العودة الى الصفحة السابقة
الفريسيون يجربون يسوع

الفريسيون يجربون يسوع

وسؤالهم هل يحل للرجل أن يطلق امرأته؟

جون نور


«1 وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هٰذَا اٰلْكَلاَمَ اٰنْتَقَلَ مِنَ اٰلْجَلِيلِ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ اٰلْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ اٰلأُرْدُنِّ. 2 وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ هُنَاكَ. 3 وَجَاءَ إِلَيْهِ اٰلْفَرِّيسِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ قَائِلِينَ لَهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ اٰمْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟» 4 فَأَجَابَ: «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ اٰلَّذِي خَلَقَ مِنَ اٰلْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَراً وَأُنْثَى؟» 5 وَقَالَ: «مِنْ أَجْلِ هٰذَا يَتْرُكُ اٰلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِاٰمْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ اٰلاٰثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. 6 إِذاً لَيْسَا بَعْدُ اٰثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَاٰلَّذِي جَمَعَهُ اٰللّٰهُ لاِ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ». 7 فَسَأَلُوهُ: «فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَقٍ فَتُطَلَّقُ؟» 8 قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلٰكِنْ مِنَ اٰلْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هٰكَذَا. 9 وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ اٰمْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَبِ اٰلزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَاٰلَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي». 10 قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «إِنْ كَانَ هٰكَذَا أَمْرُ اٰلرَّجُلِ مَعَ اٰلْمَرْأَةِ فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ!» 11 فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ اٰلْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هٰذَا اٰلْكَلاَمَ بَلِ اٰلَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم، 12 لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هٰكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ اٰلنَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ اٰلسَّمَاوَاتِ. مَنِ اٰسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ» (متّى 1:19 – 12).

يبدو أن البشر لم يعيشوا طويلاً في ظل الزواج المقدس الذي رسمه الله، واحتاج الإنسان لأجل قساوة قلبه إلى تشريع يحدّ من شره. وبدأ البعض يحاولون أن يضعوا تفسيراً وتفصيلاً لكلمة الله، فنسى الناس الكلمة – كلمة الله – وحفظوا وصايا وتعاليم الناس وبنوا عليها سلوكياتهم. وهكذا استمرّت المشكلات العائلية حتى أيام المسيح على الأرض، فسألوه هذا السؤال: هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب؟ وهكذا كلما تقدمت الأيام كثر الشر والجهل، وابتعد الإنسان عن وصية الله. وازدادت الأمور تعقيداً في حياة الأسرة. التي تاهت بين النور الإلهي للكلمة وظلمات المجتمع والمحاكم المدنية والمشورات الفاسدة.

جاء السُؤال من جماعة الفريسيين، وهم في الغالب لا يسألون لأجل الاستنارة والمعرفة، بل «ليجربوه» (متّى 3:19)، أي ليوقعوا المسيح في الخطأ. فإن أجاب بنعم، فهو بذلك يضع نفسه كواحد من الربيين اليهود مثل هليل، الذي وضع قائمة طويلة لتفسير كلمة «كل سبب» أو «عيب شيء» (متّى 3:19، تثنية 1:24). وفي هذا تفريط في صرامة وقوة شريعة موسى. وإن أجاب بالنفي، ففي الغالب سيضع نفسه في مشكلة أخرى. والمشكلة مرتبطة بالمكان الذي جرى فيه الحوار «تُخُومِ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ» (متّى 1:19).

كان السؤال ماكراً، آتياً من قلوب شريرة، فأي إجابة سيقدمها المسيح ستثير غضباً ضده. إن أجاب بنعم فسيقف قادة الدين المتشددين ضده، وإن أجاب بلا فسيقع في يد هيرودس.

من الناحية الأخرى كان الطلاق من المسائل التي يدور حولها الجدل والخلاف بين الربيين اليهود، وكان في ذلك الحين وجهتان نظر حول الطلاق، وكل واحدة منها قائمة على تفسير خاص للنص الوارد في (تثنية 1:24 – 4) «إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ اٰمْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ، وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَقٍ وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ، وَمَتَى خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ ذَهَبَتْ وَصَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ، فَإِنْ أَبْغَضَهَا اٰلرَّجُلُ اٰلأَخِيرُ وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَقٍ وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ، أَوْ إِذَا مَاتَ اٰلرَّجُلُ اٰلأَخِيرُ اٰلَّذِي اٰتَّخَذَهَا لَهُ زَوْجَةً، لاَ يَقْدِرُ زَوْجُهَا اٰلأَوَّلُ اٰلَّذِي طَلَّقَهَا أَنْ يَعُودَ يَأْخُذُهَا لِتَصِيرَ لَهُ زَوْجَةً بَعْدَ أَنْ تَنَجَّسَتْ. لأَنَّ ذٰلِكَ رِجْسٌ لَدَى اٰلرَّبِّ. فَلاَ تَجْلِبْ خَطِيَّةً عَلَى اٰلأَرْضِ اٰلَّتِي يُعْطِيكَ اٰلرَّبُّ إِلٰهُكَ نَصِيباً».

بحكمته المعهودة وقوة محبّته أجاب المسيح وأفاض في الحديث، فلم يجب بنعم أو لا فقط بل وضع مبادئ هامة لحياة الأسرة:

أعطى المسيح حق الطلاق للمرأة كما للرجل: «فقال لهم: من طلق امرأته وتزوج بأخرى يزني عليها. وإن طلقت امرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني». وكان هذا القول بمثابة ثورة في المجتمع اليهودي، حيث كانت المرأة في نظر الرجل شيئاً يملكه، ومتاع له حق التصرّف فيه كما يشاء، ويستطيع أن يطلقها في أي وقت، وليس للمرأة حق في طلاق زوجها، وكل السلطات في يد الرجل. إلا أن المسيح في إجابته لم ينكر على المرأة حقها مثلها مثل الرجل.

في ردّ المسيح على الفريسيين أعاد الزواج إلى بدء الخليقة حيث لم يكن طلاق أبداً. فسألوه: فلماذا أوصى موسى أن تُعطى كتاب طلاق؟ ظناً منهم أن موسى بهذا أراد تسهيل الطلاق. فأفهمهم الرب بكل وضوح أن موسى لم يقصد الترغيب في الطلاق، بل قصد الحد منه، فموسى من أجل «قساوة قلوبكم» لم يوصِ بكتاب طلاق، بل «أذن» به، ليحدّ من سلطة الرجل في هذا الأمر.

وقد حذّر الرب يسوع أن الإنسان لا ينبغي أن يفرق بين ما جمعه الله. وقد يكون الطلاق والرغبة فيه متوافقاً مع طبيعتنا الخاطئة، أو مع القوانين الوضعية أو لأجل وضع حد للمشاكل العائلية. لكن ليس هكذا في عيني الله، الذي يتوقع الوقار والأمانة من الطرفين «لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا الْعَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ» (عبرانيين 4:13)، «وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ، فَأُوصِيهِمْ، لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ، أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا، وَإِنْ فَارَقَتْهُ، فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا. وَلاَ يَتْرُكِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ» (1كورنثوس 10:7، 11).

أعزائي المستمعين نظرة إلى العالم اليوم ترينا أن العالم قد غيّر تعاليم الله إلى ما يتوافقه مع رغباته الجسدية وجعل مؤسسة الزواج لعبة يمارسها الناس بعكس ما أرادها الله أن تكون لنقدس الزواج لأنه سر أعطانا إياه الله لكي ما يقدسنا ويقدس حياتنا العائلية من خلاله.