ مِثْلَ هٰذَا!» وَكَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَرَاهُ.

10 وَلَمَّا رَجَعَ اٰلرُّسُلُ أَخْبَرُوهُ بِجَمِيعِ مَا فَعَلُوا، فَأَخَذَهُمْ وَاٰنْصَرَفَ مُنْفَرِداً إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ لِمَدِينَةٍ تُسَمَّى بَيْتَ صَيْدَا. 11 فَاٰلْجُمُوعُ إِذْ عَلِمُوا تَبِعُوهُ، فَقَبِلَهُمْ وَكَلَّمَهُمْ عَنْ مَلَكُوتِ اٰللّٰهِ، وَاٰلْمُحْتَاجُونَ إِلَى اٰلشِّفَاءِ شَفَاهُمْ. 12 فَاٰبْتَدَأَ اٰلنَّهَارُ يَمِيلُ. فَتَقَدَّمَ اٰلاٰثْنَا عَشَرَ وَقَالُوا لَهُ: «اٰصْرِفِ اٰلْجَمْعَ لِيَذْهَبُوا إِلَى اٰلْقُرَى وَاٰلضِّيَاعِ حَوَالَيْنَا فَيَبِيتُوا وَيَجِدُوا طَعَاماً، لأَنَّنَا هٰهُنَا فِي مَوْضِعٍ خَلاَءٍ». 13 فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا». فَقَالُوا: «لَيْسَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَيْنِ، إِلاَّ أَنْ نَذْهَبَ وَنَبْتَاعَ طَعَاماً لِهٰذَا اٰلشَّعْبِ كُلِّهِ». 14 لأَنَّهُمْ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلافِ رَجُلٍ. فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «أَتْكِئُوهُمْ فِرَقاً خَمْسِينَ خَمْسِينَ». 15 فَفَعَلُوا هٰكَذَا وَأَتْكَأُوا اٰلْجَمِيعَ. 16 فَأَخَذَ اٰلأَرْغِفَةَ اٰلْخَمْسَةَ وَاٰلسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ اٰلسَّمَاءِ وَبَارَكَهُنَّ، ثُمَّ كَسَّرَ وَأَعْطَى اٰلتَّلاَمِيذَ لِيُقَدِّمُوا لِلْجَمْعِ. 17 فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جَمِيعاً. ثُمَّ رُفِعَ مَا فَضَلَ عَنْهُمْ مِنَ اٰلْكِسَرِ: اٰثْنَتَا عَشَرَةَ قُفَّةً.

18 وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي عَلَى اٰنْفِرَادٍ كَانَ اٰلتَّلاَمِيذُ مَعَهُ. فَسَأَلَهُمْ: «مَنْ تَقُولُ اٰلْجُمُوعُ إِنِّي أَنَا؟» 19 فَأَجَابُوا: «يُوحَنَّا اٰلْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ إِنَّ نَبِيّاً مِنَ اٰلْقُدَمَاءِ قَامَ». 20 فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ: «مَسِيحُ اٰللّٰهِ». 21 فَاٰنْتَهَرَهُمْ وَأَوْصَى أَنْ لاَ يَقُولُوا ذٰلِكَ لأَحَدٍ، 22 قَائِلاَ: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ اٰبْنَ اٰلإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيراً، وَيُرْفَضُ مِنَ اٰلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ اٰلْكَهَنَةِ وَاٰلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي اٰلْيَوْمِ اٰلثَّالِثِ يَقُومُ».

23 وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي. 24 فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي فَهٰذَا يُخَلِّصُهَا. 25 لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ اٰلإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ اٰلْعَالَمَ كُلَّهُ، وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ أَوْ خَسِرَهَا؟ 26 لأَنَّ مَنِ اٰسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي، فَبِهٰذَا يَسْتَحِي اٰبْنُ اٰلإِنْسَانِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ اٰلآبِ وَاٰلْمَلاَئِكَةِ اٰلْقِدِّيسِينَ. 27 حَقّاً أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ اٰلْقِيَامِ هٰهُنَا قَوْماً لاَ يَذُوقُونَ اٰلْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اٰللّٰهِ».

