العودة الى الصفحة السابقة
يسوع في عرس

يسوع في عرس

جون نور


«هٰذِهِ بِدَايَةُ اٰلآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا اٰلْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ» (يوحنا 2: 11).

كان عرس في قانا الجليل! وكان يسوع في العرس!

إن رجل الأحزان كان أيضاً رجل الفرح. من المبهج أن نرى أولى معجزاته في عرس. إن صورة الحياة المسيحية عند البعض ليست صحيحة. هم يتخيلونها حزينة عابسة منقبضة باكية. نعم إن فيها شيئاً من الدموع، إن فيها دموع تغسل فتعطي للابتسام مكانه. طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون. بل إن الفرح في الحياة المسيحية أكثر من بركة مستقلة. إنه بركة حاضرة. هوذا المسيح وتلاميذه ومريم العذراء في العرس!

وكانت التقاليد تقضي أن يوزع الخمر سبعة أيام. وكانت الخمر عند البعض عصيراً للعنب قبل اختماره. وعند البعض الآخر عصيراً مختمراً. كان الفرح عند البعض يظل فرحاً لأن خمرهم لا تسكر. وكان الفرح عند غيرهم ينقلب غماً لأنهم كانوا يسكرون. ونحن نميل إلى أن خمر قانا الجليل كانت لا تزيد عن «عصير العنب الذي كان معروفا في ذالك الزمن»!!

ويظهر أن عدد الذين حضروا العرس كان أكثر مما قدَّر أصحاب العرس، ولذلك فرغت الخمر. وكان فراغها «فضيحة» لبيت العرس. ولا بد أن همساً دار بين أفراد العائلة، وعلمت أم يسوع بالأمر فقد كانت على الأغلب ذات قرابة للأسرة. وقالت أم يسوع له، ليس لهم خمراً. هل قالت ذلك على سبيل الخبر المجرد، أم قالته طالبة مشورة، أم قالته حاثة إياه ومن معه على الانسحاب من البيت. أم – وهو الأصح – قالته تطلب منه آية، وقد حملت به بآية، وولدته بآيات، وأحاطت الآيات بطفولته وصبوته،... وكانت تحفظ جميع ذلك في قلبها؟؟!!

ولا نريد أن ندخل في تفاصيل المعجزة. فإن مخلّصنا أمر الخدام أن يملأوا أجران ماء التطهير فملأوها ماءً. ثم طلب منهم أن يقدموا منها بدل الخمر، وإذا هي خمر من أطيب الخمر، حتى دعي رئيس المتكأ العريس وقال له تلك الكلمات التي حوت من المعاني أكثر مما قصد. قال: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ اٰلْخَمْرَ اٰلْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ اٰلدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ اٰلْخَمْرَ اٰلْجَيِّدَةَ إِلَى اٰلآنَ» (يوحنا 2: 10) – وهو قول يصدق على كل ما يعطيه العالم. الجيّد أولاً ثم الدون. أما يسوع فقد لا يبدو الجيّد عنده أولاً ولكنه يبقى الجيّد إلى الآخر. يعطي أولاده دموعاً في أول الأمر ولكنه يحوّل تلك الدموع جواهر غالية أخيراً!!

ونحس أثر اعتراضين لهذه القصة نحب أن نواجههما بكل شجاعة. الاعتراض الأول أن المسيح بحضوره في العرس حيث الخمر وبتحويله الماء خمراً، يبيح شرب الخمر. وثانيهما إن تحويل الماء خمراً شيء لا يتفق مع العلم ولا مع طبيعة الأشياء. إذن الاعتراضان قائمان في موضوع الخمر وموضوع المعجزات!

أما عن موضوع إباحة الخمر فإننا نتساءل أولاً باندهاش عن سرّ تمسك أنصار الخمر باستنتاجاتهم في هذه المعجزة. ونحن نفترض جدلاً أن الخمر التي كانت في العرس خمراً مسكرة. بل نزيد في الافتراض، فنفترض أن يسوع صنع خمراً مسكرة. لنفرض ذلك. وأنا أقف بكل خشوع أمام سيدي وأقول حاشاه أن يأتي مثل هذا الأمر. وإنما افترضه على سبيل المناقشة. هل في الخمر خير؟ كل ما فيها شر. كلها أذى. هي لعنة ووبال. فإذا قيل إن يسوع صنع هذه الخمر المسكرة – وحاشاه أن يصنعها – فإن هذا لا يؤثر في قضية الخمر. إن الذي يصنع الخمر المسكرة لا يمكن أن يكون هو يسوعنا. أن الخمر لعنة وشر. ولا يمكن أن يصنع رب الخير لعنة وشراً. إن السكيرين، إذ أعجزتهم الحيل، حاولوا أن يتمسكوا بأي شيء بنيلهم غرضهم، وهم إنما يظلمون أنفسهم. إن يسوع الذي جال يصنع خيراً لا يمكن أن يصنع خمراً مؤذية. إن الذي طرد الأعداء الروحية الشريرة لا يمكن أن يأتي بمشروبات روحية!!!

والذي يتأمل في كل معجزة يرى أنها لا تختلف عن معجزات أخرى لا نراها نحن معجزات. لنتحدث مثلاً عن ولادة الخمر الولادة الطبيعية. دُفنت بذرة الكرم في الأرض فماتت. ومن ثم أرسلت السماء إليها مطراً امتزج بقبرها فقامت طفلة صغيرة ظلت تنمو من نبتة صغيرة إلى نبتة أكبر حتى صارت كرمة خرج ثمرها الشهي. أليس كل دور من هذه الأدوار معجزة؟ وإنما نحن لا نرى في ذلك شيئاً معجزياً لكثرة ما رأينا ونرى من مثل هذه التطورات. ولو أننا لم نرَ شيئاً من مثل ذلك لكذّبنا وأقمنا الاعتراضات!!

إن الذي يستطيع أن يخرج من البذرة المائتة كرمة، والذي يخرج من بذرة الأرز ملكة الأشجار والذي ينزل الأمطار ويهز الجبال يستطيع أن يصنع من الماء خمراً. قال بعضهم إن تحويل الماء خمراً وإطعام الخمسة آلاف وغير ذلك من المعجزات المماثلة هي المعجزات الأصغر. انظروا إلى الطبيعة وتأملوا المعجزات الأكبر!!

عزيزي دعنا لا نفسر الأمور في الحياة كما يحلو لنا بل لنأخذ من حياة يسوع وأمثاله درساً لنا ونبراساً لحياتنا.

إن كنتم بحاجة إلى كتاب معجزات يسوع أكتبوا إلينا.