العودة الى الصفحة السابقة
قصة الرجل ذو اليد اليابسة

قصة الرجل ذو اليد اليابسة

جون نور


«1 ثُمَّ دَخَلَ أَيْضاً إِلَى اٰلْمَجْمَعِ، وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ. 2 فَصَارُوا يُرَاقِبُونَهُ: هَلْ يَشْفِيهِ فِي اٰلسَّبْتِ؟ لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ. 3 فَقَالَ لِلرَّجُلِ اٰلَّذِي لَهُ اٰلْيَدُ اٰلْيَابِسَةُ: «قُمْ فِي اٰلْوَسَطِ!» 4 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ يَحِلُّ فِي اٰلسَّبْتِ فِعْلُ اٰلْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ اٰلشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟». فَسَكَتُوا. 5 فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ، حَزِيناً عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَمَدَّهَا، فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَاٰلأُخْرَى. 6 فَخَرَجَ اٰلْفَرِّيسِيُّونَ لِلْوَقْتِ مَعَ اٰلْهِيرُودُسِيِّينَ وَتَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ. 7 فَاٰنْصَرَف عَبْدُ الرَّبِّ» (مرقس 3: 1-6).

نرى يسوع في قصة هذا الانسان يتعامل مع عجز جسماني. والترجمة الحرفية في الكتاب المقدس عن عجز هذا الانسان تعني أن الرجل لم يولد هكذا، ولكن كان عجزه إما نتيجة حادثة وقعت له، أو نتيجة مرض أصابه.

في القصة أشياء قليلة جداً عن الرجل: إنه كان في المجمع. وربما كان يحضر بانتظام من سبت إلى آخر وبذلك كان واحداً من العابدين مع ما فيه من عجز. وواضح أنه كان معروفاً، أو أن الفريسيين اكتشفوا وجوده. وبدون إدراك السبب عرفوا أن يده يابسة عديمة الفائدة. وكان الفريسيون معادين ليسوع. وكانوا يطلبون فرصة ليشتكوا عليه، فربطوا بينه وبين الرجل وراقبوه، هل يشفيه في السبت.

وإذاً فإننا نعرف شيئين عن هذا الرجل – عجزه عن استخدام يده اليابسة، ومع ذلك كان يعبد في المجمع. ولا يوجد في القصة ما يدلُّ على أنه كان يطلب الشفاء أو أنه تقدم إلى المسيح بأي طلب.

وإذ نتقابل مع هذا الرجل ، نرى ربنا يسوع يتكلم معه مرتين. وكانت كلمته الأولى أمراً «قُمْ فِي اٰلْوَسَطِ!» (مرقس 3:3). أي أن يسوع طلب منه أن يكون ظاهراً ومنظوراً من الجميع. وكذلك كانت كلمة يسوع الثانية للرجل، أمراً مباشراً «مُدَّ يَدَكَ». وهنا نرى يسوع يعزل الرجل عن الجمع، ويضعه بعجزه، في موقف ظاهر حتى يُرى من الكل. وأطاع الرجل في الحال. ولا بد أنه كان هناك شيء في نغمة صوت يسوع وفي لهجة كلامه جعل الرجل يطيعه في الحال. وربما يكون أمر يسوع للرجل قد بعث فيه شعاع من الأمل بأن المعلم والشافي العظيم سيفعل شيئاً له. وعلى أية حال فإن الحقيقة الواضحة هي أن يسوع قصد أن يوقف الرجل في مكان ظاهر، حتى يرى الجمع ماذا سيفعل به.

وقال يسوع للرجل «مُدَّ يَدَكَ». والكلمة في أصلها اليوناني تفيد أن ربنا طلب مجهوداً من يد يابسة لا قوة فيها. وهنا نرانا وجهاً لوجه أمام المبدأ الذي عرفناه في معاملة يسوع مع رجل بركة بيت حسدا. ولنتصور أننا كنا بين الحاضرين في ذلك المجمع، وإننا نعرف الرجل، وإننا رأيناه مراراً، وإننا أحياناً عطفنا عليه ورثينا لحاله. وفي يوم ذلك السبت نسمع يسوع يقول للرجل أن يمدَّ يده – فأول ما يخالج أذهاننا عدم قدرة الرجل على مدّ يده – وربما كانت هذه رغبة الرجل منذ سنوات عديدة، وربما حاول أن يفعل ذلك وخاصة في السنوات الأولى من آلامه. إنه أحس بقوة في جسده، وتمنى لو أن تلك القوة تتخلل أصابع يده فتحركها، ولكن هذا كان مستحيلاً عليه. فلماذا يوقف الرجل وسط الجمع ويطلب منه أن يفعل ما ليس في مقدوره؟ إن أمر يسوع للرجل بمدّ يده يبدو كما لو كان احتقاراً للرجل العاجز.

والشيء الأهم من كل هذا أن وراء كلام يسوع نرى دائماً الشخص نفسه. فعندما استقرت عيناه على ذلك الرجل وأمره أن يمدَّ يده، لمع نور رحمة الله في عينيه، الأمر الذي يجهله الفريسيون. فعطف الله وحنانه تركزا في نظرة ابن الإنسان. وهنا نرى المستحيل يصبح ممكناً فاليد قد امتدت. وبذلك كان أمر المسيح معقولاً، لأن ربنا نفسه أعطاه القدرة على تتميم ما أمره به.

ونتيجة هذه القصة واضحة. فالرجل مدَّ يده ورآه الناس في المجمع يفعل ذلك. رأوا تلك اليد اليابسة غير النافعة تُرد إلى الحياة. وكما يقول البشير متّى «فَعَادَتْ صَحِيحَةً كَاٰلأُخْرَى» (متّى 13:12).

نستنتج إن ذلك الرجل كان شاعراً بحاجته. ولما سمع أمر يسوع، وجد نفسه أمام مغامرة، مغامرة ثقة، ووجد شيئاً في شخص يسوع، قوة دفع للطاعة، وكشف في الحال أنه بهذا العمل قدر أن يفعل المستحيل. فطاعته السريعة لأمر يسوع وإرادته التي عملت في الحال، ربطت بينه وبين يسوع، فاستمد القوة اللازمة.

أستطيع أن أتصور الرجل بيده الصحيحة وهو يتأملها ويقول «إن هذا شيء عجيب حقاً. إنني لم أشعر بقوة تجري في أصابعي منذ سنين عديدة. والآن أستطيع أن أمدها وأستطيع أن أستخدمها وأمسك بالأشياء التي أريدها، ويجب أن أعير هذه اليد اهتماماً خاصاً». ولنتصور هذا الرجل وقد استحضر أربطة ولفَّها حول يده ثم وضعها في عبه ليحفظها فماذا كان يحصل؟ إنها تبقى كما كانت يابسة. إن الطريقة الوحيدة لحفظ القوة في تلك اليد هو استعمالها.

ألا تتفق معي أن الكنيسة اليوم مليئة بأصحاب الأيدي التي شُفيت وعادت صحيحة، وهم يهتمون بحياتهم الروحية بطريقة تجعل هذه الحياة يابسة. فليتهم يتعلمون أن قوة المسيح الجديدة التي وصلت إليهم فيها سرُّ الحفظ عن طريق الخدمة والعمل النافع.

ربي استمع مني هذه الطلبة التي أقدمها عني، وعن كل مستمع معي.

نشكرك لأنك حررت حياتنا اليابسة كهذه اليد اليابسة فاستخدم حياتنا لمجد اسمك القدوس آمين.