العودة الى الصفحة السابقة
الناموسُّي

الناموسُّي

جون نور


«25 وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ اٰلْحَيَاةَ اٰلأَبَدِيَّةَ؟» 26 فَقَالَ لَهُ: «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي اٰلنَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟» 27 فَأَجَابَ: «تُحِبُّ اٰلرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». 28 فَقَالَ لَهُ: «بِاٰلصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هٰذَا فَتَحْيَا». 29 وَأَمَّا هُوَ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ، سَأَلَ يَسُوعَ: «وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟» 30 فَأَجَابَ يَسُوعُ: «إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلاً مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا، فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ، فَعَرَّوْهُ وَجَرَّحُوهُ، وَمَضَوْا وَتَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ. 31 فَعَرَضَ أَنَّ كَاهِناً نَزَلَ فِي تِلْكَ اٰلطَّرِيقِ، فَرَآهُ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. 32 وَكَذٰلِكَ لاَوِيٌّ أَيْضاً، إِذْ صَارَ عِنْدَ اٰلْمَكَانِ جَاءَ وَنَظَرَ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. 33 وَلٰكِنَّ سَامِرِيّاً مُسَافِراً جَاءَ إِلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ، 34 فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ، وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتاً وَخَمْراً، وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُقٍ وَاٰعْتَنَى بِهِ. 35 وَفِي اٰلْغَدِ لَمَّا مَضَى أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ اٰلْفُنْدُقِ، وَقَالَ لَهُ: اٰعْتَنِ بِهِ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ. 36 فَأَيُّ هٰؤُلاَءِ اٰلثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيباً لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اٰللُّصُوصِ؟» 37 فَقَالَ: «اٰلَّذِي صَنَعَ مَعَهُ اٰلرَّحْمَةَ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اٰذْهَبْ أَنْتَ أَيْضاً وَاٰصْنَعْ هٰكَذَا» (لوقا 10: 25 – 37).

الرجل الذي أمامنا هو ناموسي بدون اسم، والبحث الدقيق في هذه القصة، يكشف لنا أنه كان مهتماً جداً، كما أنه كان شخصاً محترماً، بل يمكن أن نصفه بأنه كان ذا خلق عظيم، إلا في نقطة واحدة سنشير إليها في حينها.

والحقيقة البسيطة عن هذا الرجل أنه كان ناموسياً. وفي الإنجيل ثلاثة اصطلاحات مترادفة في تطبيقها على الأشخاص وهي الكتبة والمعلمون والناموسيون. وكلها تشير إلى نفس المركز أو الوظيفة. وفي زمن المسيح كان أولئك القوم يكوّنون نظاماً ثابتاً في حياة الشعب العبراني.

يمكننا أن نقول إن هذا الناموسي كان خبيراً في الناموس أو الشريعة. وكان عليه ثلاثة واجبات. الأول أن يدرس الناموس ويشرحه، والثاني أن يعطي تعليمات محددة عن الناموس وخاصة لشباب الأمة، والثالث أن يمارس وظيفة القاضي، وكان يُستفتى في مسائل الشريعة.

ومن هذا نرى أنه لم يكن إنساناً من عامة الشعب، ولكنه شخص تخصص في دراسة موضوع خاص، وهو شريعة العبرانيين كما سلَّمها لهم موسى. وكان الناموسيّ أيضاً يشرح بعض التقاليد التي كثرت في أيام المسيح. ويكفي هذا عن الرجل وعن مركزه.

وواضح أن هذا الرجل عندما تقدم إلى يسوع بسؤاله كان جاداً فيما يسأل كما يقول لوقا: «وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ». وهنا نقف لنفكر فيما تعنيه الكلمة «يجرب». وهي لا تعني أنه كان يحاول أن يمسك يسوع بكلمة، ولذلك يمكن أن نضعها هكذا: وإذا ناموسي قام ليمتحنه امتحاناً عسيراً. ولا يوجد ما يبرر أن هناك أية عداوة ظاهرة في هذه الحال. إنه كان يقدم سؤالاً، وجواب هذا السؤال يعلن فكر يسوع.

ونلاحظ أيضاً أن هذا الرجل كان يطلب الأعلى والأبقى: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ اٰلْحَيَاةَ اٰلأَبَدِيَّةَ؟».

