العودة الى الصفحة السابقة
قطع رأس يوحنا المعمدان

قطع رأس يوحنا المعمدان

جون نور


«هذَا هُوَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ! وَلِذلِكَ تُعْمَلُ بِهِ الْقُوَّاتُ» (متّى 2:14).

كان في اليهودية ملك اسمه هيرودس، هو هيرودس انتيباس بن هيرودس الكبير. وكان بيت هيرودس صنيعة الدولة المحتلة روما. وقد اشتهر ذلك البيت بكل نقيصة.. كل أفراد البيت بدون استثناء... الرجال والنساء.

ومن الغريب أن النعمة أتاحت لكل هيرودس فرصة ذهبية كان يمكن أن ترفعه من أوحاله إلى ذروة النقاوة ولكنهم رفضوا الفرصة بل قاوموها. فهيرودس الكبير جاءه المجوس يسألون عن المولود ملك اليهود فقد رأوا نجمه وأتوا من أقصى البلاد ليسجدوا له. وبدلاً من أن يسجد للملك الآتي إلى العالم حاول أن يقتله. ولما لم يعرف من هو قتل أطفال اليهودية من ابن سنتين فما دون!!!

وهيرودس أغريباس، وأخته برنيكي سمعا قصة يسوع من فم بولس ولمست القصة حياة هيرودس وهزّته. ولكنه تقسّى ورفض وترك بولس سجيناً. ولا تزال كلمته «بِقَلِيل تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا» (أعمال الرسل 26: 28) شعاراً لكل من كان قريباً من الملكوت. ثم رفض!!

أما هيرودس انتيباس فقد أتيحت له فرصٌ أكثر ولكنه أساء أكثر من الجميع. وقتل يوحنا المعمدان. سمع هيرودس عن المعمدان وطلب أن يسمعه. وتحدث المعمدان معه فأصغى له وأصغى بسرور. لكن سرور هيرودس من رسالة المعمدان لم يكن قبولاً. نظن أنه أعجب بحياة المعمدان ونقاوتها وقناعتها. وأنه أكرم الرجل لأنه لم يطلب منه مالاً ولا جاهاً ولذلك كان شجاعاً فلم يخش في الحق أحداً ولو كان هيرودس نفسه. ونعتقد أنه أكرم يوحنا وهو يواجهه بسجل خطاياه وينصحه أن يقلع عنها!!

لم يكن هيرودس معتاداً أن يسمع انتقاداً من إنسان. كان الجميع يثنون على حكمته وعلى تعبده ويوافقون على كل ما يأتيه من شرور. لم يوجد شخص يقول له أخطأت. لكن المعمدان لما جاء ذكر له قساوته ومظالمه وجشعه وشهواته. وسمع هيرودس المعمدان، سمعه كثيراً وسمعه بسرور!

على أن هيرودس ارتكب في تلك الأثناء «فضيحة» لو أتاها غيره لكان جزاؤه فيها القتل. ذلك أنه تآمر مع زوجة أخيه هيروديا، على أن تهرب من بيت زوجها وتتزوج منه. ويغلب أنه أستطاع أن يجد بين رجال الدين من يبارك له هذا الزواج. نحن لا نعرف كثيراً عن تفصيلات القصة وعن ملابساتها ولكننا نعلم أنها كانت فضيحة وأن صوتاً واحداً من «قديسي» الهيكل لم يرتفع ضدها.

لم يجسر واحد من أولئك أن ينتقد هيرودس بل إننا نستطيع أن نقول بشبه يقين أن جميعهم باركوا ذلك الزواج!! لكن يوحنا لم يستطع أن يسكت.

«يا هيرودس لا يحل لك أن تكون هيروديا زوجة لك!!» يا للرجل العظيم!

إنه لم يَخشَ شيئاً في سبيل الحق فلم يسترح هيرودس إلى كلامه.

أما هيروديا فثارت كنمرة ثكول وأصرّت على قتله. ولم يمتنع هيرودس عن تنفيذ رغبتها إلا بسبب الخوف من الشعب الذي كان يعتبر المعمدان نبياً. ولكنه إرضاء لهيروديا وضع يوحنا في السجن وبقي يوحنا في السجن سنتين وفي نهاية السنتين قطعت رأسه.

وقصة قتله قصة مثيرة.

حاولت هيروديا أن تقنع هيرودس بقتل المعمدان، انتهزت فرصة مواتية. كان يوم عيد ميلاد الملك. وأقامت هيروديا وليمة كبيرة دعت إليها عدداً كبيراً من أصدقائها. وكان طعام كثير وكان شراب وكان مجون ورقصت ابنة هيروديا قيل أن أمها علّمتها رقصة خليعة مثيرة للغرائز الأدنى. وأعجبت الرقصة هيرودس أعجبته كثيراً فأمسك بالصبية وقال لها أن تطلب منه ما تشاء. وأقسم ليعطيها ما تشاء ولو إلى نصف المملكة.

كان مخموراً ساعة أن تكلم. إنه يعلم أن المملكة ليست له. إن روما هي التي وضعته وأنها تستطيع أن تخلعه. وقسمه لم يكن إلا حماقة. على أن الصبية أسرعت وطلبت.

كانت المؤامرة مبيتة كانت هيروديا تنتظر أن هيرودس يكافئ ابنتها على رقصتها فلقنتها أن تطلب ويا شؤم ما طلبت. «قالت أطلب رأس يوحنا المعمدان على طبق!!».

أما هيرودس فاضطرب وحاول أن يتملص ولكنه لم يستطع. بل كان يستطيع لو أنه فكر. أن أقسامه لا يجوز أن تتعدى حدوده. والجمهور الموجود ما كان يحتقره لو أنه رفض. لكنه لأجل الأقسام والمتكئين أرسل سيافاً قطع رأس يوحنا المعمدان ووضعه على طبق فأخذته الصبية وأعطته لأمها. ظنت هيروديا أنها انتهت من المعمدان بقطع رأسه شدّ ما أخطأت!

لقد خلّدت بجريمتها الثانية فضيحتها الأولى. لقد سجل التاريخ عارها الأول بسبب قتلها ليوحنا. ولا يزال العالم إلى اليوم، ولن يكف، يتحدث عن المرأة التي تركت زوجها لتعيش مع رجل آخر، والتي قتلت النبي الذي وبخها على ذلك. قيل إن هيروديا بصقت على وجه يوحنا وفتحت فمه وقطعت لسانه ثم أخرجت له لسانها. واليوم يبصق التاريخ على وجه هيروديا كل يوم ولسان يوحنا يرسل لها رسالة ذات دوي مُروّع وجميع الشياطين تخرج لها ألسنتها!!