العودة الى الصفحة السابقة
مجيء المسيح الثاني

مجيء المسيح الثاني

جون نور


يقول البشير متّى في إنجيله في الأصحاح الرابع والعشرين:

«1 ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَلِ، فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةَ الْهَيْكَلِ. 2 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!» (متّى 24: 1 و2).

كان يسوع خارجاً من الهيكل، وأراد التلاميذ أن يوجهوا التفاته إلى جمال الهيكل وضخامة حجارته وروعة مبانيه والتحف التي فيه. فقد كان الهيكل معجزة في نظر كل يهودي وموضوع افتخارهم. ويبدو أنهم كانوا يتوقعون أن يبادلهم السيد مشاعر الانبهار والإعجاب بالهيكل ومبانيه، إلا أنهم فوجئوا بإعلانه: «أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!» (متّى 2:24). فيسوع يرى ليس فقط مستقبل الهيكل ومصيره بل أيضاً هدمه وتدميره. فكان الإعلان كالصاعقة على التلاميذ، ففي هدم الهيكل ضياع لكيان الأمة الديني والسياسي والاجتماعي والاقتِصادي.

من هنا تقدم التلاميذ بسؤالهم، متى يكون هذا (خراب الهيكل)؟ وما هي علامة مجيئك؟ وما هي علامة انقضاء الدهر؟ ومن صيغة السؤال يبدو أن التلاميذ ربطوا الثلاثة معاً، فهدم الهيكل وخراب أورشليم يعني – في نظرهم – خراب العالم كله وانقضاء الزمن. وهذا يفسر لنا سر التداخل في حديث المسيح بين ما هو قريب جداً وما هو بعيد زمنياً، أو بين خراب أورشليم ونهاية العالم، والحديث عن مجيء المسيح الثاني يأتي مرتبطاً أيضاً بخراب أورشليم ونهاية العالم.

ومتى يكون هذا؟ أي متى يتم قولك بهدم الهيكل؟ وجاءت الإجابة واضحة في لوقا 20:21 – 22 «وَمَتَى رَأَيْتُمْ أُورُشَلِيمَ مُحَاطَةً بِجُيُوشٍ، فَحِينَئِذٍ اعْلَمُوا أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ خَرَابُهَا. حِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، وَالَّذِينَ فِي وَسْطِهَا فَلْيَفِرُّوا خَارِجًا، وَالَّذِينَ فِي الْكُوَرِ فَلاَ يَدْخُلُوهَا. لأَنَّ هذِهِ أَيَّامُ انْتِقَامٍ، لِيَتِمَّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ».

«الجيوش تحيط بأورشليم» وقد أحاطت جيوش الرومان بأورشليم من سنة 66، حتى سقوطها سنة 70م. وكان يوسيفوس أحد الكهنة اليهود يقود جيشاً صغيراً في الجليل الأعلى، وإذ وقع أسيراً في أيدي الرومان، اتخذوه مرافقاً ومترجماً لتيطس الروماني (قائد الغزو). وكان الهجوم عنيفاً جداً على أورشليم حتى هلك أكثر من مليون وألف نسمة، وتم أسر ما يقرب من مئة ألف وخرب الهيكل وأحرق بأيدي الرومان.

لقد عمل اليهود بالجيش الروماني أعمالاً جنونية انتحارية، مما جعل الرومان ينتقمون منهم أضعافاً. كان اليهود – على سبيل المثال – يقذفون الجنود من فوق الأسوار بالحجارة والمقلاع وأصابوا منهم كثيرين. وعندما دخل الجنود المدينة فتكوا بالشعب، وكانوا يبقرون بطون الحوامل. ومن لم يمت بالسيف مات بالجوع، ولشدة الجوع كان الوالدون يأكلون أطفالهم الرضع، ولم يكن هذا إلا تحقيقاً لأقوال المسيح: «يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ، لأَنَّهُ هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُونَ فِيهَا: طُوبَى لِلْعَوَاقِرِ وَالْبُطُونِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ وَالثُّدِيِّ الَّتِي لَمْ تُرْضِعْ!» (لوقا 28:23، 29).

وهكذا تم خراب الهيكل وأورشليم في سنة 70 م على يد تيطس قائد الجيش الروماني الذي غزا المدينة بجيشه.

كان الجزء الثاني من السؤال حول علامة مجيئه، وهذا ما أجاب الرب عنه في (متّى 29:24 – 31) «وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا».

وسأله تلاميذه أيضاً عن انقضاء الدهر، فما أكثر الذين ادعوا النبوة وأخبروا بانتهاء الزمان (متّى 24:8، إرميا 14:14)، فأخبرهم المسيح بحدوث الحروب والقلاقل والمجاعات والأوبئة، وعندما تأتي هذه الأمور، هذا لا يعني النهاية «وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ» (متّى 24: 6) «كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ» (متّى 24: 8)، فما أكثر الأمور السلبية التي تحدث في عالمنا منذ سنين طويلة مضت، وإن كثرت جداً هذه الأيام، لكن المسيح أشار أيضاً إلى ما هو إيجابي ولا بد من حدوثه قبل انقضاء الدهر: «يُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى» (متّى 14:24). وحتى هذا الأمر الذي يبدو حسب هذا القول إنه يسبق المنتهى يمكن أن نراه نسبياً.

فَالحَقيقة المُؤكَدّة «أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ» (2بطرس 8:3)، ومع هذا فالرب لن يُبطِئ عن وعده بل حتماً سيجيء وينقضي الدهر وينتهي الزَمن وإلى أن يجيء يبقى واجبنا والتزامنا اليوم «فَبِمَا أَنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَالْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ. وَلكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ. لِذلِكَ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هذِهِ، اجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ، فِي سَلاَمٍ» (2بطرس 11:3 – 14).

أعزائي لنعيش بتقوى وإيمان وكأننا منتظرين يوم مجيء الرب يسوع ثانية وكأنه سيحدث اليوم.