العودة الى الصفحة السابقة
شفاء الغلام الذي به روح نجس

شفاء الغلام الذي به روح نجس

جون نور


يذكر متّى في إنجيله الأصحاح السابع عشر

«14 وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى اٰلْجَمْعِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ جَاثِياً لَهُ 15 وَقَائِلاً: «يَا سَيِّدُ، اٰرْحَمِ اٰبْنِي فَإِنَّهُ يُصْرَعُ وَيَتَأَلَّمُ شَدِيداً، وَيَقَعُ كَثِيراً فِي اٰلنَّارِ وَكَثِيراً فِي اٰلْمَاءِ. 16 وَأَحْضَرْتُهُ إِلَى تَلاَمِيذِكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ». 17 فَأَجَابَ يَسُوعُ: «أَيُّهَا اٰلْجِيلُ غَيْرُ اٰلْمُؤْمِنِ، اٰلْمُلْتَوِي، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ هٰهُنَا!» 18 فَاٰنْتَهَرَهُ يَسُوعُ، فَخَرَجَ مِنْهُ اٰلشَّيْطَانُ. فَشُفِيَ اٰلْغُلاَمُ مِنْ تِلْكَ اٰلسَّاعَةِ. 19 ثُمَّ تَقَدَّمَ اٰلتَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ عَلَى اٰنْفِرَادٍ وَقَالُوا: «لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟» 20 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَاٰلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهٰذَا اٰلْجَبَلِ: اٰنْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ. 21 وَأَمَّا هٰذَا اٰلْجِنْسُ فَلَا يَخْرُجُ إِلاَّ بِاٰلصَّلاَةِ وَاٰلصَّوْمِ» (متّى 14:17 – 21).

يَصِف البَشيرون الثَلاثة حَالِة ذلك الشَاب بِتَفصيلات كَثيرة، يكمل أحدهُم الآخر، هَكَذا رَأوا الشَاب: «يُصْرَعُ وَيَتَأَلَّمُ شَدِيدًا، وَيَقَعُ كَثِيرًا فِي النَّارِ وَكَثِيرًا فِي الْمَاءِ» (متّى 15:17).

«بِهِ رُوحٌ أَخْرَسُ، وَحَيْثُمَا أَدْرَكَهُ يُمَزِّقْهُ فَيُزْبِدُ وَيَصِرُّ بِأَسْنَانِهِ وَيَيْبَسُ» (مرقس 17:9 – 18).

«وَهَا رُوحٌ يَأْخُذُهُ فَيَصْرُخُ بَغْتَةً، فَيَصْرَعُهُ مُزْبِدًا، وَبِالْجَهْدِ يُفَارِقُهُ مُرَضِّضًا إِيَّاهُ» (لوقا 39:9).

وإلى جانب وصف حالة الشاب هكذا، جاء التقرير المشترك عن حالة التلاميذ بأنهم «لم يقدروا».. وعدم إمكانية التلاميذ هذه لم تقف عند حد عدم شفاء الولد فقط، بل تركت آثارها على المنتقدين للمسيح وتلاميذه. «إذ كان الكتبة يُحاوِرونهم» (مرقس 14:9) وَيَتضّح من القَرينة أن مَوضوع الحِوار كان فشل التلاميذ. ثم إن الطريقة التي تقدم بها والد الغُلام ليسأل المسيح تَظهَر التأثير السَلبي، إذ قال له: «إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئًا فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا وَأَعِنَّا» (مرقس 22:9) وكأنّه أرادَ أن يَقول: إن تَلاميذَك فَشِلوا ولم يَقدِروا أن يُخرِجوا الروح الشِرّير فهل تقدر أنتَ؟ بل أن الروح الشِرّير نَفسَه، إذ رَأى أنهم قَدّموا الغُلام لِيَسُوع، ضَرب ضَربته الأخيرة: «فَلَمَّا رَآهُ لِلْوَقْتِ صَرَعَهُ الرُّوحُ، فَوَقَعَ عَلَى الأَرْضِ يَتَمَرَّغُ وَيُزْبِدُ» (مرقس 20:9)، وفي الغالِب فعل هذا أمَام التَلاميذ فَفَشِلوا، لكنه أمام يسوع هو الذي فَشل، فَسُلطان المَسيح الشَافي أقوَى مِن كُلّ روح شِرّير. وَكَما وَصفَ البَشيرون الثَلاثة حَالِة الغُلام في مَرَضِه واحتِياجِه، هَكَذَا يَصِفون سُلطَان المَسيح وَلَحظِة الشِفَاء.

