العودة الى الصفحة السابقة
يسوع والمرأة الزانية

يسوع والمرأة الزانية

جون نور


هَا هو يسوع يَأتي في الصَباح بَاكِراً إلى الهَيكَل! وجَلس!! وجَلَسَت جَماهير غَفيرة مِن عامة الشَعب حَوله! وجَعل يُعلّمهم؟؟ هَل يُمكِن أن يخرج تَعليمه عن تَذكيرهم أن الله آب مُحِبّ شَفوق، وإنهم أبناء، وهو لذلك يَقول لهم، لا تَهتّموا بِما تأكلون ومَا تَشرَبون ومَا تَلبِسون!! أبوكُم السَماوي يُعطيكُم كُل شَيء! إنه يَهتمّ بِالطيور! بل يَهتمّ بِالغربان! إنه يَهتمّ بِزَنابِق الحَقِل! فَبِالأولى أنتُم!! وكان الجمهور يُصغي إلى ذلك التَعليم الجَديد!

حَقاً لم يَتكلّم إنسان قَط مِثل هذا الإنسان! كان صَمت!! وكان خشوع!! على أنه بغتة حَدثت ضَوضاء! ضوضاء عَنيفة! وحدث ارتِباك في صفوف الجَالِسين! وقد تَكشفّت الضَوضاء عن بعض الرِجال! يَجرّون امرأة بكل عُنف!!

وكانوا يَسحبونها على الأرض!! وها هم يَطرحونها بقسوة عند قَدمي السَيّد! وتبع المرأة عدد غَفير من الكَتبة والفَريسيين، وتَقدّم بَعضهم وَقالوا، وهُم يُحاولون أن يَظهروابمظهر الصالحين. «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ» (يوحنا 8: 4).

وقد بان على وجوههم، برغم محاولاتهم، الكثير من الشر والكَراهة والكِبرياء والادعاء والخُبث. كانوا مجموعة من الشَياطين الكَريهة، يَفيضون من كل جزء من أجسامهم شَرّاً ويَقطرون سَمّاً! والمرأة؟! قبعت المرأة عند قدمي السيّد وأخفت وَجهها بين يديها ولكنها لم تستطع أن تُخفي عارها!!؟

كانت ثيابها مُمزقّة وقد لوّثتها الأوحال وبرزت جروح دامِية من خلال فتحات ثِيابها، وكان صدرها يَرتفع ويَنخفض ولكنها لم تنطق بِكَلِمة واحِدة. وهل كان لها أن تَتكلّم وقد لبست عارها كثوب!! على أنه يبدو أنها كانت سقطتها الأولى، يبدو ذلك من خجلها الشديد. يا لَها من مَسكينة. لقد خفضت رأسها لِلتُهمة! إنها تَتفّق مَع الشَاكين! بل تَتفّق مع القُضاة. إذ كانوا قد فرغوا من مُحاكمتها والقَضاء عَليها! إنها امرأة شرّيرة! إن القوم لا يُظلِمونها! إنها تَستَحِق!! كل مَا تَرجوه أن يُسرِعوا فِيقتلوها، عسى أن تُغطّي الأحجار عَارها!! وكان حُكّامها يَنظرون إليها كَما سَبق أن قُلنا بِعيون تَجلّى فيها الشَر والكَراهة والكِبرياء والادعاء والخُبث وقَالوا لِلسَيّد: «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ. وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» (يوحنا 8: 4 و5) يا لهذه المرأة التَعسة! لقد تَحالفت عليها كل القُوى!! الجُمهور ضِدّها!! الكَتبة والفِريسيّون ضِدّها! موسى ضِدّها! النَاموس ضِدّها! ضَميرها ضِدّها! الأرض ضِدّها!

والسَماء كَما كانت تَظن ضِدّها!! ولا شك أن النَبي الجَديد! النَبي الطَاهِر القَدّوس!! لا شك أنه سَيكون ضِدّها!! رُبّما خَطر بِبالها أنه يَترفّق بِها!

