العودة الى الصفحة السابقة
أليشع

أليشع

جون نور


«وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا عِوَضًا عَنْكَ» (1ملوك 16:19).

عندما ذهب إيليا إلى جبل الله حوريب، لم يكن يعلم أن الله سيتحدث إليه هناك عن ثلاثة أسماء سيدعوها لخدمته، وتنفيذ إرادته، فهو سيدعو أليشع بن شافاط ليحل محل إيليا، وسيدعو حزائيل ملكاً على آرام، وسيدعو ياهو بن نمشى ملكاً على إسرائيل،.. وأدرك إيليا أن الله متسلط في مملكة الناس، وأنه يدعو الأنبياء والملوك وكل ذي سلطان وفقاً لمشيئته العليا وإرادته الكاملة، وأنه يسيطر على الخير والشر في كل مكان وزمان،... وبينما كان إيليا نائماً تحت الرتمة، وقد استبد به اليأس، وطوحت به الضيقات والآلام، كان هناك شاب عظيم يعده الله ويجهزه للخدمة المقدسة... وهكذا يتغير الناس، ويبقى الله، ومع أن أليشع حمل رداء إيليا وحل محله، إلا أنه ثمة فروق بين الاثنين،.. كان إيليا من بلاد جبلية، وكان أليشع من أرض زراعية كان إيليا أشبه بالمعمدان، يحيا حياة الخشونة والصلابة والشدة والعنف والرعد القاصف، وكان أليشع أدنى إلى حياة المسيح في الرقة والعطف والجود والإحسان، كان إيليا لا يأكل ولا يشرب، وكان أليشع يأكل ويشرب، كان الأول يعيش في الجبال أو العزلة، وكان الثاني يعيش في المجتمعات.

كانت حياة أليشع حافلة بمعجزات المساعدة والإحسان، تبدأ بمساعدة الأرملة التي مات زوجها، وجاء المرابي ليأخذ ولديها وفاء لدين لا تملك دفعه،.... ومع أننا لا نعرف من هو زوج هذه الأرملة، إلا أن بعض التقاليد تقول إنه عوبديا، والذي عال مائة من الأنبياء في أيام إيليا، ولو صح هذا التقليد فإننا أمام كارثة مضاعفة، كارثة بيت هوى من مجده وعزه إلى الفقر المدقع والحاجة القاسية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الدائن المرابي أراد أن يأخذ الولدين وفاء وسداداً للدَّين المطلوب، ومن صرخة المرأة إلى أليشع، يقفز أمامنا السؤال: هل حدث هذا لرجل كان عبداً لله ويخاف الله، لأنه استدان، وأغرق نفسه في الدَّين من أجل عمل الله!!؟؟.... وهل يكون هذا هو الجزاء!!؟ وهل يتخلى الله عن مثل هذا الإنسان أو بيته!!؟... والاختبار الصادق: «كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا» (مزمور 25:37) على أية حال كان هذا هو المأزق الذي وقعت فيه الأرملة!!؟ وكان من الطبيعي أن تلجأ إلى رجل الله، تُرى هل يعرف خدام الله، هذه الحقيقة؟ أو بالأحرى هل يمارسون خدمتهم بهذا الإحساس العميق بالواجب والتبعية، دون أدنى تردد أو تراجع؟... على أية حال لقد قاد رجل الله الجميع لحل المشكلة، فلم ينفرد بحلها، إذ أعطى كل وحد نصيبه فيها، فالمرأة لا ينبغي أن تقف متفرجة على الحل، بل لا بد أن تساهم فيه بجهدها، وجهد ولديها معها، ولا بد أن تستخدم دهنة زيتها في مواجهة المشكلة...

وإذ نتحول من قصة الأرملة الفقيرة، إلى الشونمية العظيمة، نتحول إلى مشكلة أخرى أعمق أثراً وأبعد امتداداً،..لم يكن للشونمية ابن يتعرض للضياع بسبب الدَّين أو الضيق أو الحاجة، بل لم يكن لها ابن أصلاً، إذ كانت المرأة عاقراً،.. كانت تملك مالاً ولم تكن تملك ولداً، مع ذلك – لم تكن المرأة المتمردة، او المتذمرة على حظها من الحياة، أو نصيبها من الدنيا، إذ كانت قانعة بما قسم الله لها، راضية بمشيئته، مستسلمة لإرادته. كانت مشكلة المرأة، وعلى وجه الخصوص في تقاليدنا الشرقية، أنها بلا ولد، والأمر الذي يصل – كما ذكرت أيضاً أليصابات – إلى حد العار!!... (لوقا 25:1) وكان وعد أليشع إن العاقر ستحتضن إبناً بمرور العام، وجاء الابن،... وأصبح كالمشعل المضيء في جنبات البيت، وكان يجري بين البيت والحقل، قرة عين لأبويه،.. حتى أصيب بضربة شمس قضت عليه في الحال،.. وكان السؤال الذي قفز أمام ذهن المرأة، وطرحته فيما بعد أمام أليشع فيما معناه: ألم يكن من الأفضل أن لا يوجد الولد أصلاً،.. ولم يكن هناك إلا الحل الواحد، الذي أدركته الشونمية، وأدركه أليشع، وكانا ولا شك يعرفان ما فعل إيليا مع ابن أرملة صيدا عندما مات، وأعاده مرة أخرى إلى الحياة،... قالت المرأة لزوجها الذي تساءل: لماذا تذهب إلى رجل الله في غير ميعاد، فلا رأس شهر أو سبت؟ وقالت لجيحزي المسرع بأمر من أليشع الذي رآها من فوق جبل الكرمل، ليسألها عن سر مجيئها المفاجئ؟!.. قالت كلمة واحدة في الحالين: سلام!!. وكان من المستحيل أن يصل إليها السلام دون أن تواجه مشكلتها بدون الإيمان بقدرة الله وإحسانه وجوده وحبه وحنانه!!... وما كان للمرأة أن تأتمن أي انسان آخر، فالمعجزات العظيمة تحتاج إلى مؤمنين عظماء!!... لقد أعطى أليشع – بالإيمان بالله - الولد مرتين إلى أمه، المرة الأولى بالميلاد والمرة الثانية بالإقامة من الأموات!!...

وُصف أليشع في الكتاب تسعة وعشرين مرة بأنه رجل الله، وقد كان حقاً الرجل الذي عاش ببصيرته الروحية يحمل رداء إيليا، وهو الوحيد بين جميع الأنبياء والقديسين الذين امتدت معجزاتهم إلى ما وراء حياتهم، إذ مس ميت عظامه في قبره عندما طرحه حاملوه على عجلة خوفاً من غزاة موآب، فقام وركض وراءهم (2ملوك 21:13). وكان هو مثل إيليا يحق له أن يوصف بالقول: مركبة إسرائيل وفرسانها، أو ذلك الجيش العظيم العرمرم الذي يصنعه الله من فرد، لمجده العظيم في الحياة وبين الناس!!...