العودة الى الصفحة السابقة
خادم الملك

خادم الملك

جون نور


«46 فَجَاءَ يَسُوعُ أَيْضاً إِلَى قَانَا اٰلْجَلِيلِ، حَيْثُ صَنَعَ اٰلْمَاءَ خَمْراً. وَكَانَ خَادِمٌ لِلْمَلِكِ اٰبْنُهُ مَرِيضٌ فِي كَفْرَنَاحُومَ. 47 هٰذَا إِذْ سَمِعَ أَنَّ يَسُوعَ قَدْ جَاءَ مِنَ اٰلْيَهُودِيَّةِ إِلَى اٰلْجَلِيلِ، اٰنْطَلَقَ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ وَيَشْفِيَ اٰبْنَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفاً عَلَى اٰلْمَوْتِ. 48 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ!» 49 قَالَ لَهُ خَادِمُ اٰلْمَلِكِ: «يَا سَيِّدُ، اٰنْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ اٰبْنِي». 50 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اٰذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ». فَآمَنَ اٰلرَّجُلُ بِاٰلْكَلِمَةِ اٰلَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ، وَذَهَبَ. 51 وَفِيمَا هُوَ نَازِلٌ اٰسْتَقْبَلَهُ عَبِيدُهُ وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: «إِنَّ اٰبْنَكَ حَيٌّ». 52 فَاٰسْتَخْبَرَهُمْ عَنِ اٰلسَّاعَةِ اٰلَّتِي فِيهَا أَخَذَ يَتَعَافَى، فَقَالُوا لَهُ: «أَمْسٍ فِي اٰلسَّاعَةِ اٰلسَّابِعَةِ تَرَكَتْهُ اٰلْحُمَّى». 53 فَفَهِمَ اٰلأَبُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ اٰلسَّاعَةِ اٰلَّتِي قَالَ لَهُ فِيهَا يَسُوعُ إِنَّ اٰبْنَكَ حَيٌّ. فَآمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ» (يوحنا 4: 46 – 53).

كان هذا الرجل، الذي لا نعرف اسمه، أحد رجال الملك الذين يخدمون تحت سلطته. وكل ما نعرفه عنه لا يتعدى ما جاء في قصته التي لا تزيد على الثمانية أعداد (يوحنا 4: 46 - 53). وتكثر التخمينات حول هذا الرجل، فيقول عنه البعض إنه كان خوزي زوج يونا ووكيل هيرودس (لوقا 3:8) نذكر هذا كإشارة عابرة فحسب. والذي نعرفه تماماً عن هذا الرجل انه كان متصلاً بالقصر الملكي، وهو قصر هيرودس انتيباس الذي كان يتمتع بلقب ملك، مجاملة من السلطات الرومانية.

ولا شك أن رجلا كهذا كان يملك بدوره سلطة يمارسها في عمله، فتعوّد أن يستجيب الذين تحت يده إلى مطالبه وأن يلبوا أوامره.

لننظر إلى الرجل نفسه، إلى خادم الملك، وهو يقف أمام يسوع لنرى طريقة العلاج التي استعملها معه.

والمسيح يعالج هذا الرجل بطريقة لم نتعودها فيه. ومع ذلك فقد أتت بنتيجة مجيدة، فإن الرجل نفسه آمن ومعه كل بيته.

وأول شيء يبرز في حياة هذا الرجل أنه كان ذا قلب كبير. فهو يقوم بمغامرة يائسة لأجل غلامه المريض الذي كان مشرفاً على الموت. جاء من كفر ناحوم إلى قانا يطلب يسوع. وهذه الرحلة لا تقل عن خمسة وعشرين ميلاً. ولكنه لم يتوان في القيام بهذه الرحلة لأن ابنه المشرف على الموت كان يساوي أعظم ما في العالم كله.

ونقول إن هذا الرجل قام بمغامرة لأنه لم يكن متحققاً إن كان يسوع يقدر أن يعمل له أي شيء، وذهب إلى يسوع كما يفعل أي أب آخر عندما يصل ابنه إلى حافة الموت، ولا يستطيع الأطباء البشريون أن يفعلوا شيئاً، فهو يتجه إلى أي شخص يسمع عنه أنه قادر على الشفاء. قال له يسوع «لا تؤمنون إن لم تروا آيات وعجائب». وبهذا كشف يسوع عن حقيقة موقف الرجل الذي يشترك فيه مع آخرين أيضاً. ومع أنه لم يعرف أن يسوع يستطيع أن يعمل له شيئاً، ولكنه غامر لما سمع أن يسوع شفى آخرين. وفي شدة حزنه وفي حبه المجروح بسبب حالة ابنه، جاء إلى يسوع.

