العودة الى الصفحة السابقة
الرجل الذي يحمله أربعة رجال إلى يسوع

الرجل الذي يحمله أربعة رجال إلى يسوع

جون نور


«3 وَجَاءُوا إِلَيْهِ مُقَدِّمِينَ مَفْلُوجاً يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ. 4 وَإِذْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ اٰلْجَمْعِ، كَشَفُوا اٰلسَّقْفَ حَيْثُ كَانَ. وَبَعْدَ مَا نَقَبُوهُ دَلَّوُا اٰلسَّرِيرَ اٰلَّذِي كَانَ اٰلْمَفْلُوجُ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ. 5 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ» (مرقس3:2 - 5)

في مدينة كفرناحوم في إقليم الجليل نرى أمامنا رجلا لم يتعدَّ سنّ الشباب ولو أن البعض يقولون أنه أكبر من ذلك بكثير.

ورجلنا هذا مفلوج لم نرَه إلا وهو محمول على فراش المرض. وفي أحد الأيام سمع أهله وأصدقائه وذووه بأن المعلم الجديد في بيت قريب. فاجتمع الأهل حول فراش مريضهم يفكرون عما يمكن أن يعملوه معه ولأجله. إنهم يظنون أن المعلم لا يمكن أن يقبل دعوتهم ويجيء إليهم.

فلماذا لا يأخذونه إليه؟ وقام أربعة منهم وأعدُّوا له فراشاً على سرير وحملوا المريض. وساروا في الطرقات الضَيّقة لَلمَدينة المُزدَحِمة. وظلّوا يَسيرون حتى وصلوا إلى قرب المكان. كانت ساحة البيت مرصوصة بالناس. وعلى العتبة وخارج الباب جمع لا يستطيع أحد أن يعدّه. مئات ومِئات وبالرغم من الزحام الشَديد كان صمت كصمت القبور. كان المُعلّم يَتكلّم. وكان الحضور خَليطاً من طبقات مختلفة.

وقف أصدقاء المفلوج لانهم لا يستطيعون أن يقتربوا من المكان لأنه لا يوجد مكان لِقَدم.

لا فائِدة من محاولة الوصول إلى يسوع فهل يرجعون إلى البيت يبدو أن لا حلّ آخر.

ومرة أخرى طردوا ذلك الفكر وفي حيرتهم أشرق عليهم نور.

لئن كانوا لا يستطيعون الوصول إلى المُعلّم من الباب فلماذا لا يستطيعون الوصول إليه من النافِذة. ولئن تعذّر الوصول من النافِذة فلماذا لا يوصلونه للسيد من السقف وداروا حول البيت إلى السلم الخلفي وصعدوا إلى السطح ورفعوا سقف الطين فوق المكان الذي كان يسوع جالساً فيه.

لم يكن رفع السقف شيئاً سهلاً. لا بد أن كثيرين تذمّروا، صاحب البيت ثار ولولا أن الزِحام حجزه فلم يستطع أن يصل إليهم. الجالسون حول المسيح تضايقوا كثيراً من قطع الحجارة الطينية المتناثرة. وربما صاح بهم البعض وهددهم البعض ولكن الأربعة لم يبالوا بشيء بل ظلّوا يوالون عملهم حتى أوسعوا مكاناً لسرير المفلوج وربطوه بحبال وبدأوا يدلّونه. ووجد القوم أن سريراً يهبط عليهم فدفعوا بعضهم بعضاً وكان الدفع عَنيفاً. واستقرّ السرير أخيراً أمام يسوع.

لا بد أن هؤلاء هم قوم الرجل وأهله. ربما كانوا أولاده أو ربما كانوا إخوته أو بني عمومته. إنهم على كل حال قوم أحبّوه وكانوا مستعدّين للبذل من أجله. وها هم يصلون أخيراً إلى بغيّتهم. لقد استقرّ سرير المريض أمام يسوع. هنا انتهت مُهمّتهم وتطلّع السيّد إلى المَريض. ثم تَطلّع إليهُم لقد رآهم يسوع في اللحظة الأولى التي أقبلوا فيها. وسرّ قلبه من قوم يُحِبّون ويأتون بمريضهم إليه. وسُرّ قلبه أكثر وهو يراقب حيرتهم وكيف تفتقت لهم الحيلة أن يصعدوا إلى السطح. وكان سروره عظيماً وهو يلاحظ قوة إيمانهم في رفع السقف. وعندما نزل سرير المريض إليه مدلى بحبال أبصر لا حِبالاً بل مزيجاً من إيمان ومَحبّة. عند ذلك نظر إلى المريض بعطف وقال ثق يا بُني مَغفورة لك خَطاياك. كانت كلمة المُعلّم غَريبة. لم تكن هي الكلمة التي ينتظرونها لقد تلقفّها المفلوج كما يَتلقّف الجفاف نقط المطر المُتهاطل على غير انتِظار. يبدو أن خطَيّته كانت تشغله أكثر كثيراً مما يشغله مرضه. إن المعلم يقول له ثق يا بني أو كما يترجمها البعض، اطمئن يا بُني، انزع قلقك عنك، مغفورة لك خطاياك. هل يسمع المفلوج حقاً هذه الكلمات، هل غفرت له خطاياه حقاً؟

لم يستطع المريض أن ينطق كلمة واحِدة، ولكن قلبه وثب في أضلاعِه لقد نال بركة أذهلته. إنه لم يكن ينتظر شيئاً من هذا.

والحَمّالون الأربعة، لا شك أن قلوبهم استراحت. ولكنهم كانوا ينتظرون شيئاً آخر. إن الشفاء من الفالج كان الأمر الذي ينتظرونه، إنهم لأجل هذا حملوا الرجل إلى النبي الجديد.

أما رؤساء اليهود فثارت قلوبهم ضد هذا الإلحاد. من هذا الذي يقول مغفورة لك خطاياك، من يقدر أن يغفر الخطايا إلاّ الله، إن المعلم الجديد يجدف، إنه ينطق بكلمات كبيرة لأن غفران الخطايا بالرغم من عظمته يسهل النطق به، إن الرجل ليس من الله!

وقرأ يسوع ما تحدثت به قلوب القوم، قرأه كما من سفر مَفتوح وأجابهم: «أَيُّمَا أَيْسَرُ، أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ: مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟» (مرقس 2: 9).

ولم ينتظر السيّد جوابهم، إنه يعلم الجواب، إنهم يقولون إن النطق بالغفران أيسر من الشفاء، إنهم يطلبون برهاناً على سلطانه أن يغفر – وهو يعطيهم ذلك البرهان، إنه يقول لهم، ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمفلوج: قُم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك.

إن ذلك المفلوج الذي لا يستطيع أن يتحرّك، يثب من مكانه ويحمل فراشه ويخرج قدام الكل، والجميع ينظرون إليه مبهوتين، وقد مجدوا الله الذي أعطى الناس سلطاناً مثل هذا بل امتلأوا خوفاً قائِلين ما رأينا مثل هذا قَط، إننا قَد رأينا اليوم عَجائِب!!