العودة الى الصفحة السابقة
شفاء الاعمى

شفاء الاعمى

جون نور


في إنجيل يوحنا الأصحاح التاسع:

«1 وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَاناً أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، 2 فَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ: «يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هٰذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟» 3 أَجَابَ يَسُوعُ: «لاَ هٰذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لٰكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اٰللّٰهِ فِيهِ. 4 يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ اٰلَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. 5 مَا دُمْتُ فِي اٰلْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ اٰلْعَالَمِ». 6 قَالَ هٰذَا وَتَفَلَ عَلَى اٰلأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ اٰلتُّفْلِ طِيناً وَطَلَى بِاٰلطِّينِ عَيْنَيِ اٰلأَعْمَى. 7 وَقَالَ لَهُ: «اٰذْهَبِ اٰغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ». اٰلَّذِي تَفْسِيرُهُ مُرْسَلٌ. فَمَضَى وَاٰغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيراً» (يوحنا 1:9 – 7).

أجرى الرب مُعجِزات كَثيرة، وبِمُعجِزاته كان يُسدّد احتِياجات الناس. احتِياج المريض لِلشِفاء والأبرص لِلتطَهير، والأعمى للبصر والميّت لِلقِيامة. وكانت المُعجِزات أيضاً إعلاناً بأنّه هو المَسِيّا، وواحدة من علامات المَسِيّا في أيّامه وعلى يَديه «اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ» (متّى 5:11). وكان الرب أحياناً يستخدِم مُعجِزاته لِيُعلِن عَن الحَقّ.

هذا الإنسان الذي وَردت قِصّته في (يوحنا 9) لم يصبح أعمى، بل وُلِدَ أعمَى فهو في حَياته لم يَرَ النور، لم يَرَ الطَبيعة من حَوله يوماً، لم يَرَ أحداً مِن أقرِبائِه أو أصدِقائِه. كَانَت حَياته بِلا شَك مَأساة.

تَقدّم التَلاميذ إلى يَسوع وَسَألوه: «مَنْ أَخْطَأَ: هٰذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟» ومع أن السُؤال جَاءَ مِن التَلاميذ إلاّ أنه يَحمِل في طَيّاتِه مَجموعة مِن الأخطاء:-

سُؤال التَلاميذ يَظهر أنهم يَربطون بَين الخَطِيّة والألم، فعمَى ذلك الإنسان لا بُدّ أن يَكون نَتيجة لِخَطِيّته هو أو لِخَطِيّة وَالِدَيه. وكان هذا الفِكر مُنتَشِراً بَين اليَهود وقَد وَجَدوا في كلمة الله في العهد القديم سَنَداً لِما يَعتَقِدون (خروج 5:20): «أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ».

لَقَد تَقدّم التَلاميذ بِسُؤالِهم إلى يَسوع: «مَنْ أَخْطَأَ: هٰذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟».

يَتضِح مِن إجابِة المَسيح أنه لَم يَربُط بين الخَطِيّة والألم بِكَيفِيّة مُحَدّدة، أو أن الألم يُصيب الإنسان نَتيجة خَطايا خَاصّة. فمع أن كُل البَلايا وحتى المَوت دخلت إلى العَالم من الباب الذي دخلت منه الخطية، إلى أن المسيح في جوابه لم ير هذه العلاقة المُؤكدّة بين الخَطِية والمرض التي كان يَراها اليَهود. إلاّ أننا نَستَطيع أن نَقرأ بَعض الحَقائِق الهَامّة في جَواب المَسيح: «لاَ هٰذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لٰكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اٰللّٰهِ فِيهِ».

بِالطَبِع لَم يَقصُد المَسيح أن ذلك الرجل الأعمَى لَم يُخطِئ، وَكذلك أبويه، لم ينف الرب عنهما تُهمة ارتِكاب الخَطِيّة، فهم ككل البشر «الجَميع أخطَأوا» لكنه قصد أن يُنفي العِلاقة بَين مَرَضِه وبين خَطِيّته أو خَطِيّة وَالِدَيه. فَالمَسيح يُؤكِدّ أن العَمى في حَياة هَذا الإنسان بِصِفة خَاصّة والألم في حَياة المؤمنين بِصِفة عَامّة هو «لأجل مَجد الله». قَال المَسيح عَن الأعمى: «لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اٰللّٰهِ فِيهِ» (ع 4)، وهُنا يشهد أنه يعمل أعمال الذي أرسله. فاحتِياج الإنسان لعمل المُعجزة وشِفاء عينيه، وأن يرجع إليه بَصره تَزامن مَع رَغبِة المَسيح في شِفائِه، وهَذا الشِفاء واحد مِن أعمَال الله التي أراد المَسيح أن يُظهِرها. «يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي» (يوحنا 9: 4)، وبِهَذا يُعلِن المَسيح أن إرسالِيّته هي بِتَكليف من الآب السَماوي، وهو يَتَخِذّ مَوقِف الطَاعة وَالخُضوع لأبيه لكي يُتمّم أعمَاله « قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ» (يوحنا 34:4).

«أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ».

«وَأَمَّا أَنَا فَلِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا، هذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي» (يوحنا 19:5، 36).

أعلَنَ الرب: «مَا دُمْتُ فِي اٰلْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ اٰلْعَالَمِ» (ع 5).

وَالنور مِن الكَلِمات المِفتاحِيّة التي استَخدَمها البَشير يُوحَنا كَثيراً في إنجيلِه: «وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ. كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ» (يوحنا 5:1، 9).

«وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً» (يوحنا 19:3).

ثُمّ كَلّمهم يسوع أيضاً قائِلاً: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ» (يوحنا 12:8).

فَقَالَ لَهُم يسوع: «النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلاً بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ الظَّلاَمُ. وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ. أَنَا قَدْ جِئْتُ نُورًا إِلَى الْعَالَمِ، حَتَّى كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي لاَ يَمْكُثُ فِي الظُّلْمَةِ» (يوحنا 35:12، 46).

وَكَانَ الإعلان هُنا بِأنّه النور ليَتنَاسَب جِدّاً مَع احتِياج ذَلِكَ الإنسان الذي عَاشَ كُلّ حَياتِه في الظَلام، فَلَم يَرى النور، وَهَكذا بِشِفائِه أنَار المَسيح ظُلمَتَهُ. حتى نعيش في نور المسيح.