ولما سمع جواب يسوع لطلبه قال له: «يَا سَيِّدُ، اٰنْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ اٰبْنِي». فهو لا يريد أن يقف موقف الجدل ويدخل مع يسوع في نقاش حول ما قاله. وكأني به يقول ليسوع «مهما كانت حالتي، ومهما كان تفكيري، فإن كان هناك أي أمل لابني، فانزل قبل أن يموت».

وإذ نحدق النظر في هذا الرجل نجده رجلاً شجاعاً.

فلما قال ليسوع «اٰنْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ اٰبْنِي » أجابه يسوع – «أنا لا أذهب بل اذهب أنت ابنك حيٌ». وهنا حدث شيء في نفس هذا الرجل جعله يطيع الكلمة في الحال. إن اقتناعاً جديداً أمسك بالرجل وجعله يطيع، وبدون تردد ترك يسوع ومضى. وفي طريق عودته إلى بيته استقبله عبيده وأخبروه قائلين «اٰبْنَكَ حَيٌّ». وبهذا وجد الرجل تأييداً لكلمة يسوع له. ولزيادة التأكيد سألهم عن الساعة التي فيها أخذ يتعافى. فقالوا له: أمس في الساعة السابعة تركته الحمى. أي أنه شفى تماماً. فآمن الرجل إيماناً أكمل، وأنضم إليه كل أهل بيته. وصار خادم الملك هذا تلميذاً للمسيح، وانتقل إلى حال أخرى حيث صار خادماً لملك جديد في مملكة جديدة.

لما جاء خادم الملك يطلبه، أعلن له حالة النقص في موقفه منه. ولما قال الرجل إنه لم يكن على استعداد أو بالحري لم يكن المجال متسعاً لبحث نفسه أو موقفه، بل هو في حاجة إلى معونة سريعة «انزل قبل أن يموت ابني»، أجابه يسوع قائلاً «كلا أنا لا أنزل اذهب. ابنك حيُّ». فوضع عليه أمراً حتمياً كأمر الملك. اذهب. أنت تطلب آية وسأعطيك الآية، ولكن بعد أن تصدق كلمتي وتعمل بها بدون الآية. ومضى الرجل إذ آمن بالكلمة.

وهكذا نرى الطبيب العظيم يسوع يظهر الرجل على حقيقته، ثم يخلق له الفرصة ليرتفع إلى مستوى عالٍ من الطاعة والتسليم لكلمته.

ونرى أن يسوع شفى ابن خادم الملك وهو في البيت بعيداً عنه. فالمسافة لم تكن مانعاً في سبيل وصول قوة يسوع الشافية إلى الولد المريض.

ولم يكن من الضروري أن ينزل يسوع حتى لا يموت الغلام. وكان على الرجل أن يقبل هذا، وقبله فعلاً فتمت المعجزة وأعطيت الآية.

وفي هذه القصة الصغيرة نجد بعض الحقائق العظيمة:

الحقيقة الأولى هي أنه حين يجيء إنسان إلى يسوع المسيح فهو يجيء إلى شخص يعرف عنه كل شيء، فقد كان خادم الملك رجلاً كباقي رجال يومه، كان يطلب آية ليؤمن، وأعلن له يسوع أنه عرف عنه هذا الأمر.

والحقيقة الثانية هي أن يسوع بعد ما يوقف الإنسان وجهاً لوجه أمام حقيقة نفسه، يضع عليه أمراً لكي تعتمد طاعته على الإيمان حتى بدون آية. وتختلف الأوامر حسب حاجة الفرد. وفي حالة هذا الرجل كان الأمر يعني السفر والعودة مسافة خمسة وعشرين ميلاً. وطبيعة الأمر الذي يعطيه المسيح لشخص ما قد لا يكون معلوماً إلا عند هذا الشخص وحده. وفي حالة الشاب الغني قال له يسوع «اذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ... وَتَعَالَ اتْبَعْنِي» (متّى 19: 21). وهو لا يقول هذا الكلام، ولا يعطى هذا الأمر لكل إنسان.

وهذا المبدأ ينطبق على كل رجل أو امرأة يجيء إلى المسيح ويقف أمامه وجهاً لوجه. فهو يؤنب النقص الذي يعرفه في الإنسان، ولكنه في الوقت ذاته يخلق له الفرصة ليتغلب على هذا الضعف، ويرتفع إلى مستوى الحياة السامي. كما أن يسوع يدعو النفس دائماً إلى المغامر على هذين الأساسين العظيمين: كلمته وشخصه.

والحقيقة الثالثة هي الطاعة كما تظهر في حالة خادم الملك، والمسيح في معاملاته لنا وفي علاجه نقصاتنا وأخطائنا، قد يستعمل مشرطاً حاداً يصل إلى أصول المرض، ولكن هذا يتبعه الشفاء الأكيد، الذي يزيل كل اضطراب ويقود إلى معرفة الحياة، معرفة تامة والتمتع بها تمتعاً كاملاً.