العودة الى الصفحة السابقة
يشوع عبد الرب

يشوع عبد الرب

جون نور


«يَشُوعُ بْنُ نُونٍ عَبْدُ الرَّبِّ» (يشوع 29:24).

«عَبْدُ الرَّبِّ». هذه الكلمة من أبلغ ما يمكن أن توصف به حياة إنسان في الكتاب المقدس. ولقد وُصف بها موسى كليم الله عندما دُفن في جبل نبو. وها هي هنا يوصف بها يشوع خليفته: «يَشُوعُ بْنُ نُونٍ عَبْدُ الرَّبِّ».

ولقد يبدو غريباً أن مخلص العالم، ابن الله، يُعطى هذا الاسم «يسوع»، على غرار يشوع، وهو أعظم محارب في العهد القديم وإن كان هناك فارق عظيم بين يسوع رئيس السلام الذي لم يكن محارباً الذي لم يسفك قطرة دم واحدة، ويشوع قاهر كنعان رجل الحروب المظفر، لكن هناك بعض وجوه الشبه بينهما. فكلاهما فعل مشيئة الله كاملة، إذ قيل عن يشوع إنه لم يهمل شيئاً من كل ما أمر به الرب موسى، وقيل عن يشوع في نهاية حياته الحافلة بالأعمال المجيدة إنه أراح الشعب، وهكذا المسيح أعد لنا راحة من العناء والشقاء والأتراح والخطية التي تلازمنا في هذه الحياة الدنيا.

يُعتبر يشوع بين شخصيات العهد القديم بمثابة القلب النابض بالقوة والحيوية. وأول ظهوره على مسرح التاريخ القديم هو حينما جاءه الأمر بقيادة الحرب ضد عماليق في رفديم. وفي تلك الموقعة الخطيرة حينما وقف العمالقة ضدهم لدى دخولهم في شبه جزيرة سيناء كان يشوع يدير دفة القتال، بينما كان موسى فوق الجبل يصلي ويعضد يداه هرون وحور. ولم يجد موسى بين الشعب من هو أكفأ من يشوع ليدير رحى الحرب.

إن النغمة السائدة في سفر يشوع هي هذه الكلمات: «تشدد، تشجع، ولا ترهب». ومراراً وتكراراً تأتي هذه الكلمة على لسان يشوع مشدداً بها الشعب، لأن شجاعته كانت مبنية على ثقته في الله وإيمانه الوطيد بقدرته. وأنت عندما تنبري للجهاد الروحي في سبيل نشر كلمة الله في سبيل الرب ليكن عندك هذا الإيمان بأن الرب سيرافقك بالنجاح. وأن أعداء الصلاح الذين يناصبون شعب الرب العداء في هذا الوقت ليسوا أقل عدداً. أو عدة من أولئك العمالقة الذين طردهم يشوع آنذاك. فحاجتنا هي إلى أناس اعتمدوا بمعمودية جرأة يشوع وشجاعته، تلك الشجاعة وليدة الإيمان بالله وبالكتاب.

يتبادر إلى ذهننا أن يشوع هو قائد مظفر في ميدان القتال وحسب. لكن لا يغيب عن بالنا أيضاً أنه كان متمرساً لهذا العمل العظيم بطريقة خاصة في صلته بالله القدير. إذ أن موسى أخذه معه فوق الجبل عندما تلقى لوحيّ الشهادة وكان ملازماً له هناك، حين سمع ورأى مجد الله وعظمته.

من أنبل السجايا في حياة هذا البطل المظفر هي إعداده للمستقبل وتفكيره في الجيل الذي يليه. ولما أيقن أنه قد أكمل سعيه وجاهد الجهاد الحسن وكسب الحرب إلى آخر موقعة، دعا شيوخ الشعب وعرّفهم أنه ذاهب في طريق الأرض كلها، وناشدهم أن يتمسكوا بعروة الإيمان الوثقي. حتى إن شمس حياته وقد أوشكت أن تميل إلى المغيب لم تنتقص من غيرته للرب مثقال ذرة، فقال لهم: «الْصَقُوا بِالرَّبِّ إِلهِكُمْ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ هُوَ الْمُحَارِبُ عَنْكُمْ كَمَا كَلَّمَكُمْ. فَاحْتَفِظُوا جِدًّا لأَنْفُسِكُمْ أَنْ تُحِبُّوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ» (يشوع 23: 8 و10 و11).

من أنبل السجايا وأعلى دواعي الشجاعة والإيمان أن نخطط للمستقبل، لا لأنفسنا وحسب، بل للأجيال التي تلينا بأي صورة يمكننا عملها: كأن نغرس شجرة تعطي ثمرها أو ظلها لمسافر في رحلة الحياة، بعد أن تكون رحلتنا قد أتت إلى نهايتها. أو أن نفكر في كيف تخدم أموالنا غرضاً نبيلاً حينما لا نستطيع أن نتداوله نحن بعد الموت أو أن نغرس في أولادنا بذور الصلاح والإيمان والتقوى التي تكون نبراساً ومرشداً لهم في دروب الحياة المتشعبة عندما نكون قد ارتحلنا من سفرتنا ههنا.

كان يشوع رجل الإرادة التي لا تلين. فإذا ما اتضحت له معالم الطريق الذي يجب أن يسير فيه، والواجب الذي عليه أن يؤديه، قام على الفور بعزم لا يلين، وإرادة صلبة قوية، دون ما تردد أو تلكؤ. لقد سار في طريق الرب من أجل الشعب، وإذا ما دقت أجراس العمل لبى النداء على الفور.

لقد وقف يشوع بجانب الله، وليس هذا فقط، بل دعا الآخرين أن يحذوا حذوه. وفي مشهد من أروع المشاهد التي سجلها الكتاب نراه يجمع كل الأسباط والشيوخ ويقص عليهم الأعمال العظيمة والعجيبة التي صنعها الرب معهم في الماضي، ثم يريد منهم القول الفصل فيمن يعبدون، هل الرب الإله الحقيقي وحده، أو الآلهة الغريبة التي لا تنفع، ثم يجلجل بصوت جهوري في آذان الشعب قائلاً: «اخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ» (يشوع 24: 15).

إن العالم اليوم في مسيس الحاجة إلى أمثال يشوع الذين لا يقصون أفعال الله الرهيبة العظيمة التي يعملها دائماً بالمسيح وحسب، بل يضعونهم أمام الأمر الواقع قائلين لهم: «اخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ». ما أكثر التذبذب في عصرنا الحاضر، بل ما أكثر من يعرجون بين الفرقتين! ترى من تعبد؟ وكما عرض يشوع على الشعب أصنافاً متعددة من الآلهة المعاصرة للشعب آنذاك، فإنه توجد أنواع كثيرة من الآلهة التي يمكنك أن تعبدها الآن. أقول توجد آلهة غير الله الذي أعلن ذاته في ابنه يسوع المسيح. فهناك آلهة المصالح، والمجتمع، والمال، والنفوذ، والشهرة، والشهوة، والملذات... لكن ما هذه بالمقارنة مع الرب يسوع المسيح.

إن ما فعله المسيح مع الأمناء الذين تبعوه يستطيع أن يفعله معك إن سرت معه بأمانة. وحينئذ يقال عنك ما قيل عن يشوع: «عَبْدُ الرَّبِّ»!