العودة الى الصفحة السابقة
حادثة قارورة الطيب

حادثة قارورة الطيب

جون نور


تقول القصة: كما وردت في الكتاب المقدس

«6 وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ اٰلأَبْرَصِ، 7 تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ اٰمْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبٍ كَثِيرِ اٰلثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ. 8 فَلَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذٰلِكَ اٰغْتَاظُوا قَائِلِينَ: «لِمَاذَا هٰذَا اٰلإِتْلاَفُ؟ 9 لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هٰذَا اٰلطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ». 10 فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُزْعِجُونَ اٰلْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَناً! 11 لأَنَّ اٰلْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 12 فَإِنَّهَا إِذْ سَكَبَتْ هٰذَا اٰلطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ ذٰلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي. 13 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهٰذَا اٰلإِنْجِيلِ فِي كُلِّ اٰلْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هٰذِهِ تِذْكَاراً لَهَا» (متّى 26: 6 – 13).

وردت هذه الحادثة في الأناجيل حيث هناك امرأة خاطئة في بيت سمعان الفريسي وكان مجيئها إلى المسيح هو مجيء الخاطئة التائبة، وقد عبّرت عن ذلك بدموعها وبقارورة طيب سكبته على قدميه.

يبدو أن كانت هناك إشارات وهمسات متبادلة بين الحاضرين. وأن الكلام يحمل كثيراً من الخشونة «وكانوا يؤنبونها». لكن واضح أن من قاد هذا التحرك وأشاع هذه المذمة كان يهوذا، الذي أظهر شفقة على الفقراء، مع أنه غير مبال بالفقراء، بل لأنه كان حاملاً الصندوق وكان سارقاً له. الغريب أن يهوذا يتحدث عن الفقراء، وكان هذا يوحي للبعض أن يهوذا كان مهتماً بالفقراء (يوحنا 21:13 – 30). إنه ينتقد مريم بسبب ضياع المال، ولم يدر أنه هو من أضاع حياته بالكامل بسبب المال، إذ أسلم سيده بثلاثين من الفضة. ومن الملاحظ أن كلمة «تلف» التي استخدمها يهوذا في سؤاله، هي نفس الكلمة التي استخدمها الرب عن يهوذا: «حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي الْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ ... حَفِظْتُهُمْ، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهَلاَكِ» (يوحنا 12:17). إن سؤال يهوذا هو سؤال الذين لا يعملون ولا يدعون غيرهم يعملون. إنه سؤال من يجلس في صفوف المتفرجين ليقيم غيره. وحتماً سيرى الأمور سلبية. لقد كان الفعل في نظر يهوذا خسارة وإتلاف، بينما هو في الحقيقة محبة وعطاء. إن مريم التي كانت تجلس كثيراً عند قدميه أرادت أن تعبّر عن شكرها وتقديرها للرب بسكب قارورة الطيب هذه.

إن ما فعلته مريم كان تعبيراً عن محبتها وتقديرها وشكرها للرب، وهذا ما رفضه يهوذا والباقون. أما يسوع فقد رحب بها وبما فعلته، وأظهر المسيح في ما قاله المنافع الكثيرة نتيجة عملها ليسوع: لقد كان تقييم المسيح لما فعلته مريم مختلفاً تماماً عن تقييم يهوذا والتلاميذ. فقد رأى الضرورة والاحتياج لهذا العمل: «فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلًا حَسَناً... فَإِنَّهَا إِذْ سَكَبَتْ هٰذَا اٰلطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ ذٰلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي». فقد رحب يسوع بعملها هذا ليس فقط من أجل اللياقة، بل أيضاً من أجل الضرورة.

قال يسوع للجموع «لأَجْلِ تَكْفِينِي». وهل نفهم هذا القول فيما بعد، عندما مات المسيح على الصليب، وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر. ولما كان المساء والذي يعني بداية السبت حسب النظام اليهودي، لم يكن في الإمكان وضع الحنوط والأطياب على الجسد لأجل التكفين ودفن يسوع في قبر يوسف الرامي الذي كان قريباً من الموضع الذي صُلب فيه. وهنا ظهر نيقوديموس، الذي أتى أولاً إلى يسوع ليلاً، وهو حامل مزيج مرّ وعود مئة مناً، فأخذ جسد يسوع، ولفه بأكفان مع الأطياب، كما لليهود عادة أن يكفنوا (يوحنا 39:19، 40).

وهذا ما لم يتمكن من فعله السيدات اللاتي كن قد آتين معه من الجليل، ونظرن القبر وكيف وضع جسده. فرجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً. وفي السبت استرحن حسب الوصية (لوقا 55:23، 56). فما عملته مريم إذن – حسب تقييم المسيح – كان لأجل تكفينه المبكر. وكأنه من ذلك اليوم دخل كخروف الفصح تحت الحفظ في اليوم العاشر ليذبح في اليوم الرابع عشر، عندما يُرفع على الصليب (قارن خروج 1:12 – 6).

لقد امتلأ البيت من رائحة الطيب (يوحنا 3:12). وهكذا كل من يكرم المسيح في حياته ينشر رائحة طيبة للذين حوله: «إِنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ ِللهِ، فِي الَّذِينَ يَخْلُصُونَ وَفِي الَّذِينَ يَهْلِكُونَ. لِهؤُلاَءِ رَائِحَةُ مَوْتٍ لِمَوْتٍ، وَلأُولئِكَ رَائِحَةُ حَيَاةٍ لِحَيَاةٍ. وَمَنْ هُوَ كُفْوءٌ لِهذِهِ الأُمُورِ؟» (2كورنثوس 15:2، 16). ثم هذا المشهد يؤكد لنا أن في كل بيت أو قلب يحل فيه المسيح هناك رائحة طيبة.

لقد أكرمت مريم المسيح، خدمته وكفنته بما تملك، والرب يكرم الذين يكرمونه. فكافأها الرب بإعلانه: «حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهٰذَا اٰلإِنْجِيلِ فِي كُلِّ اٰلْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هٰذِهِ تِذْكَاراً لَهَا». وهكذا صارت قصتها واحدة من قصص الإنجيل، تحمل أخبار سارة للنفوس المحتاجة، وبهذا فإن التاريخ لن ينسى هذه المرأة وما فعلته وسيذكرها، ومن خلال كلمات الوحي عنها يتحمس الكثيرون لمحبة الرب وإكرامه.

إن ما فعلته هذه المرأة لم يكن بركة للبيت فقط، بل للعالم أجمع، ففي كل مكان في العالم يكرز فيه بالإنجيل تحمل هذه القصة أخباراً طيبة لكل من يسمعها. وتصبح سبب بركة للكثيرين.

ونحن اليوم ماذا نفعل لنكرم المسيح ونعبّر عن محبتنا له وإكرامنا لشخصه، وهل نظهر رائحته الزكية لجميع الناس؟!