العودة الى الصفحة السابقة
كرنيليوس

كرنيليوس

جون نور


«كَانَ فِي قَيْصَرِيَّةَ رَجُلٌ اسْمُهُ كَرْنِيلِيُوسُ، قَائِدُ مِئَةٍ مِنَ الْكَتِيبَةِ الَّتِي تُدْعَى الإِيطَالِيَّةَ» (أعمال 1:10).

كانت البنت الصغيرة التي تبلغ الثالثة من عمرها تركب سيارة أجرة مع أمها، وكان سائق السيارة رجلا زنجياً، ونظرت البنت البيضاء إلى الرجل، وقالت لأمها: «لماذا يا أمي هذا الرجل أسود!!؟» وارتبكت الأم وأرادت أن تتفادى ما سببه كلام ابنتها من الحرج، فقالت لصغيرتها: «إن الله يا ابنتي يصنع الناس، كما يصنع الزهور في الحدائق بألوان مختلفة، بعضها أسود، وبعضها أبيض، وبعضها أصفر، وجمال الحديقة يظهر في تنوع الزهور واختلاف ألوانها... وكلما اختلفت الألوان وتعددت كلما كان المنظر أبهى وأجمل!!...» وعندما نزلت الأم وابنتها من السيارة، قال السائق للسيدة: «يا سيدتي عندما تكبر ابنتي، وتستطيع أن تسألني ذات السؤال: لماذا يخلق الله أناساً مختلفي الألوان، فلن يكون هناك جواب أفضل من الجواب الذي استمعت إليه الآن منك!!»...

عندما نقرأ قصة كرنيليوس، يمكن أن نتطلع إلى حديقة الله، ونحن نرى أجمل الزهور من الأمم التي نبتت في أرضها. إن القصة من أولها إلى آخرها ليست بحث كرنيليوس عن الله، بل بحث الله عن كرنيليوس.. كان كرنيليوس من الكتيبة التي تُدعى الإيطالية، وهي واحدة من أشهر كتائب الرومان، وفي توزيع هذه الكتائب، كان يمكن أن تذهب هنا أو هناك بعيداً عن أرض إسرائيل، وبعيداً عن أية معرفة ممكنة عن الديانة اليهودية، أو المسيحية التي ربما سمع عنها كرنيليوس في ظهور حركتها الوليدة، وشمسها التي بزغت على أرض فلسطين.. غير أن ريح الله دفعت الرجل إلى هناك ليتنسم رائحة الحق الإلهي للمرة الأولى ويرى شعاعات النور تبزغ في وقت اشتد به القلق الفكري بحثاً عن الله في كل مكان، كان هذا الرجل قد زرع البذار في بيته وجنده وأصدقائه فهو «خَائِفُ اللهِ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ» (أعمال 2:10)، وهو يكلف اثنين من خدامه وعسكرياً تقياً بالذهاب إلى بطرس، وعندما ينتظره يجمع «أَنْسِبَاءَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ الأَقْرَبِينَ» (أعمال 24:10) مما يبين مدى تعمق إحساسه بالله والشركة معه. ولم يكن تدينه نظرياً فحسب بل كان «يَصْنَعُ حَسَنَاتٍ كَثِيرَةً لِلشَّعْبِ» (أعمال 2:10)... كان الرجل أممياً، مما جعل دخول بطرس إلى بيته ليس أمراً غير مألوف فحسب، بل نقطة الشكاية والخصومة بين بطرس والذين من أهل الختان! إذ قالوا: «إِنَّكَ دَخَلْتَ إِلَى رِجَال ذَوِي غُلْفَةٍ وَأَكَلْتَ مَعَهُمْ» (أعمال 3:11).

من الثابت أن الكرازة بالصليب ليست عمل الملائكة، بل هي عمل الخطاة الذين تمتعوا بالخلاص، يسعون كسفراء عن الله ينادون بكلمة الخلاص بدم المسيح وكفارته الكاملة الكافية للخلاص. لقد ترك الملاك لبطرس الكرازة بالخلاص. وذلك شرف ما بعده شرف لجميع المؤمنين الذين صار من واجبهم أن ينادوا به للآخرين، ليذوقوا أيضاً معهم حلاوته الفائقة!!... «يُبَشِّرُ بِالسَّلاَمِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ رَبُّ الْكُلِّ. يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ وَنَشْهَدَ بِأَنَّ هذَا هُوَ الْمُعَيَّنُ مِنَ اللهِ دَيَّانًا لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ. لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا»... (أعمال 10: 36-43). كان كرنيليوس – حتى لحظة الإيمان بغفران الخطايا باسم المسيح – ممتلئاً، هو والذين معه ممن يستمعون إلى بطرس، من هامة الرأس إلى أخمص القدم بالشر والإثم والخطية، فلا نجاة لمخلوق إلا «كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال 10: 43). على أن الدرس الآخر الذي بوغت به بطرس والآتون معه هو أن الخلاص ليس لليهود وحدهم بل للأمم أيضاً، ولم يكن من السهل على بطرس أن يستوعب هذا الدرس، وظلت الكنيسة لمدة عشرة أعوام من يوم الخمسين حتى تجديد كرنيليوس بعيدة عن إدراك هذه الحقيقة حتى رآها بطرس في رؤيا الملاءة العظيمة المربوطة والمدلاة إلى الأرض والتي تمتلئ بكل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء النجسة حسب المفهوم والشريعة اليهودية، والتي نزلت من السماء أمامه على الأرض لتعلن أن هناك عنصراً إلهياً سماوياً في القصة كلها، وأن التطهير ووحدة الجنس البشري هما عمل يسوع المسيح الذي جاء ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد!

أليس من المؤسف أنه إلى اليوم ما يزال الكثيرون ممن ينتسبون إلى الكنيسة عاجزين عن إدراك هذه الحقيقة وهم يقيمون حواجز الجنس أو اللون أو الثقافة أو الاجتماع أو ما أشبه من حماقات لا يمكن أن تلتقي بتاتاً مع روح المسيح وصليبه ومبادئه.

قال الصادق الأمين: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (يوحنا 14: 6)، هكذا كان لكرنيليوس، وقد رأيناه يعطيه الصورة الواضحة للطريق إلى الله، ورأيناه يجلو الحق تماماً أمام عينيه في الصليب بكرازة بطرس، ثم رأيناه آخر الأمر يباغت الجميع بالحياة التي أعطاها لكرنيليوس ومن معه أثر هذه الكرازة بحلول الروح القدس. كان كرنيليوس وثنياً يعيش في ظلمات الوثنية وأغلالها، حتى حرره يسوع المسيح، الذي قال: «وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ» (يوحنا 32:8). ولم يعطه الحرية فحسب، بل أعطاه المساواة أيضاً أو على حد قول بطرس نفسه: «فَإِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَعْطَاهُمُ الْمَوْهِبَةَ كَمَا لَنَا أَيْضًا بِالسَّوِيَّةِ مُؤْمِنِينَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فَمَنْ أَنَا؟ أَقَادِرٌ أَنْ أَمْنَعَ اللهَ؟» (أعمال 17:11). وأعطاهم أيضاً الإخاء في ذاك الذي «نَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا» (أفسس 2: 14 و15)!

يسوع جاء لكل أمة وقبيلة ولسان فلا تضيع فرصة قبوله رباً ومخلصاً لحياتك.