العودة الى الصفحة السابقة
عَلامات المُنتهَى

عَلامات المُنتهَى

جون نور


«وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى» (متّى 14:24).

خرج المُعلّم من الهَيكَل لآخر مَرّة في حَياته بالجسد وفيما هو سَائِر بِجانِبه قال له واحد من تَلاميذه يا مُعلّم أنظر ما هذه الحِجارة وهذه الأبنِية – كان المُعلّم قد قال لليهود قبل ذلك قولاً مخيفاً ضمنه في تلك الكلمات التي خاطب أورشليم بها «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا» (متّى 23: 37 و38) وقد رأى التلاميذ في ذلك القول أمراً لا تُصدّقه عقولهم وهُم يَتقدّمون لكي يَروه أبنية الهيكل. ويقول واحد منهم أنظر ما هذه الحجارة وهذه الأبنية. وقوم آخرون يقولون عن الهيكل إنه مُزيّن بحجارة حسنة وتُحف ونظن أن المعنى أنهم يستبعدون كل البُعد أن يحدث لهذا الهيكل العظيم ما أنبأ عنه من خراب. فهل يسمح الله أن يخرب الهيكل المزيّن بالحجارة الحسنة والتحف. وتلك الحجارة الكبيرة هل يمكن لقوة أن تهدمها. كان طول الحجر يبلغ قرابة ثلاثين متراً وعرضه أربعة أمتار وسُمكه ثلاثة.

كان التلاميذ، نظير عامة اليهود، ينظرون إلى الهيكل نظرة تقديس يبلغ إلى درجة العبادة بحيث لا يخطر ببالهم أن يداً بشرية يمكن أن تُصيبه. ومع أنهم قرأوا في نبوات الأنبياء إن الله يهدِم مقدسهم إذا لم تكن علاقتهم علاقة سليمة به. إلاّ أن ذلك لم يُغيّر من تَفكيرهم في ثبات وخلود الهيكل. وكانت إحدى التُهم التي ألصقت بالسيد أنه قال اهدِموا هذا الهيكل. ومن ضمن تُهم استفانوس أنه أنبأ بانتهاء عهد الهيكل. كان كلام التلاميذ ليسوع حاوياً لا مجرد سؤال بل أكثر من ذلك. كان حاوياً لعقيدة اليهود في خلود الهَيكل!

وأجاب يسوع «أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!» (متّى 24: 2). تَقدّم منه أربعة من التلاميذ وسألوه، يا معلم متى يكون هذا وما هي العلامة عندما يصير هذا؟ ويقول متى، إن السؤال حوى شيئاً أكثر فقد سأل التلاميذ، «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟» (متّى 24: 3).

قال إن من علامات المُنتهى منتهى أورشليم الذي سيكون رمزاً لمنتهى هذا الدهر، قيام حروب وسماع أخبار حروب «لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاضْطِرَابَاتٌ. هذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ» (مرقس 13: 8) ليس المُنتهى بَعد!!

العلامة الثانية التي ذكرها يسوع هي وقوع الاضطهادات على المؤمنين به. قال: فانظروا إلى نفوسكم لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس وتجلدون في مجامع. بل سيبلغ الأمر أنهم يُقتلون ويكونون مُبغضين من جميع الأمم لأجل اسمه وحينئذ يعثر كثيرون ويُسلّمون بعضهم بعضاً ويبغضون بعضهم بعضاً. «وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ!!!» (متّى 10: 21).

بل زاد على ذلك أن نتيجة الاضطهاد والمقاومة ستكون أن سيكرز ببشارة الملكوت في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم. وإن وقوفهم أمام ملوك وولاة سيؤول ذلك للتلاميذ شهادة. وإنه بالرغم من شِدّة الاضطهاد فإن شعرة من رؤوسهم لا تهلك!

وصف السيد ذلك الخراب الشامل فطلب أن يهرب الذين في المدن إلى الجبال وألاّ يتأخرّوا في الهرب لأن السيف سيحصد. وقال بنغمة حزينة «وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلاَ فِي سَبْتٍ لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ» (متّى 24: 19 – 21) «وَيَقَعُونَ بِفَمِ السَّيْفِ، وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ، وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ» (لوقا 21: 24). مُسَحاء كذبة في تلك الأيام يحاولون أن يقودوا الشعب إلى طرق معوّجة بِحَجّة تَخليصه من الأمم ولكن أورشَليم سَتنتَهي!

«وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا» (متّى 24: 29 – 31).

إن الأمر الذي يهمّنا أن هذا ينبغي أن يُحفّزنا إلى الاستِعداد. وقد قال المعلم صَريحاً «اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ» (مرقس 13: 33). «فَاحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ الْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ بَغْتَةًز لأَنَّهُ كَالْفَخِّ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ الْجَالِسِينَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. اِسْهَرُوا إِذًا وَتَضَرَّعُوا فِي كُلِّ حِينٍ، لِكَيْ تُحْسَبُوا أَهْلاً لِلنَّجَاةِ مِنْ جَمِيعِ هذَا الْمُزْمِعِ أَنْ يَكُونَ، وَتَقِفُوا قُدَّامَ ابْنِ الإِنْسَانِ» (لوقا 21: 34 - 36).

وقال أيضاً «اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ. وَاعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ» (متّى 24: 42 – 44).

«وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا» (مرقس 13: 37) وصلوا !!