28 وَبَعْدَ هٰذَا اٰلْكَلاَمِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، أَخَذَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إِلَى جَبَلٍ لِيُصَلِّيَ. 29 وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضّاً لاَمِعاً. 30 وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ، وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا، 31 اَٰللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ، وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ اٰلَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ. 32 وَأَمَّا بُطْرُسُ وَاٰللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِاٰلنَّوْمِ. فَلَمَّا اٰسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ، وَاٰلرَّجُلَيْنِ اٰلْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ. 33 وَفِيمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ: «يَا مُعَلِّمُ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هٰهُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً». وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ. 34 وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ ذٰلِكَ كَانَتْ سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ. فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا فِي اٰلسَّحَابَةِ. 35 وَصَارَ صَوْتٌ مِنَ اٰلسَّحَابَةِ قَائِلاً: «هٰذَا هُوَ اٰبْنِي اٰلْحَبِيبُ. لَهُ اٰسْمَعُوا». 36 وَلَمَّا كَانَ اٰلصَّوْتُ وُجِدَ يَسُوعُ وَحْدَهُ، وَأَمَّا هُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُخْبِرُوا أَحَداً فِي تِلْكَ اٰلأَيَّامِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَبْصَرُوهُ.

37 وَفِي اٰلْيَوْمِ اٰلتَّالِي إِذْ نَزَلُوا مِنَ اٰلْجَبَلِ، اٰسْتَقْبَلَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ. 38 وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ اٰلْجَمْعِ صَرَخَ: «يَا مُعَلِّمُ، أَطْلُبُ إِلَيْكَ. اُنْظُرْ إِلَى اٰبْنِي، فَإِنَّهُ وَحِيدٌ لِي. 39 وَهَا رُوحٌ يَأْخُذُهُ فَيَصْرُخُ بَغْتَةً، فَيَصْرَعُهُ مُزْبِداً، وَبِاٰلْجَهْدِ يُفَارِقُهُ مُرَضِّضاً إِيَّاهُ. 40 وَطَلَبْتُ مِنْ تَلاَمِيذِكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا». 41 فَأَجَابَ يَسُوعُ: «أَيُّهَا اٰلْجِيلُ غَيْرُ اٰلْمُؤْمِنِ وَاٰلْمُلْتَوِي، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ وَأَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمِ اٰبْنَكَ إِلَى هُنَا». 42 وَبَيْنَمَا هُوَ آتٍ مَزَّقَهُ اٰلشَّيْطَانُ وَصَرَعَهُ، فَاٰنْتَهَرَ يَسُوعُ اٰلرُّوحَ اٰلنَّجِسَ، وَشَفَى اٰلصَّبِيَّ وَسَلَّمَهُ إِلَى أَبِيهِ. 43 فَبُهِتَ اٰلْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اٰللّٰهِ.

وَإِذْ كَانَ اٰلْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: 44 «ضَعُوا أَنْتُمْ هٰذَا اٰلْكَلاَمَ فِي آذَانِكُمْ: إِنَّ اٰبْنَ اٰلإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي اٰلنَّاسِ». 45 وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا هٰذَا اٰلْقَوْلَ، وَكَانَ مُخْفىً عَنْهُمْ لِكَيْ لاَ يَفْهَمُوهُ، وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ هٰذَا اٰلْقَوْلِ.

46 وَدَاخَلَهُمْ فِكْرٌ: مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ فِيهِمْ؟ 47 فَعَلِمَ يَسُوعُ فِكْرَ قَلْبِهِمْ، وَأَخَذَ وَلَداً وَأَقَامَهُ عِنْدَهُ، 48 وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ قَبِلَ هٰذَا اٰلْوَلَدَ بِاٰسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي يَقْبَلُ اٰلَّذِي أَرْسَلَنِي، لأَنَّ اٰلأَصْغَرَ فِيكُمْ جَمِيعاً هُوَ يَكُونُ عَظِيماً» 49 فَقَالَ يُوحَنَّا: «يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِداً يُخْرِجُ اٰلشَّيَاطِينَ بِاٰسْمِكَ فَمَنَعْنَاهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُ مَعَنَا». 50 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا».

