العودة الى الصفحة السابقة
عام قديم قد مضى وعام جديد قد اتى

عام قديم قد مضى وعام جديد قد اتى

جون نور


نستقبل اليوم عاما جديدا بعد أن طويت صفحة العام القديم. وينطلق بنا قطار الحياة شطر المجهول إلى محطة أخرى من محطات العمر وما العمر إلا محطات تتبع بعضها بعضاً نعم تمتد منذ الآن أمامنا سنة كاملة بأيامها وأسابيعها وشهورها فيها 365 صفحة بيضاء لم يُكتب بعد عليها شيء نستطيع أن نملأها بكل ما هو جليل وحق ونستطيع أيضاً أن نملأها بكل ما هو غش ونفاق لكن الذي يؤرق الكثيرين هو أنهم لا يعلمون ما يخبئه الغد في طياته وبين ثناياه وما الذي نريد أن نتركه ورائنا وما الذي نريد أن نأخذه معنا.

صحيح أننا في مطلع كل عام نعلّق آمالاً على الأيام التي ستأتي. ونترقب بإهتمام ما ستحمله لنا معها. ولكننا لو حاولنا أن نكون واقعيين مع أنفسنا. وألقينا نظرة عبر العصور السالفة مدققين في أمر السنين الماضية. لوجدنا أن كل سنة لا تختلف عن سابقتها. فعجلة الزمن تدور كعادتها بإستمرار مولدة الأيام والشهور والسنين. تدور حلقة السنين. سنة تلو الأخرى طاوية معها الأجيال. تودع جيلاً لتلاقي آخر. ومع هذا تبقى الأيام على حالها. والأيام والأسابيع والسنين. تتشابه في كل زمان. ولكن الإنسان هو الذي يتغير، يتغير في تفكيره، يتغير في أخلاقه، في أمانته. في إخلاصه، في محبته، وفي كافة تصرفاته. يتغير الإنسان بنظرته إلى الله عز وجل، وفي محبته نحو إخوانه بني البشر. فالإنسان المحب قد يصبح مبغضاً لأنه هو نفسه يختار البغضاء بدل المحبة والإخاء. والصديق يصبح عدواً لأنه هو يختار العداء، بدل المودة والوفاء. والأمين يصبح خائناً. عندما يفضّل الخيانة على الأمانة. والمتواضع يصبح متكبراً إذا هو إستبدل التواضع بالكبرياء، والصادق يصبح كاذباً إذا هو إستبدل الصدق بالكذب والرياء. فالأيام لا تجبر الإنسان للتطور نحو الشر والأمور السيئة. ولكن الإنسان نفسه هو الذي يختار الشر لنفسه دون أن يدري.

فعلى سبيل المثال، لو سار الناس في طرق المحبة، لما كان هناك عداء. ولو سار الناس في طريق الأمانة لما كان رياء، ولو سار الناس في طريق اللين لما كان عنف، ولو احترم كل إنسان حقوق الآخر لما كانت المنازعات. والمشاحنات والحروب. ولساد السلام العالم. ولكن هذا لا يعني مطلقاً بأن الإنسان لا يصادف عندئذ ما يعكر صفو حياته. فقد تمر أيام يصادف فيها الإنسان عكس ما يشتهي ويتمنى. وتأتي أوقات يجابه فيها المرء أموراً صعبة غير ما كان يتوقع كما قال الشاعر: «ما كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن». فهذه سُنة الحياة، يوم لك ويوم عليك. يوم لك لتشكر الله معطي الحياة، ويوم عليك لتشكر الله من أجله أيضاً. وليكون لك عبرة للمستقبل فتتعلم منه دروساً قيّمة تساعدك على خوض معركة الحياة بشجاعة وإيمان. وثبات وواقعية. فإذا ما بدت لك الحياة يوماً مظلمة ومعقدة. ووجدت نفسك تجابه التجارب الصعبة. والضيقات القاسية، لا تدع اليأس يسيطر عليك، لأن تلك الظروف القاسية لا تدوم إلى الأبد، وإنما هي ظروف مؤقتة، ربما كانت ضرورية بالنسبة لك لتتعلم منها دروساً وعبراً.

ويجدر بنا ونحن في مطلع العام الجديد أن نتذكر، بأن هذا العام الذي نقف على عتبته إنما هو سنة جديدة من سني النعمة التي أنعم بها الله علينا، لأنه يحبنا. فهل نحن نغفر لمن يسيء إلينا؟ الله محب يحبنا جميعاً. فهل نحن نحب إخواننا بني الإنسان؟ الله يغدق علينا ببركاته السماوية كل يوم. فهل نحن نعطي من هم بحاجة لعطائنا؟ الله صادق، فهل نحن صادقون؟ الله عادل، فهل نحن عادلون؟ الله رحوم، فهل نحن رحماء؟ الله أمين لنا، فهل نحن أمناء له؟

هذه مجرد أفكار بسيطة يجدر بنا أن نتأمل فيها، ليس في مطلع العام الجديد فحسب، بل كل يوم من أيام حياتنا، لنرى أين نحن من الله. وكما يدقق التاجر حساباته، ليرى مقدار ربحه وخسارته المادية، لنحاسب نحن أنفسنا أيضاً في بداية هذا العام لنرى فيما إذا كنا قد عشنا السنة الماضية كما يريدنا الله، ولتكن صلواتنا في هذا العام الجديد كالصلاة التي أرجو أن ترددوها معي هذه الصلاة:

اجعله يا رب عاما مباركا........

عاماً نقيا نرضيك فيه ..........

عاماً تحل فيه بروحك.........

وتشترك في العمل معنا ......

تمسك بأيدينا وتقود أفكارنا....

حتى يكون هذا العام لك

إنه عام جديد. نقي لا تسمح أن نلّوثه بشيء من الخطايا أو من النجاسات....

كل عمل نعمله في هذا العام اشترك يا رب فيه ... بل لنصمت نحن وتعمل أنت في كل شيء ....حتى نسرّ بكل ما تعمله ونقول مع يوحنا البشير: «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 3) وليكن هذا العام يا رب عاما سعيداً..... اطبع فيه بسمة على كل وجه وفرّح كل قلب..... انعم على الكل بالسلام والراحة.......

أعط رزقا للمعوزين وشفاء للمرضى وعزاء للحزانى .... لسنا نسأل يا رب من أجل أنفسنا فقط....

إنما نسأل من أجل الكل لأنهم لك....

خلقتهم ليتمتعوا بك. فأسعدهم إذن بك..... نسألك من أجل بلادنا ومن أجل سلام العالم لكيما يأتي ملكوتك في كل موضع اجعله يا رب عاما مثمرا كله للخير.