العودة الى الصفحة السابقة
حنة

حنة

وأما حنة فلم يكن لها أولاد

جون نور


«1 فَصَلَّتْ حَنَّةُ وَقَالَتْ: «فَرِحَ قَلْبِي بِالرَّبِّ. ارْتَفَعَ قَرْنِي بِالرَّبِّ. اتَّسَعَ فَمِي عَلَى أَعْدَائِي، لأَنِّي قَدِ ابْتَهَجْتُ بِخَلاَصِكَ. 2 لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَكَ، وَلَيْسَ صَخْرَةٌ مِثْلَ إِلهِنَا. 3 لاَ تُكَثِّرُوا الْكَلاَمَ الْعَالِيَ الْمُسْتَعْلِيَ، وَلْتَبْرَحْ وَقَاحَةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهٌ عَلِيمٌ، وَبِهِ تُوزَنُ الأَعْمَالُ. 4 قِسِيُّ الْجَبَابِرَةِ انْحَطَمَتْ، وَالضُّعَفَاءُ تَمَنْطَقُوا بِالْبَأْسِ. 5 الشَّبَاعَى آجَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْخُبْزِ، وَالْجِيَاعُ كَفُّوا. حَتَّى أَنَّ الْعَاقِرَ وَلَدَتْ سَبْعَةً، وَكَثِيرَةَ الْبَنِينَ ذَبُلَتْ. 6 الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ. 7 الرَّبُّ يُفْقِرُ وَيُغْنِي. يَضَعُ وَيَرْفَعُ. 8 يُقِيمُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ. يَرْفَعُ الْفَقِيرَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ لِلْجُلُوسِ مَعَ الشُّرَفَاءِ وَيُمَلِّكُهُمْ كُرْسِيَّ الْمَجْدِ. لأَنَّ لِلرَّبِّ أَعْمِدَةَ الأَرْضِ، وَقَدْ وَضَعَ عَلَيْهَا الْمَسْكُونَةَ. 9 أَرْجُلَ أَتْقِيَائِهِ يَحْرُسُ، وَالأَشْرَارُ فِي الظَّلاَمِ يَصْمُتُونَ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِالْقُوَّةِ يَغْلِبُ إِنْسَانٌ. 10 مُخَاصِمُو الرَّبِّ يَنْكَسِرُونَ. مِنَ السَّمَاءِ يُرْعِدُ عَلَيْهِمْ. الرَّبُّ يَدِينُ أَقَاصِيَ الأَرْضِ، وَيُعْطِي عِزًّا لِمَلِكِهِ، وَيَرْفَعُ قَرْنَ مَسِيحِهِ» (1 صموئيل 1:2 – 10)

أتريد حقاً أن تعرف الإنسان على حقيقته!؟ أتريد أن تكشف خباياه وسريرته التي يضمرها في أعماق قلبه!؟ أتريد أن تتعرف عما هو عليه من قسوة أو احتمال أو رياء أو نبل أو حنان أو جود أو إشفاق!؟ إذن قف منه في لحظة الألم أو الحزن، ترى معدنه الحقيقي، ومدى ما في هذا المعدن من سمو أو صلابة أو انحطاط أو ضعة..

حول حنة المحزونة البائسة التف ثلاثة أشخاص – فنّنة ضرتها وزوجها القانة وعالي الكاهن.

فنّنة هذه هي المرأة ضرتها، أو المتألمة والساخرة من ألمها، أو الحزينة والتي أضافت إلى حزنها حزناً.. مسرحية محزنة حقاً تلك التي مثلتها فننة على مسرح التاريخ في علاقتها بحنة، مسرحية تحزن الخالق والمخلوق، مسرحية تؤلم الخالق وتدمي القلب الإنساني الرقيق. لقد فعلت فنّنة أمرين محزنين: عيّرت الخالق وأهانت المخلوق ضايقت ضرتها، وشهد المذبح المقدس امرأة متمتعة تسخر من أخرى محرومة. كان يمكن لفنّنة أن تدرك أنها ليست أفضل من حنة، وأن الله إذ يمنحها لا يمنحها لأجل شيء فيها أو استحقاق لديها، بل لأجل جوده هو.. ذاك الذي يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين... لو فعلت هكذا لتغيرت القصة، وكانت بطلتها فنّنة لا حنة، لكنها للأسف لم تفعل بل عيّرت. ومن عيّرت!؟ إنها قبل أن تعيّر المخلوق عيّرت الخالق.

لم تعرف حنة للحياة أو العيد أو الطعام مذاقاً، لأن ضرتها سممت عليها كل شيء، وسقطت المرأة التعسة تحت ثقل ظروفها، وثقل مغيظتها.. ألا ويل للإنسان من الإنسان. إن عواء الذئاب وحفيف الأفاعي وزمجرة الأسود قد لا تروعه كما يروعه لسان سليط، وقلب ينفث الحقد والسم والضغينة..

