العودة الى الصفحة السابقة
الفريسي والعشار

الفريسي والعشار

جون نور


«9 وَقَالَ لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ، وَيَحْتَقِرُونَ اٰلآخَرِينَ هٰذَا اٰلْمَثَلَ: 10 «إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى اٰلْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَاٰلآخَرُ عَشَّارٌ. 11 أَمَّا اٰلْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هٰكَذَا: اَللّٰهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي اٰلنَّاسِ اٰلْخَاطِفِينَ اٰلظَّالِمِينَ اٰلزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هٰذَا اٰلْعَشَّارِ. 12 أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي اٰلأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. 13 وَأَمَّا اٰلْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ اٰلسَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اٰللّٰهُمَّ اٰرْحَمْنِي أَنَا اٰلْخَاطِئَ. 14 أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ هٰذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّراً دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ» (الإنجيل بحسب البشير لوقا 9:18-14).

قبل كل شيء، دعونا نفهم معنى هاتين الكلمتين بوضوح –الفريسي والعشار.

الفريسي: كان عضواً في فئة دينية التي كانت تدرب أعضاءها على التشدد في مفهوم ناموس الله. ولكن اهتمام هؤلاء الفريسيين ينصب بالأكثر على التفاصيل الصغيرة بينما أهملوا أعظم واجبات الحياة. ولأنهم لم يعملوا بما علموه، أصبحوا معروفين بالمرائين دينياً.

أما العشار: فكان الرجل الذي يجبي الضرائب للحكومة الرومانية. والعشار المذكور في الكتاب كان يهودياً، ولأن هؤلاء اليهود عملوا لحساب المحتلين الرومان، فكانوا محتقرين من اليهود الآخرين كالخونة. وكان من معروف عنهم أنهم يجبون مالاً أكثر مما يحق لهم ليأخذوه لأنفسهم. لهذا كانوا محرومين من النشاطات الدينية كلياً.

على أي حال، صعد كل من الفريسي والعشار إلى الهيكل ليصليا. ولربما وقف الفريسي في مكان بارز جداً وصلى بصوت عال نسبياً ليسمع الجميع. وما قاله كان كما يلي: «يا الله، إنني فخور لأنني لست مثل كثير من الناس الذين أعرفهم – مثل هذا الذليل جابي الضرائب الواقف هناك. أنا لا أسلب الآخرين. أنا لا أعمل لحساب العدو. أنا لا اقترف الزنى. أنا أصوم مرتين في الأسبوع وأضع المال بانتظام في صندوق التبرعات. واعرف إنني على ما يرام مع الله».

وجد العشار مكانا منزوياً لكي لا يُرى من الناس. وشعر بالاستياء من نفسه لدرجه أنه لم يجرؤ على النظر فوق إلى الله. بدل ذلك قرع على صدره، لائماً نفسه، وصلّى: «ارحمني يا الله لأنني إنسان خاطئ».

لقد أوضح يسوع معنى القصة، وقال إن العشار كان الشخص الذي حصل على الموقف الصحيح أمام الله لأنه تواضع. أما الفريسي فذهب إلى بيته مذنباً كما كان من قبل، لأنه نفخ ذاته أمام الله.

دعونا ننظر إلى هذين الرجلين وصلاتيهما لنرى أياً منهما نحن نشبه.

طريقتان للمثول أمام الله:

كانت كل صلاة الفريسي عن نفسه. ولقد استعمل الصيغة الشخصية (أنا) خمس مرات. حقاً كان أنانياً متخصصاً في ال (أنا) لقد تبجح بخصوص ما عمله وما لم يعمله. لقد صام مرتين في الأسبوع مع أن الناموس طلب الصيام مرة في السنة (لاويين 29:16، 27:23، 29؛ سفر العدد 7:29). لقد أعطى العُشر من كل مدخولاته، مع أن الناموس طلب فقط عشر المحصول الزراعي، النبيذ، الزيت والماشية (سفر التثنية 22:14، 23).

صلاة العشار كانت متواضعة. لقد وقف من بعيد كما لو كان نجساً وبالتالي ليس أهلاً للاقتراب إلى الله. وبضربه على صدره كان يرى أنه يذلل نفسه، لم يرَ نفسه وكأنه على ما يرام مع الله.

لقد قارن الفريسي نفسه مع الآخرين: «لست كالناس الآخرين… أو حتى هذا العشار». عندما نفعل ذلك ننجح دائما في إيجاد من هم أسوأ منا حالاً.

العشار قارن نفسه من معيار الله، أي الناموس، وأدرك كم كان مذنباً وغير صالح.

تكلم الفريسي وكأنه القديس الوحيد: «أنا لست كباقي الناس». أما العشار فتكلم وكأنه وحده خاطئ. وما قاله حقيقة كان، «ارحمني يا الله، أنا الخاطئ». ليس أحد الخطاة، بل الخاطئ.

شعر الفريسي أنه مكتفٍ ذاتياً. لم يحتج لأي شيء أو أي شخص خارج نفسه. أما العشار فأدرك انه محتاج لشخص آخر ليعمل تقدمة تكفي مطالب الله. احتاج بديلاً. وعندما صلّى، «ارحمني يا الله»، وكان لسان حاله يقول «أنا أعرف أنني لا أستطيع إرضاء الله بسبب خطاياي». نحن نعرف أن الله قد أعد تقدمة كهذه. لقد أرسل ابنه ليموت لأجل خطايانا. الموت عقاب لكل الخطايا (رومية 23:6). لقد مات يسوع مكاننا، وعندما نقبله على أنه ربّ ومخلّص، فالله سيكون رحيماً معنا ويقدر أن يغفر لنا خطايانا، لأن الجزاء قد دُفع.

يوجد مغزى بالقول إن هذين الرجلين يمثلان دينين اثنين في العالم. وربما يعترض أحدهم أنه يوجد مئات الأديان في العالم – البوذية، الهندوسية، اليهودية، الإسلامية، والمسيحية وغيرها كثير. نعم ولكن في الأساس يوجد فقط اثنان. الفريسي يمثل كل الأديان التي تعلّم أن الإنسان يكتسب خلاصه بنفسه، جزئياً على الأقل. يقولون إنه مخلص بعمله الصالح، بكونه متدين، بعطائه المال، بكونه شخصاً صالح، وبعمله أفضل ما يستطيع. من الطبيعي أنه لا يمكنه أبدأ معرفة ما إذا كان قد خلص طالما هو على الأرض، لأنه لا يعرف ما إذا عمل أعمال كافية ومن النوع الصحيح.

العشار يمثل الدين الحقيقي. هذا يعلم أن الإنسان لا يخلّص نفسه. هذا يعلّم أيضاً أن الله يدبر الخلاص كهبة مجانية لكل الذين يعترفون أنهم خطاة ويقبلون الرب يسوع على أنه رجاءهم الوحيد للسماء.