لم تَرَ المَرأة شَيئاً لأن عَينيها كَانَتا مُختبِئتين بين يَديها، وهي على ذلك تَتجّه بِهما نَحو الأرض. لكننا نحن نعرف ماذا حدث. لقد ألقى السيد نظرة إلى المَرأة، وَلَكِنها لم تكن نظرة غضب بل نَظرة حُزن. عَلى أن السيّد لم يُطِل النَظَر هُناك، بل ألقَى نَظرة أُخرى نَحو الجُمهور. عالما انهم انما جَاءوا يُحاوِلون أن يَصطادوه؟ لقد حَكَموا عَلى المَرأة فما لهم يَأتون بِالقَضيّة إلى يَسوع، وما لهم يَسألونه وهُم يَعلمون أن السُلطة هي في يد روما لا في يَدهم – لقد قَرّر ناموسهم أنها تُرجم فهل يَملكون أن يرجِموها. إذَن لِماذا يَجرّونها إلى حَيث يَسوع، ولِماذا يَذكرون قِصّتها ولِماذا يَسألونه عن حُكمه في الأمر؟

لَقد كانوا أشراراً! وحَبَكوا مَصيدتهم بِخُبث!! لقد عُرِف يسوع بِالرَحمة! فهل يغلّب الرَحمة عَلى العَدل؟ لَئِن قال لا تُرجِموها فقد كسر الناموس الذي يَقول هو أنه مَا جاء لِيُبطِله بل لِيُقيمه! حيث قال سابقاً ما جئت لأنقض الناموس بل لأكمله وإن قال ارجموها فقد خسر شُهرته بين الناس كَرَسول الرَحمة، وظَهر ثائِراً عَلى روما، وأوقَع نَفسه في مُشكِلة يَتعذّر عَليه الخُروج مِنها! نظر يسوع إليهم حَزيناً ثم انحنَى إلى الأَرض! وَجَعل يَكتُب! رَاقبه القَوم بِشَيء مِن القَلق! ترى هل كَتب على الأرض أنهم مُراءون؟ تَرى هَل كَتب أنهم خُبَثاء؟ أم أنه كَتب أن الله مَحبّة؟

لا نَعلَم مَاذا كَتَب وإن كان البَعض يَظنّ أنه لَمّا رَفع رَأسه وَتَكلّم، تَكلّم بِما كَتبه عَلى الأَرض!! «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» (يوحنا 8: 7). ثم انحنَى مَرّة أُخرى وجَعل يَكتُب يا لِلعَجَب! مَا هَذا الصَمت المُمتَزَج بِالقَلق والخوف. لم يَستَطِع أكبرهم سِنّاً أن يَبقَى ولَكِنه هرول هَارِباً، لَعلّه أبصَر السيد يَكتب خَطيّته، وتَبِعه ثَانٍ فَثالِث وَرَابِع..

وهَكذا، جعلوا يَتسلّلون في هدوء وسُرعة. كَانَت ضَمائِرهُم سِياطاً تُلهِبهُم. أولَئِكَ «القِدّيسون» انكَشَفوا لأنفسهم. إنهم لَيسوا خَيراً مِن المَرأة بَل شَرّاً مِنها. لَقد كانت تلبس عارها أما هم فَكانوا يَلبِسون ثَوب الرَياء!! خَرَجوا كُلّهم مُبتدئِين مِن الشيوخ إلى الآخرين!!

وبَعد وَقت رفع السيد رأسه وتَلفّت حَوله يَبحَث عَن المُشتَكين فلم يجد. ونَظر نَحو المَرأة فَرآها لا تَزال في مَكانها وقد مَلأت الدموع عَينيها. وتَكلّم مَعها بِعطِف، «يَا امْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» (يوحنا 8: 10) وَتَكَلّمت المَرأة لِلمَرّة الأولى، «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ» وعِندئِذ قَال لها، «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ» على أنه لم يقف عند هذا الحد بل قال، «اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا!» (يوحنا 8: 11) إنه يُبغِض الخَطَيّة ويُحارِبها. ولكنه يُحب الخاطِئ ويَتحنن عليه. إنهم في مُحارَبتهم لِلخَطيّة يَقتلون الخَاطِئ. أما هو فيسفك دمه لكي يُخلّص الخَاطِئ! ذهبت المَرأة! ولكنها لم تكن المرأة التي جاءوا بِها! فهي تذهب وقد قامت ثورة في نفسها ثورة أخرى أشَد وأقسَى، وَلَكِنها كَانت ثَورة ضِدّ نَفسِها وهي تَستَلهِم ذاك الذي قال لها اذهَبي ولا تُخطِئي أيضاً.

إذَن يوجَد لِلزانِية رَجاء!

نَعَم يُوجَد في المَسيح!!