وسؤاله يُظهره أنه كان شاعراً بقصوره: «مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ اٰلْحَيَاةَ اٰلأَبَدِيَّةَ؟» إنه لم يكن مكتفياً بحالته وبكل اختبارات هذه الحياة الأرضية. ولذلك فإننا نراه إنساناً غير مكتف، ويطمع في شيء أرفع وأسمى، فجاء إلى يسوع بسؤال الأسئلة هذا.

فأجاب يسوع على سؤاله قائلاً: «تُحِبُّ اٰلرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ».

وأما هو فإذ أراد أن يبرر نفسه قال ليسوعٍ: «ومن هو قريبي؟». وهو بذلك كان يتملص من الموقف. حاول أن يتحاشى الأمر عن طريق سؤاله «من هو الذي يعتبره قريباً له؟» وفي الواقع كان سؤاله رفضاً للتحدي الذي جاءه من جوابه على سؤال يسوع، ذلك الجواب الذي وافق عليه يسوع.

اتخذ يسوع مثل السامري وسيلة لإيضاح الحقيقة التي قصد أن يؤكدها لذلك الناموسي: رجل مجروح محطم طريح على قارعة الطريق، وإذا بكاهن يتطلع إلى ذلك الرجل ولكنه يتركه سريعاً. والشيء عينه حصل مع اللاوي. وكلا الرجلين، الكاهن واللاوي، لم يكونا قريبين للرجل الجريح المسكين. كلاهما رأى الرجل وعلم بحالته وحاجته ولم يفعل شيئاً. ثم جاء السامريُّ – ولم يسأل إن كان الرجل المطروح بين حي وميت هو قريبه؟ بل كان السؤال الضروري: هل السامريُّ قريب لذلك الرجل؟ وكان اليهود لا يعاملون السامريين، وكذلك السامريون لا يعاملون اليهود. ومع ذلك فقد تصرّف هذا السامري مع الرجل المسكين بدون اعتبار لهذا العداء أو هذه الحواجز والفوارق. إنه نسى كل هذه العوائق والعقبات أمام حاجة البشرية. ويقول عنه يسوع قولة، كثيراً ما قالها عن نفسه – «تحنن عليه». وهكذا عمل القريب مع إنسان في حاجة إليه. وربما كان هذا السامري عائداً إلى بيته، بعد أن قام بفروض العبادة في جبل جرزيم، ولكن شيئاً أعمق من مجرد تقديم فروض العبادة كان في نفس ذلك السامري، انه الحنان والعطف على الآخرين الذين هم في احتياج.

وبعد أن انتهى يسوع من القصة وجه سؤاله للناموسي:

«أَيُّ هٰؤُلاَءِ اٰلثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيباً لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اٰللُّصُوصِ؟» انه الشخص الذي استطاع أن يسكب من حنان قلبه على ذلك الجريح.

ومن جواب الناموسي على سؤال المسيح «اٰلَّذِي صَنَعَ مَعَهُ اٰلرَّحْمَةَ»، نراه يرتفع فوق كبريائه وتحامله، فبينما يعتقد أن ذلك السامري خارج العهد، فهو يعلن قلب القريب الحقيقي، قلب الرحمة والحنان.

وبذلك انتصر ربنا على ذكاء ذلك الناموسي، ومسَّ ضميره الأفضل، ضمير العطف والحنان، وجعله يقرُّ بأن إنسانً خارج العهد يمكن أن يكون قريباً. ثم تركه يسوع بقوله «اٰذْهَبْ أَنْتَ أَيْضاً وَاٰصْنَعْ هٰكَذَا».

وكان سؤال الناموسي الأول: «مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ اٰلْحَيَاةَ اٰلأَبَدِيَّةَ؟».

وقال له يسوع عن الوصايا «اِفْعَلْ هٰذَا فَتَحْيَا».

«مَنْ هُوَ قَرِيبِي؟» انه كل شخص يحتاج إلى عطفك وحنانك ومعونتك.

«ربي اكشف عن عيني، فأرى أقربائي في كل الذين يحتاجون إليَّ، وامنحني من عطفك وحنانك وحبك مما يجعلني أعطف وأحنو وأحب الآخرين كما أحببتني أنت».