العودة الى الصفحة السابقة
نثنائيل

نثنائيل

جون نور


يجمع الشرِّاح وعلماء الكتاب المقدس على أن نثنائيل وبرثاليماوس هما اسمان لشخص.

و«برثاليماوس» كلمة آرامية معناها «ابن الحارث». وقد ذكر اسمه في قائمة الرسل، لا نجد في رواية الإنجيل قصة عن هذا التلميذ غير التي سأذكرها في هذه الحلقة. وقد ذكر اسمه مرة أخرى، في الفصل الأخير من إنجيل يوحنا كواحد من السبعة الذين ظهر لهم المسيح بعد قيامته في ذلك الصبح المأثور، وهم يصطادون في بحيرة طبرية.

والقصة التي تروى عنه تلقى ضياء لامعاً على أخلاق الرجل وصفاته، ومبلغ تقدير المسيح له، وإعجابه به. ولعلَّه الوحيد بين التلاميذ الذي يمتدحه المسيح من أول لقاء، ويخلع عليه لقباً تاريخياً، يجعله في مصاف النبلاء الأتقياء. ذلك لأن القصة تقول أن فيلبس جاء به إلى يسوع، فلما رآه السِّيد قال عنه على مشهد من المخَاطب ومن الآخرين الواقفين معه: «هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقًّا لاَ غِشَّ فِيهِ» (يوحنا 1: 47).

ويكاد يكون يقيناً أن أندراوس وأخاه سمعان، ويوحنا وربما أخاه يعقوب وفيلبس، وغيرهم كانوا بين الحاضرين.

ونحن لا نعرف شيئاً من تاريخ نثنائيل. لا نعرف مَن كان أبوه، ولا مَن كانت أمه. ولكن قيل أنه كان من قانا الجليل. والعبارة التي قالها عنه يسوع تشمل وصفين، يقترن أحدهما بالآخر – الأول «هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ» والثاني «حَقًّا لاَ غِشَّ فِيهِ».

كان يسوع كريماً مغدقاً في الاعتراف بما لهذا الإنسان من فضل. فهو لم يقل أنه خاطئ مع أنه كان بلا شك خاطئاً، لأن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. إنما اعترف له بأمانته وإخلاصه على قدر النور الذي تكشَّف له، ولأنه كان عائشاً حياة الخضوع والاستسلام لطاعة الله وأحكامه، إذ يقول بعد ذلك: «حَقًّا لاَ غِشَّ فِيهِ».

وهنا نقف هنيهة لنلقي نظرة إلى الدليل الذي يؤيد هذا الوصف: فحين أقبل فيلبس إلى نثنائيل وقال له، لقد وجدنا من كتب عنه موسى والأنبياء، أجاب بقول خال من المكر والغش «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» (يوحنا 1: 46). ذلك أن الناصرة اشتهرت في ذلك الزمن بفسادها وإثمها. وهي واقعة على سفح تلّ يلامس الطريق العام الذي سارت فيه جنود الرومان وتجار السلع، فكان هؤلاء وأولئك يبيتون الليالي فيها، ويرتكبون فعالا من الفجور والإباحية. هذا هو الذي قصده نثنائيل، وسؤاله مبطن بسلامة الطوية، يواجه الحق دون مواربة، بلا غش ولا مكر: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟».

لقاءه بالمسيح، أضاء له شعلة الرجاء، وأعداً إياه أنه ستُكشف له طيات المستقبل اختبارات أعمق وأعظم..

في كلمات قلال روى يسوع لنثنائيل أسراراً وعجائب، قوَّت إيمان الرجل، ومكّنت محبته منه، وزادت ولاءه له. لذلك كان بين الذين اختارهم يسوع رسلاً له في المستقبل. وفي المشهد الأخير يظهر اسمه بين الصحابة على بحيرة طبرية، وهو يراقب السيد يهتُّم بالصيد، ويعد الضرورات الجسمانية للتلاميذ الكادحين المكدودين، ثم يسمعه مرة أخرى يؤيد دعواه التي طالما سمعوها منه، ويعهد إليهم برعاية شعبه.

يا ترى ما مغزى قصة هذا التلميذ لنا في هذا العصر؟ قد يكون لنا أصدقاء تحلوا بكثير من جميل الخصال، والمؤهلات. ولكن ينقصهم شيء ما. ومهمتنا أن نقول لهؤلاء ما قاله فيلبس لنثنائيل: «تعالوا وانظروا»... ونفعل هذا ونحن موقنون أن السيد يعرفهم تماماً قبل أن ندعوهم، وإن لهم عنده مكاناً. والإنسان قد يكون وحيدا مستوحشاً في مدينة كبرى، وفي وسط جماهير غفيرة. وحينما تجيء بمثل هذا إلى المسيح، إنما تجيء به إلى من يعرفه كفرد في مجموع، وكإنسان مفرد بين الناس. ذلك لأن المسيح لا يُعني بالإنسانية كجماعات، ولكنه يُعني بها أفراداً، فكل إنسان – مهما وضع وصغر – عزيز عليه.

إن كلمات يسوع لنثنائيل لتنبئنا بأن تجسد ابن الله هو أساس الصلة بين الله والإنسان. لقد قال له نثنائيل «أنت ابن الله». أما هو فقال عن نفسه «ابن الإنسان»...

فهو ابن الإنسان القريب إلى إنسانيتا، وهو ابن الله المتصل بالألوهية منذ الأزل في السماء وهو اليوم يجيء للبشر ليوسع آفاق رواهم، ويحقق آمالهم وأحلامهم، ويتوج حياتهم بالهبات والنعم بأيدي الملائكة الصاعدة والنازلة؟

وتقول التقاليد إن هذا الرسول انطلق إلى الواحات، ومعه بطرس. وبعد أن أدخله بطرس إلى المدينة بحيلة، إذ باعه كعبد وعاد هو من حيث أتى. وأخذ برثولماوس يبشر أهل الواحات ويدعوهم إلى معرفة الحق، وهو يعمل في الكرم كعبد مع سيده الذي اشتراه. ومن هناك تلقى هاتفاً سماوياً أن يمضي إلى بلاد البربر مع أندراوس تلميذه الذي آمن على يديه، وبقي الاثنان يجاهدان بين تلك القبائل، على كثرة ما كان فيها من عناد وشر، حتى قبلوا دعوتهما، ودخلوا في دين المسيح، فأقاما لهم كهنة وبنيا كنائس. ومن هناك مضى برثولماوس وحده إلى البلاد التي على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، إلى قوم لا يعرفون الله، فنادي فيهم وجاء بهم إلى الإيمان بيسوع المسيح، وكان يأمرهم بالطهر والعفاف والابتعاد عن المنكرات والفجور. وانتهى أمره إلى أغريباس الملك فحنق عليه، وأمر أن يضعوه في كيس من شعر، ويملأها رملاً، ويطرحوه في البحر ففعلوا به كما أمر الملك.