العودة الى الصفحة السابقة
إخوِة يَسوع

إخوِة يَسوع

جون نور


«لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي» (مَتّى 50:12).

كان يسوع يَتكلّم مع الجُمهور الغَفير الذي ازدحم حَوله. والجُمهور يُصغي بكل جوارِحه لِهَذا التَعليم الجَديد. كان الشعب جائعاً وناشفاً من العطش الروحي. كان المُعلّمون يحتقرونه فلا ينزلون ليتحدّثوا إليه. إنهم يجلسون على كراسيهم العالية ويرسلون من كبرياء عروشهم تعليمهم تفضّلاً منهم.

لم يكن هناك شيء يلمس حاجة الشعب الجائع والعطشان. لم يكن هناك رسالة رجاء أو رسالة تعزيّة!! فَلمّا جاء المُعلّم الجَديد كان شَيئاً غَريباً عليهم فقد جلس على الأرض مَعهُم وَتَحدّث إليهم لا من عليائه بل حديث الأخ للأخ والصديق للصديق. وأحسّوا أنه ليس سيّداً أو حَاكِماً مُستبدّاً بل أحسّوا أنه أخ وصَديق. نعم أنهم هابوه ولكنهم أحَبّوه أيضاً!

كانت تعاليمه أيضاً شيئاً غَريباً. لقد انتَقى تَعاليمه من أعمالهم اليومية. رأى الزارع يوماً يبذر حبوبه فألقى عِظَته عن مثل الزارع. وأبصر الزوان يوماً يطلع وسط القمح فتحدّث عن مثل القمح والزوان.. وهكذا سمعنا أمثاله الكَثيرة وتَعاليمه المُتعَدّدة!

سمع الناس عن تعاليمه وعن آياتِه فآتوا من كُل أنحاء اليَهودِيّة يَحمِلون قُلوبهم الجَائِعة وأجسامِهم المَريضة وتَواقَعوا عليه يُريدون أن يَلمِسوه. وهو رأى تِلك الجُموع ولم يزدِرها ولم يحتقرها كما كان الرؤساء يَعمَلون. ولكنه رآهم فَتَحنّن عليهم وترك بيته وأهله وراحته واستِقراره وجعل ينتقل من مكان إلى مكان وسط مواكب حَافِلة من الناس. وكان يجلس الساعات الطَويلة يُعلّم أولَئِكَ الناس وكان تَعليمه خارجاً على القواعد المَعروفة وأحبّه الناس وأبغَضه الفِريسيّون وحَاولوا أن يلصقوا به مُختَلَف التُهَم.

قالوا إنه ببعلزبول يخرج الشياطين وردّهم السيّد على أعقابِهم خَائِبين وقالوا إنه سامري وبه شَيطان فأخزاهم بكلمات النور التي ألقاها فارتدوا خاسِرين.

وأخيراً أشاعوا إنه مُختلّ. وأذاعوا ذلك في كل مكان. واقتنع إخوته أنه مختل حقاً وحاولوا أن يقنعوا العذراء المباركة أن ابنها مُختَلّ. ولكنهم على ما نعتقد لم يفلحوا في ذلك. إن العذراء المُبارَكة التي كانت «تَحْفَظُ جَمِيعَ هذِهِ الأُمُورِ فِي قَلْبِهَا» (لوقا 2: 51) لا يمكن أن يخطر ببالها يوماً أن ابنها الحبيب مُختَلّ!

ذاك الذي حبلت به وهي عَذراء والذي رنّمت لِمُقدّمه ملائِكة السَماء والذي جَاءه الرُعاة والمَجوس وسَجَدوا له والذي أجرى أمامها آيات قُوّته. ذاك لا يمكن أن يكون إلاّ ابن الله وما المُختَل إلاّ أولئك الذين لا يَرونه عَلى حَقيقَتِه!

على أنها برغم إيمانها في شَخصِه أشفقت عليه من اتساع نطاق المؤامرات ضِدّه، وخشيت أن القَوم يَسيئون إليه ويَقتلونه، فارتضت أن تُرافِق إخوَتِه لِيَرِدّوه إلى بَيتِه في النَاصِرة أو في كَفرناحوم!

واتجهّت هَذهِ الجَماعة الصَغيرة إلى حيثُ كان واستَمرّت مُدّة تَنتَقِل خلفه حتى لحقت به في مكان من الأمكِنة. ولكن الزحام كان شديداً جداً. حتى أنه استحال عليهم الوصول إليه. ولكنهم نجحوا في إيصال كلمة إليه! هوذا أمك وإخوتك خارجاً طالبين أن يُكلّموك.

قيل إن الذي أبلغه الخبر أبلغه مجرد خبر وقيل إنه أبلغه سخرية به. إن أمه وإخوته يطلبون أن يروه. وإن اخوته على الأقل يَعتَقِدون أنه مُختَلّ. وقيل إن أمه وإخوته كانوا يَنوون أن يُقنِعوه بالعودة إلى البيت، فإذا لم يقتنع فقد كان في عزمهم أن يأخذوه بالقوّة.

أمّا يسوع فأشفَق على المُتكلّم وعلى الجُمهور وعلى أمه وعلى إخوته، إنهم كلهم يعيشون في رباط الجسد أن يسوع – وهو ابن مريم وأخو يوسي ويهوذا والباقين – هو في نفس الوقت ابن الإنسان وهو فوق ذلك ابن الله. إن ارتباطه بالناس ليس مُحدّداً بأم وبإخوة. إن جميع الناس أهله فهو ابن الإنسان. وجَميع الناس رَعاياه وشَعبه فهو ابن الله. ولذلك يلتفت إلى الجمهور ويقول: من هي أُمّي وَمَن هُم إخوَتي إنه لا يُنكِر أمه ولا يُنكِر إخوَته. لم يوجد من هو أكثر ولاء لأمّه ولإخوته من يسوع. إنه وهو على الصَليب في غمرة آلامه لَم يَنسها. ولكنه لا يقف عند حدود علاقات القُربى الضَيّقة. ليست لي أم واحِدة. ولا إخوة قَلائِل إن أمهاتي يَملأن الأرض وإخوَتي هم البشرية بِأسرِها.

فإن كان المَطلوب تَحديد القَرابة تَحديداً أضيَق من ذلك فإن الأقرِباء هُم الذين يَرتَبِطون به بِرِباط التَفكير الواحِد أقرِبائي هُم تَلاميذي ها أمي وإخوتي لأن مَن يَصنَع مَشيئَة أبي الذي في السَماوات هو أخي وأختي وأمي.

ولا يزال يسوع يمدّ يَده إلى المؤمنين قَائِلاً: ها أمي وإخوَتي فإن أمي وإخوَتي هُم الذين يَسمَعون كَلِمة الله ويَعمَلون بِها إذن نحن أقَارِب المَسيح وأهلِه!!