العودة الى الصفحة السابقة
لوقا

لوقا

جون نور


سنتناول شخصية مهمة من شخصيات العهد الجديد في الكتاب المقدس، ألا وهي شخصية البشير لوقا، أو لوقا الإنجيلي، كما يسميه البعض، ولوقا هذا، هو كاتب الإنجيل المرتب ثالثاً من العهد الجديد، والمسمى باسمه، وهو كاتب سفر آخر من أسفار العهد الجديد، لا يقل أهمية عن الإنجيل، وأعني به سفر أعمال الرسل، الذي يتضمن الكثير من المعلومات حول لوقا.

وُلد لوقا في مدينة أنطاكية بسوريا، من أب يوناني وأم يهودية. ولما أصبح مدركاً، حاول أبوه أن يغرس فيه التعاليم الوثنية، والإيمان بآلهة اليونانيين المتعددة. لكن أمه أخذت تقنعه ببطل التعاليم الوثنية، وبوجود إله واحد، خالق السماء والأرض، هو إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب.لم يشأ لوقا أن يقاوم أباه، ولم يرض بأن يُغضب أمه. ولكنه لم يستطع التوفيق بين ديانة أبيه الوثنية التي تنادي بوجود آلهة متعددة، وبين ديانة أمه التي لا تعرف إلا إلهاً واحداً. فاستخدم لوقا مواهبه العقلية، وقرر دراسة الطب والتخلي عن معتقدات أبيه وأمه. درس لوقا الطب، وأخذ بممارسة هذه المهنة التي كانت تدر عليه أرباحاً طائلة. وذات يوم، سمع أمه تتحدث عن إنسان اسمه يسوع الناصري، من فلسطين، يجتاز المدن والقرى الفلسطينية كارزاً ومعلماً وشافياً للمرضى من عميٍ وعرجٍ وصم وبرص... كان يشفيهم دونما حاجة إلى علاج أو دواء، بلمسة وبكلمة منه.

سخر لوقا مما كان يسمعه عن يسوع الناصري هذا، وتساءل فيما إذا كان هذا الرجل أعظم من أطباء اليونان. وبحسب اعتقاد البعض، «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» (يوحنا 46:1). بقي لوقا على هذه الحال مستنكراً ما يقوم به يسوع، وما يسمعه عنه، حتى قابله يوماً أحد المؤمنين بيسوع وقال له:

تعال يا لوقا واسمع، «اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ (في المسيح)» (متّى 11: 5 و6).بعد سماع لوقا لهذه الشهادة من أحد المؤمنين بيسوع الناصري، قال في نفسه، سأذهب وأتحقق صحة ما أسمع مهما كلفني ذلك. وعلى الفور، غادر أنطاكية واتجه نحو مدينة الناصرة في فلسطين. ولم يكد يصلها حتى قابله بعض المرضى الذين كان يعالجهم في أنطاكية، وعجز كما يعجز الطب عن شفائهم لاستعصاء أمراضهم. ولما سأل لوقا هؤلاء عن سر شفائهم، عرف أن يسوع شفاهم بكلمة منه. ولما تحقق من صدق قولهم، ذهب إلى المدينة المقدسة متتبعاً آثار يسوع، علّه يحظى برؤيته ويتعلم منه شيئاً. ولكن ظنه خاب عند وصوله، حيث علم أن أعداء يسوع كانوا قد ألقوا القبض عليه وضربوه وعذبوه وصلبوه، ودفنه تلاميذه، ولكنه قام في اليوم الثالث من بين الأموات وظهر للكثيرين، وبعدها صعد إلى السماء.

كان ذلك صدمة للوقا الطبيب، حيث أنه جاء باحثاً عن الطبيب الأعظم، والشافي الأكبر، ولكنه وجد أنه قد مات وقام. وهنا كانت المفاجأة أعظم، فأراد الاتصال بتلاميذ المسيح، عله يشفي غليله فيزول شقاؤه وتختفي تعاسته. لقد سمع لوقا الكثير عن بولس الرسول الذي أصبح من أول دعاة المسيح، فآمن أن المسيح لم يكن مجرد إنسان من الناصرة، ولكنه كان بالفعل قدوس الله، المسيا الذي تنبأ عنه الأنبياء قبل مئات السنين. تأكد أنه بالفعل هو المسيح الذي جاء ليعلّم المحبة والغفران، والذي جاء أيضاً ليبذل نفسه فدية عن الخطاة. وهنا كان على لوقا أن يتخذ القرار الهام، هل يترك عيادته في أنطاكية ويرافق بولس الرسول ذلك الخادم الأمين في سفراته الكرازية، وبذلك يكون قد لبى دعوة المسيح إلى هذه الخدمة المباركة؟ هذا ما صنعه لوقا. لقد ترك كل شيء وتبع المخلص.

من يدرس هذه البشارة، أي بشارة لوقا الإنجيلي، من بدايتها إلى نهايتها، يتبين الدقة والترتيب اللذين اتبعهما في كتابة بشارته المجيدة. وينفرد إنجيل لوقا دون سائر الأناجيل بتدوين بشارة الملاك لزكريا الكاهن بولادة ابن له في شيخوخته وهو يوحنا المعمدان، وبشارته لمريم العذراء بأنها ستحبل من روح الله وتلد المسيح المخلص. وكذلك ميلاد يسوع وذهابه إلى الهيكل في أورشليم في الثانية عشرة من عمره، ومثل السامري الصالح، والابن الضال (الشاطر) وكلام يسوع عن الصلاة. وقد أعار لوقا مواضيع الروح القدس، ومغفرة الله للخطايا اهتماماً خاصاً.

وبالإضافة إلى هذا الإنجيل، فقد كتب لوقا سفر أعمال الرسل الذي يشهد فيه أيضاً عن عمل المسيح الفدائي وموته عن الخطاة. فلنشكر الله من أجل لوقا الذي كتب البشارة المسماة باسمه. ولنثابر دوماً على مطالعة كلمة الله المدوّنة في الإنجيل المقدس ولا سيما بحسب البشير لوقا، لنتغذى بها ونسير بموجبها، لأنها تقودنا دائماً، وتنير لنا السبيل إلى الحياة الفضلى.