العودة الى الصفحة السابقة
الإبن الضال

الإبن الضال

«أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي» (لوقا 18:15)

جون نور


اجتمع حول المسيح جمع كثير من العشارين والخطاة وكان ذلك جالباً للوم عليه من الكتبة والفريسيين. حيث يقول لوقا البشير: «فَتَذَمَّرَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالْكَتَبَةُ قَائِلِينَ: هذَا يَقْبَلُ خُطَاةً وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ!» (لوقا 15: 2). وإذا قصد المسيح إقناع هؤلاء الذين يتعقبونه للإنتقاد والتذمر قدم لهم في الأصحاح الفريد من نوعه في إنجيل لوقا والأصحاح الخامس عشر ثلاثة أمثال عبارة عن ثلاث لآلئ في عقد واحد لكل لؤلؤة جمالها الممتاز.

وهذه الأمثلة ترسم لنا صورة لألوان الخطاة المتنوعة المظاهر في الحياة.

فمثل الخروف الضائع الذي تكلم عنه يسوع يرينا غباوة الخاطئ لأن الخروف هذا أكثر الحيوانات غباوة ومثل الدرهم يرينا جمود الخاطئ الذي ضل وهو لا يدري ومثل الابن الضال الذي أراد أن يعيش بعيداً عن والده منغمساً في حياة الشر والخطية يرينا صورة واضحة للتمرد والعصيان في حياة البشر.

موضوع حلقتنا اليوم من أسماء وأحداث في الكتاب المقدس فيدور حول المثل الأخير الذي تكلم به يسوع وهو مثل الابن الضال.

تُرى لماذا خرج هذا الابن من كنف والده. ماذا كان ينقصه. لقد كان أبوه غنياً. ما هو الدافع وراء كل هذا. هذا ما يريد الرب أن يظهره لنا في هذه الكلمات.

لقد خرج لأجل الحرية: دائماً يصوّر الشيطان للإنسان الخاطئ أن بيت الآب فيه قيود إذا تأخر حاسبوه. توجد رقابة على تصرفاته. وهذا ما يصوّره الشيطان للإنسان. والحقيقة أن الحرية الحقيقية هي عند الرب. إذ مكتوب: «إِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يوحنا 8: 36). الرب يحرّر من الخمر.. ومن القمار. ومن العادات الرديئة. ومن الجلسات الشريرة. وهنا فقط الحرية الحقيقية.

لقد خرج هذا الشاب لأجل المتعة: خرج لأجل إرضاء أصدقاء السوء.

«فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (1كورنثوس 15: 33). والذباب الميت ينتن طيب العطار. وخاطئ واحد يفسد خيراً جزيلاً. أخي تحذر من أصدقاء السوء. وتحذر من أول كأس. وأول سيجارة. وأول ذهاب إلى بيت الشر واعلم أن وراء هذا الخراب والدمار.

لا بد أننا نعرف من سياق القصة أنه ولا بد حينما خرج الابن كان نظيف الثياب. وتلك إشارة إلى حياة القداسة التي يجب أن يحياها أولاد الله. ولكنه التصق بالأشرار. وأصبح جائعاً. وبذر ماله بعيش مسرف. وأصبح بلا كرامة.

ماذا تنتظرون من إنسان يترك بيت الله كان ولا بد أن يلتصق بالأشرار. إن الإنسان في بيت أبيه تحت رعاية وعناية.

أنا أتخيل أن هذا الإنسان. جلس وتأمل في المنظر الذي أمامه؟ ماذا رأى. لقد رأى الخنازير. وربما سأل نفسه هذا السؤال. هل لو كنت في بيت أبي ماذا كنت أرى. أرى الحديقة. أرى الورود. أرى المناظر الجميلة. ثم أشم الرائحة الطيبة إلا أني الآن أشم رائحة الخنازير.

حينما وصل إلى هذا الحد من التفكير جعله هذا يفكر في الرجوع والتوبة. قال أقوم وأرجع إلى أبي. يقول الكتاب المقدس فقام وجاء إلى أبيه. كانت توبة صادقة. توبة حقيقية ليست من الشفتين بل من القلب.

رجع هذا الشاب متسخ الثياب. ملابسه قذرة... لقد كان منظره غريباً تغيّر كل شيء فيه. حتى أن الذي يراه يكاد لا يعرفه - هل هو هذا ابن الرجل الغني. وكأن الذي يراه لا يصدق ولا يعترف بأن هذا الابن هو بذاته الذي خرج من بيت أبيه.

لكن دعونا نذهب بمخيلتنا إلى الآب وكيف كان استقباله لذلك الابن، يقول لنا الكتاب بأن الآب كان في انتظاره وركض إليه. وقع على عنقه وقبّله.

دعونا نسأل الآب هل ما زلت تنتظره. هل ما زلت تحبه؟ الآب حينما رأى ابنه لم يحتمل الانتظار ركض إليه. لم يتمالك عواطفه إنه كان ينتظره فكيف ينتظر الآن وهو قد رآه أمام عينيه إنه يقول هل هذا حلم أم حقيقة. ونرى بعد ذلك أن الابن بعد رجوعه ألبسه الأب الحلة الأولى. ووضع خاتماً في يده، وحذاء في رجليه وعمل له وليمة عظيمة.

الحلة التي فقدها في الكورة البعيدة هذه الحلة تشير إلى ثوب المسيح الذي نسجه على الصليب الذي به نتبرر أمام السماء. والخاتم هنا إشارة إلى البنوية كأن الآب يعترف أنه ما زال ابناً والابن وارث. ونحن ورثة. «وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ» (رومية 8: 17 و1بطرس 1: 4).

إن كل شيء نفقده في الكورة البعيدة، ونحن بعيدين عن الرب مستعد الرب أن يعطينا غيره. المهم إننا نرجع ونتوب.

لأن السماء تفرح «بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ» (لوقا 15: 7).

صدقوني أعزائي أن الرب سوف يفرح بنا حينما نرجع ونتوب والملائكة أيضاً وكذلك المؤمنين. هل ترجع إليه إنه في انتظارك. قم الآن. اذهب إليه. سوف يفرح بك لا تؤجل. لا تقسي القلب. لا تتكبر. اقبل إليه. إنه يناديك باسمك فاقبل إليه لأنه هو القائل «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا» (يوحنا 6: 37).