51 وَحِينَ تَمَّتِ اٰلأَيَّامُ لاٰرْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 52 وَأَرْسَلَ أَمَامَ وَجْهِهِ رُسُلاً، فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ. 53 فَلَمْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهاً نَحْوَ أُورُشَلِيمَ. 54 فَلَمَّا رَأَى ذٰلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، قَالاَ: «يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ اٰلسَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضاً؟» 55 فَاٰلْتَفَتَ وَاٰنْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! 56 لأَنَّ اٰبْنَ اٰلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ اٰلنَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ». فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى.

57 وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي اٰلطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». 58 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ اٰلسَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا اٰبْنُ اٰلإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». 59 وَقَالَ لآخَرَ: «اٰتْبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، اٰئْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». 60 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ اٰلْمَوْتٰى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاٰذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اٰللّٰهِ». 61 وَقَالَ آخَرُ أَيْضاً: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلٰكِنِ اٰئْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ اٰلَّذِينَ فِي بَيْتِي». 62 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى اٰلْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى اٰلْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اٰللّٰهِ».

قصة اتباع يسوع في الكتاب المقدس تقدم لنا ثلاثة رجال. ولا تذكر لنا القصة شيئاً عن أسمائهم أو بلادهم التي جاءوا منها، ولكننا نراهم بكل وضوح في صور ثلاث.

نرى ثلاثة رجال قد جُذبوا إلى يسوع، وكل واحد منهم يختلف عن الآخرين في التفكير، وفي نظرته إلى الأشياء. كما نرى يسوع يرد على كل واحد منهم في عبارات موجزة حازمة. ولا نجد في القصة نتيجة لأية حالة منها.

يخبرنا متّى أن الأول منهم كان كاتباً. ولذلك فهو كان يحتل مركزاً رسمياً بين الشعب.

جاء هذا الرجل – الكاتب – إلى يسوع وقال له: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي» – فهو لم يأتِ إلى يسوع بسؤال، ولم يقحم نفسه في النقد، كما كان يفعل الكثيرون من زملائه. ولذلك يظهر لنا أنه شخص أسره يسوع حتى جاء إليه قائلاً: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». وهكذا نرى الرجل يقف أمام شخص أحسَّ أنه يستطيع أن يتبعه في كل مكان. وهذا الكاتب الذي تعوّد أن يعلّم، ويطبق الناموس أو الشريعة، ويعلم أن زملاءه من الكتبة يعادون يسوع، رأى في يسوع شيئاً جعله يحسُّ أن ليس شيء أفضل من ملازمته له أينما ذهب. ولا نعلم كم من الوقت احتاج هذا الكاتب ليصل إلى هذه النتيجة، ولا الأدوار التي جازها قبل ذلك، وكل ما نعرفه أننا نراه يواجه ابن الله ويتكلم بالأشياء التي كان يكنها في قلبه.

وعندما نأتي إلى الثاني من هؤلاء الرجال، نجد متّى يحدثنا عنه أيضاً فيقول إنه كان تلميذاً. كان ضمن عداد الذين كانوا من أتباع يسوع. ولا نجد ما يدل على أنه تحدث إلى يسوع حتى قال له «اٰتْبَعْنِي». وهنا نجد يسوع يخاطب هذا الرجل، وهو تلميذ، ويعطيه أمراً جديداً ويدعوه إلى صلة معه أكمل وأعظم، وجوابه ليسوع أظهره عندما قال:

«يَا سَيِّدُ، اٰئْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». وهذا الجواب يعلن الحقيقة من حيث أنه كان إنساناً مكرساً لواجب سام، وقديراً على الحب الأرضي. وكانت هذه الأشياء متمكنة منه، حتى عندما دعاه الرب إلى صلة أسمى وعلاقة أقرب، أجاب بأنه لا يستطيع أن يلبِّي الدعوة في الحال من أجل الواجبات الحاضرة.