حرك الألم والغيظ والضيق والاضطراب في قلب حنة صلاة حارة ملتهبة، لم تلفظ بشفتيها كلمات تسمع لكن صلاتها كان صرخة مكتومة أمام الله، ورأى عالي شفتيها تتحركان في شبه دمدمة السكران، فلم يرقه هذا المنظر، وخاصة في بيت الله فصاح بها: «حَتَّى مَتَى تَسْكَرِينَ؟ انْزِعِي خَمْرَكِ عَنْكِ» (1صموئيل 1: 14) فالتفت المرأة المحزونة إليه وقالت: «لاَ يَا سَيِّدِي. إِنِّي امْرَأَةٌ حَزِينَةُ الرُّوحِ وَلَمْ أَشْرَبْ خَمْرًا وَلاَ مُسْكِرًا، بَلْ أَسْكُبُ نَفْسِي أَمَامَ الرَّبِّ. لاَ تَحْسِبْ أَمَتَكَ ابْنَةَ بَلِيَّعَالَ، لأَنِّي مِنْ كَثْرَةِ كُرْبَتِي وَغَيْظِي قَدْ تَكَلَّمْتُ إِلَى الآنَ» (1صموئيل 1: 15 و16).. وكأنما تقول المرأة: إن كنت تحسبني يا سيدي سكرى، فأنا سكرى ولكن ليس من الخمر بل من الألم، لقد جرعت كأسه حتى الثمالة، أنا امرأة مضطهدة مظلومة تعسة، أنا امرأة تجمعت عليها النوائب، وتكاد صلابتها تخور، ويقينها يتزعزع، لا يا سيدي غيّر فكرك عني ترى أنني في حاجة إلى الرثاء لا إلى التوبيخ!!

ما أحوجنا أن نذكر قول معلمنا العظيم: «لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!» (متّى 7: 1 – 5) كثيرون يمسكون بالله طالما كانت حياتهم ضاحكة، وخيرهم موفوراً، وبركاتهم غامرة.. يرنمون له ويعيشون معه إذا كان جوهم صافياً، وشمسهم مشرقة.. أما إذا كشرت لهم الأيام عن ألم أو تعب أو خطب فما أسرع ما يتعدون، ويفصمون معه كل علاقة.. جرى كثيرون وراء المسيح حين قدم لهم الخبز، ولكنهم أنفضوا من حوله حين لوح لهم بالتعب والألم والصليب..

لعل أجمل ما في حياة قديسي الله تمسكهم به في ساعة التجربة والظلمة والضيق.

حنه في ضيقها نذرت للرب أفضل ما ينتظر أن تملك، العطية التي يعطيها الرب إياها.. ولما أعطاها لم تنس الوفاء، ولم تبخل بالتقدمة، بل بفرح قدمت ابنها العزيز لله ولخدمته،... كثيرون في لحظات الضيق يتعهدون بإعطاء الرب كل شيء،.. وما أن يحل الفرج حتى ينسوا ما وعدوا وما نذروا..

أيها الأصدقاء لا تخشوا أن تتعهدوا لله وتنذروا ولكن في يقظة وتأمل وضبط نفس، والله يحسن دائماً مكافأة الناذرين وقد أحسن مكافأة هذه المرأة ففضلاً عن أن نذرها قد كتب الخلود والمجد لولدها فإن الله قد أعطاها عوضاً عنه ثلاثة بنين وبنتين.

بدأت قصتها بالدموع، وانتهت بالترنم، بدأتها بالرأس الخفيض وانتهت بالرأس المرتفع، بدأتها بالمذلة والحرمان، وانتهت بالرفعة والشبع، بدأتها مع الإنسان، وانتهت مع الله..

أيها الإنسان البائس الفقير المحتاج، أذكر الله، وأرفع الرأس، وسر إلى الأمام تنته ظلمتك، وتشرق شمسك، ويمتلئ قلبك بالهتاف والفرح والترنم فتقول مع حنة: «فَرِحَ قَلْبِي بِاٰلرَّبِّ. اٰرْتَفَعَ قَرْنِي بِاٰلرَّبِّ. اتَّسَعَ فَمِي عَلَى أَعْدَائِي، لأَنِّي قَدِ اٰبْتَهَجْتُ بِخَلاَصِكَ. لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ اٰلرَّبِّ، لأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَكَ، وَلَيْسَ صَخْرَةٌ مِثْلَ إِلٰهِنَا... اٰلرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى اٰلْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ. اٰلرَّبُّ يُفْقِرُ وَيُغْنِي. يَضَعُ وَيَرْفَعُ. يُقِيمُ اٰلْمِسْكِينَ مِنَ اٰلتُّرَابِ. يَرْفَعُ اٰلْفَقِيرَ مِنَ اٰلْمَزْبَلَةِ لِلْجُلُوسِ مَعَ اٰلشُّرَفَاءِ وَيُمَلِّكُهُمْ كُرْسِيَّ اٰلْمَجْدِ. لأَنَّ لِلرَّبِّ أَعْمِدَةَ اٰلأَرْضِ، وَقَدْ وَضَعَ عَلَيْهَا اٰلْمَسْكُونَةَ. أَرْجُلَ أَتْقِيَائِهِ يَحْرُسُ، وَاٰلأَشْرَارُ فِي اٰلظَّلاَمِ يَصْمُتُونَ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِاٰلْقُوَّةِ يَغْلِبُ إِنْسَانٌ. مُخَاصِمُو اٰلرَّبِّ يَنْكَسِرُونَ. مِنَ اٰلسَّمَاءِ يُرْعِدُ عَلَيْهِمْ. اٰلرَّبُّ يَدِينُ أَقَاصِيَ اٰلأَرْضِ، وَيُعْطِي عِزّاً لِمَلِكِهِ، وَيَرْفَعُ قَرْنَ مَسِيحِهِ» (1 صموئيل 1:2 – 10).