العودة الى الصفحة السابقة
سمعان وحنه

سمعان وحنه

لوقا 33:2 – 40

جون نور


«33 وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. 4 وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ، وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: «هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. 35 وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ». 36 وَكَانَتْ نَبِيَّةٌ، حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ، وَهِيَ مُتَقدِّمَةٌ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، قَدْ عَاشَتْ مَعَ زَوْجٍ سَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ بُكُورِيَّتِهَا. 37 وَهِيَ أَرْمَلَةٌ نَحْوَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، لاَ تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ، عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطَلِبَاتٍ لَيْلاً وَنَهَارًا. 38 فَهِيَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَقَفَتْ تُسَبِّحُ الرَّبَّ، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ. 39 وَلَمَّا أَكْمَلُوا كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ نَامُوسِ الرَّبِّ، رَجَعُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى مَدِينَتِهِمُ النَّاصِرَةِ. 40 وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، مُمْتَلِئًا حِكْمَةً، وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ».

أعزائي المستمعين الكرام

سأتحدث في هذه الحلقة عن شخصين ذكرهما الكتاب المقدس ولهما علاقة مباشرة في فترة طفولة المسيح حيث نرى البشير لوقا في إنجيله وفي الأصحاح الثاني يشدد على أمر هام وهو أن مريم ويوسف قاما بتأدية الفريضة التي تتطلبها الشريعة الموسوية على أكمل وجه بعد ولادة يسوع. فلقد أتيا إلى الهيكل بعد إنقضاء المدة المعينة. «ليقدماه لله». وقدمت مريم تقدمة عن نفسها زوج حمام، وهي تقدمة الفقراء. وأنها لعادة جميلة في معظم الكنائس أن تأتي الأم بعد وضعها مولوداً إلى الكنيسة لتقدم الشكر لله على سلامتها وسلامة مولودها. ونريد أن نحافظ على هذه العادة.

أما الشخصان الرئيسيان في القصة فهما الشخصان اللذان صادفتهما مريم في الهيكل: سمعان وحنه.

فهما المسيحيان الأولان اللذان احتفلا بعيد ميلاد يسوع. ولا نعرف عنهما إلا القليل، لأننا لا نسمع عنهما شيئاً إلا في قصة الميلاد. ولكن قصة الميلاد خلّدت صورتهما، كما خلدت مريم ويوسف. وهما المسيحيان الأولان، على الرغم من أنهما كانا طوال حياتهما يهوديان. يقول الكتاب: «كان سمعان باراً تقياً ينتظر تعزية من الله لشعبه الذي عاند الله وسار في طريق يغضبه» . لا نعرف شيئاً عن ظروفه الخارجية. كل ما نعرفه أنه كان متقدماً في السن. وكلما تقدم الإنسان في العمر كلما زاد شعوره بالوحدة والوحشة وقل عدد رفقاء الصبا. ولا نعرف إذا كان ثمة لسمعان زوجة وأولاد. أو إذا كانوا قد لبوا نداء ربهم قبله، فبقي وحيداً. وكان سمعان «ينتظر» ومَنْ مِنَ الناس لا ينتظر؟ فالطفل ينتظر إلى أن يصبح شاباً. والشاب والشابة ينتظران تحقيق آمالهما وأحلامهما بتأسيس بيت جديد وعائلة. والرجل والمرأة ينتظران ظروفاً أفضل، إذا جار عليهما الدهر. والطالب في المدرسة ينتظر إلى أن ينهي دراسته وتحصيله العلمي. والسجين ينتظر الأفراج عنه. ينتظرون.

وكان سمعان ينتظر. كان ينتظر «تعزية إسرائيل» - مجيء المسيح. وما من شك في أن أوقاتاً قاسية مرت به في حياته الطويلة، وفتحت في قلبه جراحاً عميقة.

وكثيرون ينتظرون أوقاتاً أفضل في كل عام جديد، بعد أن توشك شمس العام القديم على المغيب في بحر الزمن. ولربما ملأهم العام القديم بالحزن والدموع لهذا السبب أو ذاك. ولم ينتظر سمعان تعزية جوفاء كالتعازي التي يقدمها لنا الآخرون حين نمنى بفشل ذريع أو خسارة فادحة. بل انتظر التعزية الدائمة التي سيحققها الله بإرسال المسيح. لم ينتظر أن يغير الله، ظروفه العائلية والإقتصادية، وإنما كان ينتظر الله الذي هو أعظم من كل شيء في العالم. لقد فوّض أمره إلى الله، فكان قرير العين مطمئن البال.

أما المرأة حنه فهي الأخرى كانت تنتظر ما كان سمعان ينتظره. وما الذي تنتظره امرأة بلغت المئة من عمرها وهي أرملة وحيدة؟! نسمع أنها لم تفارق الهيكل. كانت تصلي باستمرار كما كان يفعل سمعان. فكانت نظيره حاصلة على النعمة الإلهية. وكانا من القليلين الذين رأوا في وليد بيت لحم «رجاء العالم». جميل أن نقتدي بهما بالمجيء إلى بيت الله لسماع كلمة الله. لأن الإيمان يأتي عن طريق الكلمة. فالذي يظل بعيداً عن بيت الله يظل بعيداً عن الإنجيل، وبالتالي عن الحياة المسيحية الحقة.

كان سمعان وحنه عجوزين. فهل الإنجيل للشيوخ والعجائز فقط؟ إن الله يريد حياتنا كلها ولا يريد جزءاً منها فقط. والشيوخ والعجائز لا يأتون إلى الكنيسة، لأنهم شيوخ وعجائز، بل لأن الحياة عركتهم وعلمتهم وأنضجتهم وزادتهم حكمة.

سمعان وحنه يمثلان الرجال والنساء. ويسوع وكنيسته يحتاجان إلى الرجال والنساء. ومن تعاسة العائلة وشقاء الأولاد أن يكون الوالدان غير مؤمنين. أو أن تكون الأم مؤمنة والأب غير مؤمن، والعكس بالعكس. وهذا يلقي ظله على الأمة كلها. ولذلك فهذه القصة القديمة تحمل رسالة خاصة إلى جيلنا.

إن طفل المذود سيُقاوم من كل جهة: سيقاومه الفريسيون الأتقياء، رجال الدين وعلماء الشريعة، وسيقاومه العظماء والأقوياء. إنه ليس علاجاً شافياً أو ترياقاً للثورويين ولا للمحافظين. إنه سيجلب الألم إلى العالم وبخاصة إلى الذين يؤمنون به، ليمنحهم السعادة. فالذي لا يرى الصليب فوق المهد، فإنه يفشل ويضل الطريق لأنه إذا ما ألقى نظرة إلى الوراء وإلى الأمام سيرى ظلام الخطيئة الذي يحجب نجم المهد.

ولا عجب فقد جعل المسيح لسقوط وقيام كثيرين. هذا هو طريق الله، وهذا هو قصده بالبشر. فمنذ ظهور يسوع، رجل الناصرة، وسيره على أديم هذا الكوكب، والناس يقاومونه، وحتى أولئك الذين ينتسبون إليه ويسمون باسمه يقاومونه ويسببون له ألماً وحزناً. ولا يقاوم إلا العظيم.

ولكن النصر الأخير لن يكون للباطل، بل للحق. لا للشر بل للخير. لا للكراهية بل للمحبة. وسيملك طفل المذود إلى أبد الآبدين.