إِنّ يَسُوع وَبَعدَ إتمَام المُعجِزَة قَال: «أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، الْمُلْتَوِي، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ ههُنَا!» (مَتّى 17:17).

وَالسُؤال: لِمَن قَالَ يَسُوع هَذِهِ الكَلِمَات. وَلِمَن وُجّه هَذَا التَوبيخ؟ هَل كَان يُخاطِب التَلاميذ بِأنهم هُم الجيل غير المؤمِن؟ هَذا تُوافِقُهُ كَلِمَات (مَتّى 20:17) فقال لهم يَسُوعُ: «لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ».

أم كان يُخاطِب الجُموع المُحيطة به؟ فهم يُمثّلون الأمّة كُلّها التي لم تؤمِن به. أم كان يُوّجه كلامه للآب كما يرى البعض. على الأرجح أنه كان يكلم الجموع والتلاميذ معاً. فالجموع لم تؤمن به «أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ». والتلاميذ ما زالوا في احتِياج شديد لوجوده معهم « إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟» مثلما قال: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ!» (يوحنا 14: 9).

بقي أن نشير أن يسوع بهذه المُعجِزة أثبت قُدرته على غَلبة إبليس فهو الأقوَى منه «وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ أَمْ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ الْقَوِيِّ وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ، إِنْ لَمْ يَرْبِطِ الْقَوِيَّ أَوَّلاً، وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ؟» (متّى 28:12، 29).

بِمُجرّد أن انتَهت المُعجِزة وَشُفِي الغُلام تقدم التلاميذ إلى يَسوع يَسألونه: لماذا لم نقدر نحن أن نُخرِجه؟ وكأنهم يَتساءلون: ماذا يَنقصنا؟ ألم تعطنا السُلطان من قبل؟ وكانوا يَتساءَلون لماذا نحن؟ ولماذا هُم، فلم يعد لديهم الذِهن النَقي والقلب المُوحّد؟ على أي حال السؤال ينمّ عن رغبة في معرفة سر المُشكِلة، وهذا أمر إيجَابي يحسب للتَلاميذ.

فقال لهم يسوع: «لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ» (متّى 20:17). لقد شَبّه يسوع الإيمَان بِحَبّة الخَردَل، فالإيمان يَبدو صَغيراً لكنه يَنمو، هكذا وصف الرسول بولس إيمان أهل تسالونيكي: «طَالِبِينَ لَيْلاً وَنَهَارًا أَوْفَرَ طَلَبٍ، أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ، وَنُكَمِّلَ نَقَائِصَ إِيمَانِكُمْ» (1تسالونيكي 10:3).

«فَقَالَ لَهُمْ: هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ» (مرقس 29:9). الصَلاة هي قُوّة دَفع الإيمَان، بل هي أشبَه بِوقود للإيمَان، تَزيده نَموّاً وَحَرارة، ورُبّما لم يصلوا بِسبب غِياب المَسيح، أو لِزِحَام الجَمَاهِير أو لِكُثرِة الحِوار وَالمُجادَلات مَع الكَتَبة، أو اتكلّوا عَلى السُلطَان المُعطَى لَهُم مِن قَبل، فَظَنّوا أنهم لا يَحتَاجون لِشَيء آخَر. هل هَذِه هِي نَفس الأسبَاب التي تُضعِف روح الصَلاة في خِدمِة الكَثيرين؟

«وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ» (متّى 21:17). هَل نَقول ضعف أم غِياب الصَوم. الصَوم هو الانقِطاع التام عَن الطَعام، لِيَقتَرِن الوَقت بِالصَلاة مَع الصَوم، وهَكذا يَتسَلّح المؤمِن لِلنُصرة عَلى كُل روح شِرّير. لَقَد كَان التَلاميذ في مَوقِف غَريب، أشبَه بِجُندي يَخرُج لِلحَرب بِدون سِلاح، إنهم يُكرّرون مَوقِف شَمشون عندما قَالَت له دليله: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ. فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: أَخْرُجُ حَسَبَ كُلِّ مَرَّةٍ وَأَنْتَفِضُ. وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَارَقَهُ» (قضاة 20:16).

في ضُوء هَذَا الحِوار نَحتَاج إلَى شَجاعة التَلاميذ، في وَقت فَشَلنا واحتِياجنا، نَأتي إلَى المَسيح، وَنَقدِر جِدّاً تَقييمه لِضَعفِنا، وَقُدرَتِه لِتَسديد احتِياجاتنا.