أما ثالث هؤلاء الرجال فيختلف عن الآخرين كل الاختلاف. ولا نعلم عنه شيئاً إلا مما حصل. تكلم إلى يسوع قائلاً «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلٰكِنِ اٰئْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ اٰلَّذِينَ فِي بَيْتِي». ويتصف هذا الرجل – في مشابهته للرجل الأول – بالباعث الذي دفعه لأن يقول ليسوع أيضاً «أَتْبَعُكَ». وهنا نرى إنساناً يحسُّ بجاذبة نحو يسوع، وينوي أن يسير وراءه ويؤيد عزمه، ولكنه يشعر، إلى حين، بما يجذبه إلى الوراء. ومسألة وداع الأهل هنا لا تعني مجرد «مع السلامة» – ولكنها تعني تأخيراً طويلاً مصحوباً بوليمة فرح وطرب. إن رغبة هذا الرجل هي التي عطلته في ذلك الحين. وهكذا نرى الرجال الثلاثة، وقد استمالهم يسوع إليه وأحسُّوا بقوة شخصيته، ورغبوا في إتباعه، ولكنهم اختلفوا في تصرفهم.

فالأول الذي أظهر استعداده أن يتبع يسوع أينما يمضي قال له يسوع «لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (متّى 8: 20). وبهذا القول قصد يسوع أن يعلن موقفه. فللثعالب أوجرة تستطيع أن تجري إليها. والطيور لها أوكار تستريح فيها. ولهذه وتلك جاذبيتها، وأما أنا، يقول يسوع، فليس عندي جاذبية كهذه. لا يوجد عندي أي شيء يعوقني لحظة واحدة عن السبيل الذي أسلكه. وهذا القول كان إعلاناً واضحاً لهذا الرجل لما يعنيه السير وراء يسوع.

للرجل الثاني قال له يسوع أمراً «اٰتْبَعْنِي». وبهذا دعاه يسوع دعوة أعلى لم يعرفها قبلاً، دعاه إلى شركة في طريق لم يرها ولا فهمها ولكنها، مع ربنا نفسه. وهذا الطريق معلن في قول يسوع «دَعِ اٰلْمَوْتٰى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ». دع الذين تنقصهم الرؤى، الذين لا يعرفون مجد الملكوت يحضرون دفن أولئك الذين يعيشون في نفس المستوى الأرضي. إن يسوع دعا هذا الإنسان أن يبتعد عن أقرب الروابط الأرضية، ليتمتع بالدعوة العليا التي كان فيها يسوع نفسه. وفي هذه القرابة المقدسة توجد التزامات تسمو بالدعوة فوق كل قرابة أرضية.

وعندما يجيء إلى الرجل الأخير نجد الرغبة عينها، الإلزام عينه، القصد عينه. إنه أراد أن يتبع يسوع، ولكنه أراد أيضاً أن يؤجل الأمر إلى أن يعود ويودّع من في بيته. وجواب يسوع لهذا الرجل يظهر أنه كان شديد اللهجة. قال له:

«لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى اٰلْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى اٰلْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اٰللّٰهِ». فالنظر إلى الوراء دليل على أن الشخص غير لائق للملكوت ولا لخدمة الملكوت، دليل على أنه غير لائق لمرافقة يسوع.

لما قابل يسوع أولئك الرجال الثلاثة، كان وجهه مثبتاً نحو أورشليم، كان يسير نحو الصليب، واقترح عليهم يسوع أن يسلكوا الطريق الذي كان يسلكه هو في ذلك الوقت. ولم يكن شيء يمنعه عن السير في ذلك الطريق مهما كانت قيمته الأرضية، ولا روابط أرضية مهما كانت قوية، حتى صلته بأمه لم تثنه عن الغرض الموضوع أمامه.

يا إلهي أعني لأسير في أثر خطواتك حتى أن كان هذا يقودني إلى التضحية والألم، فهنا السبيل إلى النصرة، والمجد في ملكوتك.