العودة الى الصفحة السابقة
مثل الزارع

مثل الزارع

جون نور


«وَسَقَطَ آخَرُ فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، فَأَعْطَى ثَمَرًا يَصْعَدُ وَيَنْمُو، فَأَتَى وَاحِدٌ بِثَلاَثِينَ وَآخَرُ بِسِتِّينَ وَآخَرُ بِمِئَةٍ» (مرقس 4: 8).

كان يسوع جَالِساً على شَاطِئ البَحر وقد اجتَمَع حَولَه جُموع كَثيرة. وتَكاثَر القَوم واندَفَعوا نَحوَه فَاضطرّ أن يَترُك مَكانه ويَدخُل السَفينة ويَجلِس. وَوَقَفَ الجُمهور أمَامه عَلى الشَاطِئ.

أشار يسوع بيده إلى بُقعة جَانِبيّة وَقال، «هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ» (مرقس 4: 3). والتفت الجُمهور إلى الزَارِع وأبصَروه وهو يُلقي بِذاره. وهم يعلمون من الزرع الشيء الكثير فالأمر ليس غريباً عنهم. وجعل يسوع يُحدّثهم عن الزَرع باللغة التي يَفهمونها وهم يُتابِعونه دون أن يصلوا إلى الهَدَف الذي يَرمي إلَيِهِ.

قال إن بعض البُذور سَقطت عَلى الطَريق. فظلت منفصلة عن التربة وجاءت طيور السماء وأكلتها.. وهذه ضَاعَت هَباء!!

وأشار يسوع إلى جزء آخر من الزَرع. وقال إن بعض البذور سقطت على مكان محجر. لم تكن الحجارة ظاهرة إذ كانت مغطّاة بطبقة رقيقة من التربة الخصبة. كان ذلك المكان في ظاهره أرضاً جيدة وقد كان كذلك فعلاً. ولكن جودته لم تكن عميقة. وقد صوّر لهم يسوع ما سبق أن رأوه على مثل هذا المكان فقال إن الزرع نبت حالاً إذ لم يكن له عُمق أرض. كانت جذوره قَريبة من السَطح وعِندَما حاولت أن تَمدّها إلى قَلب الأرض صدمها الصَخِر. لم يكن هُناك مَجال لِتَستَمِدّ غِذاءها المُستمِرّ فابتدأت تَجِفّ وتَذبَل. ولَمّا أشرَقت الشَمس احتَرق.

أما الجزء الثالث فقد قال يسوع إنه سقط في وسط الشوك. هنا أيضاً لم يكن الشوك ظاهراً. كانت إذَن في تلك التربة بذور الحِنطة وبذور الشوك ونبت الاثنان معاً ولكن الشوك لما طلع خنق الزرع فلم يُعطِ ثَمراً.

والجُزء الأخير سقط على الأرض الجَيّدة وهذا أعطى ثَمراً. لكن لأن درجة الجودة تختلف فقد اختلفت درجات الثَمر. فأعطَى بعض نِتيجة فَائِقة جِدّاً عبّر عنها يسوع بالقول مئة. وأعطى آخر نَتيجة جيدة وهي سِتّون. وأعطى آخر نتيجة لا بأس بها وهي ثَلاثون.

والتفت يسوع إلى الجَمع وقال، «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ» (مرقس 4: 9).

ومَضى الجمهور وهو يسأل، ما معنى هذا المثل. من هو الزارع وما هو الزرع. وماذا قصد بالطريق والحجر والشوك. هل قلنا مضى الجمهور. كلا. إنما قصدنا مضى بعضه فإن البَعض مَضى بِدون مَشغولِيّة والبَعض الآخر هَزّ رأسه استِهانة أمّا البَعض فَمَضى يَسأل ويُستَقصَى!

فَلمّا مَضى الجَمع تَقدّم التَلاميذ إلى مُعلّمهم يَسألون، لماذا تُكلّمهم بِأمثال. لِماذا لا تقدم تَعليمك واضحاً مُحدّداً. أمّا يسوع فأعلن لهم أنه من الخير أن يُحجب الحقّ عنهم بقناع حتى يفكّروا فيه ويبحثوا عُمقه ويَتفَهموه إذا كانوا يَطلبون الحق. إذ كانوا أو كانت أغلبيتهم جماعة عمياء القلب عمياء الذِهن وفي نفس الوقت كانوا يقولون إنهم يُبصِرون ويَفهَمون. كانوا غير مُستعدّين أن يَسمَعوا أو يَفهَموا. وبدأ المُعلّم يشرح لهم المَثل ... قال، الزرع هو كلام الله. وكلام الله زرع لأن فيه حياة وهو إذ يغرس في القلب ويختفي فيه يعود حياً ومُثمِراً.

وتكملة للمثل يقول يسوع هؤلاء الذين على الطَريق حيثُ تَزرَع الكَلِمة وهم يسمعون ولكنهم لا يفهمون لذلك يأتي الشيطان للوقت وينزع الكلمة المزروعة في قلوبهم. وقد لا يفهمون لأن الكلمة تكون أعلى من فهمهم أو قد لا يفهمون لأنهم هم غير مُستَعدّين أن يَفهَموا. كما أن بَعضهم لا يَفهمون لأن أذهانهم غير مُركزّة لِلسَمع. هؤلاء هُم المَزروع عَلى الطَريق.

والمَزروع على الأماكِن المُحجّرة هم الذين يسمعون الكلمة وحالاً يقبلونها بفرح ولكن ليس لهم أصل في ذواتهم ولذلك يؤمنون إلى حين. فبعد ذلك إذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فللوقت يعثرون ويَرتدّون.

أمّا الذين زَرعوا بين الشَوك فَهُم الذين يَسمَعون الكَلِمة. ولكن هموم هذا العالم وغرور الغنى وشهوات سائِر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر. ونُلاحِظ أن الشَوك تجربة الجميع لِلفقراء الشوك هموم وأثقال. وللأغنياء الشوك كبرياء وغرور. وللجميع الشوك شهوات ولذّات. ما أكثر ما خنق الشوك كلمة الله فكانت بلا ثَمر.

وأخيراً المَزروع على الأرض الجَيّدة وهُم الذين يَسمَعون الكَلِمة ويَفهمونها ويَقبَلونها ويَحفَظونها في قلب جَيّد صَالِح ويُثمِرون بِالصَبِر. وهؤلاء أيضاً يَختَلِفون في درجة إثمارهم. فيصنع بعض مِئة وآخرون سِتّين وآخرون ثَلاثين!!

أين تقع كلمة الله في قلبك هل وقعت كلمة الله في الأرض الجيدة إذا كان كذلك فالله ينتظر منك إثماراً في حياتك لتكون كلمة الله مثمرة فيك وتأتي بثمر للآخرين.