العودة الى الصفحة السابقة
وَكيل الظُلم

وَكيل الظُلم

جون نور


«أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ وَكِيلاً بَعْدُ» (لوقا 2:16).

«كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ لَهُ وَكِيلٌ!» (لوقا 1:16).

كَان الغَني يَترك أموالِه يُديرها وَكيله وكان هو يُقيم في المَدينة تَارِكاً حُقوله إطلاقاً تحت إشراف الوَكيل. بل كان في كَثير من الأوقات يترك البِلاد ويُقيم الجَانِب الأكبَر من السنة في مَدينة رومية عَاصِمة الإمبراطورِيّة!

وكان الوَكيل – في العادة – يتصرّف في مال سيّده تَصرّف المَالِك. يَستَولي على الجَانِب الأكبَر من المال ويُرسِل لِلسَيّد مَا يَفيض عَنه. وكان يُمكِن أن يَستَمرّ الحال هكذا لولا أن عيون الناس مَفتوحة وإن كَثيرين منهم يحسدون الوَكيل وَكثيرين تقع بينهم وبينه خصومة.

وبعض العمال الذين يضع الوكيل عليهم عقاباً ينتهزون الفرصة ويبلغون سيد المال عن سرقات الوَكيل. وقد وصلت بالفعل شكاوي لا عدد لها ضد الوَكيل ووصلت مع الشكاوي أسانيد كَافِيّة تَحكُم بِصِدق مَا اتَهموه بِه!!

ربما إنه لا يتناول إلاّ عشرة دنانير شهرياً مُرتّباً عن عمله ولكنه ينفق على بيته ما لا يَقلّ عن خَمسين شَهرِياً. وهو يُسافِر إلى المِصيف سنوياً ويُنفِق مِئات الدنانير. وقد زَوّج ابنه وابنته وأقام ولائِم يعجز كبار الأغنِياء عن إقامة مثلها. وله سَهرات خمر وقمار. ما أكثر ما ترك المائِدة بِخسارة عشرات المِئات من الدراهم فمن أين جاء بكل هذا؟؟

وتَأثّر صاحب المال بكل هذا فأرسل إلى الوَكيل يعزله من الوكالة ويطلب منه أن يعطي حساب وِكالته قائِلاً له أنه لا يقدر أن يكون وَكيلاً بَعد!!

ووقع الخَبر على الوَكيل وقوع الصَاعِقة. إنه لم يستعدّ لذلك اليوم، وإلاّ لادّخر جانباً من سِرقاته. ولكنه كان يعيش عيشة التبذير مطمَئِناً إلى أنه سيظل سَيّد المال فِعلاً. لكنه أخطأ الحِساب فها هو يَتعرّض لِتَرك الوِكالة... فماذا يَفعل؟

وها نحن نسمع هَمسات صدره وهو يُحدّث نفسه: «مَاذَا أَفْعَلُ؟ لأَنَّ سَيِّدِي يَأْخُذُ مِنِّي الْوَكَالَةَ. لَسْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُبَ، وَأَسْتَحِي أَنْ أَسْتَعْطِيَ» (لوقا 16: 3).

قيل أنه قصد بِقَوله لست أستطيع أن أنقب أنه لا يَستطيع أن يسرق. وقيل بل قصد أنه لا يستطيع أن يفلح الأرض. وسواء كان قصده هذا أو ذاك فإن مِعنى قوله إنه لا يجد باباً يَستَطيع أن يطرقه لكي يعيش العيشة الليّنة التي تَعوّد أن يَحياها!

واستمرّ الرجل يَتحدّث إلى نَفسِه وهو يُقلّب الأمور على مُختَلف وجوهها، ويَدرسها دِراسة مُستَفيضة. وقد كان رجلاً جم الذكاء فلم تفته نقط الضَعف في كثير من الآراء التي عرضت له. ولكنه أخيراً أشرق وجهه بابتسامة رِضاء وقال، قد علمت ماذا أفعل حتى إذا ما تركت العمل أجد مكاناً في بيوت الناس. ذلك أنه راجِع حِسابات الديون التي لِسَيّده عَلى كَثيرين من سُكّان الإقليم فكانت مَبلَغاً جَسيماً. لِماذا لا يَستَولي إذَن على جُزء من هذه الديون. إنه يَستَطيع ذلك إذا أتفق مع أولئك المدينين وهُم سَيقبلون ذلك لأنه ربح لهم على كل حال «وبارك الله في من نفع واستنفع» كَما يَقولون!!

وإذ ذاك دعا المدينين واحِداً وَاحِداً. فسأل أوّلهم كم عليك لسيدي وأجاب الرجل مئة بث زيت فقال خذ صكك ومزّقه واكتب بدلاً من المئة خَمسين. وبالطبع تُقسم الخمسون بين المدين والوكيل. وجاء الثاني وكان مديناً بمئة كرّ قَمح وتغيّر الصك إلى ثَمانين. وظل الوَكيل يُغيّر في صكوك الدين حتى اجتمع له من ذلك التغيير الشيء الكَثير. بالطبع فعل ما فعل بعد أن اتخذ الحيطة الكَامِلة حتى لا يقع تحت طائِلة القَانون.

وبلغ الأمر إلى السَيّد ولم يرقه بالطبع ما عمله وكيله من سرقة. ولكنه لم يستطع أن يَخفي إعجابه بِمهارته وحِكمته. فقد استطاع الوكيل أن يشغل مال الظُلم لِنَيل مكان في بيوت المدينين وفي مَالهم. وعِندَما يُسلّم حِسابه سَيَجِد له مَكاناً في بيوت الكَثيرين!

ألقى السَيّد هذه القِصّة ثم عَلّق عَليها بالقول: «إِنَّ أَبْنَاءَ هذَا الدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ فِي جِيلِهِمْ» (لوقا 16: 8). إنهم يَعملون على ضَمان مُستَقبلهم بخلاف أبناء النور الذين لا يُفكّرون في غَدهم كَثيراً!!

وقال السَيّد: «وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ، حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ» (لوقا 16: 9). و«مال الظُلم» تَعبير يَهودي عن المال إطلاقاً. وقَد جَاء مُرافِقاً لكلمة «الظُلم» لأنه لا يصل إلى الناس إلاّ في طَريق من عرق المظالم ومن دم المَظالِم. وقد نكون نحن أبرياء من مَظالِمه ولكنه يَظلّ بِالرُغم من ذلك مَال الظُلم!

وأوصَى السَيّد أن نُحوّل مال الظُلم هذا إلى ما يُساعِدنا على الدخول إلى المَظال الأبدية. فإذا ما خَزّنا المال هُنا فإنه سيستمرّ مَالاً جَامِداً نضطرّ أن نتركه هنا عندما يدعونا السَيّد إلَيه. أمّا إذا شَغلناه في إطعام الفَقير وكساء العريان وإغاثِة المَلهوف، فإنه يَتحوّل إلى رَحمِة وإلى مَحبّة وإلى خِدمة، وبهذه نستطيع الدخول إلى السماء ونُكوّن لنا بيوتاً خَالِدة هُناك.

ألم يقل السيّد لِلذين «عَن اليَمين، تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي، عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ... وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ!» (متّى 25: 34 – 40).

ليعطنا الرب أن لا تفنى حياتنا الأبدية بسوء استخدامنا لمال الظلم لأن الكتاب يقول لا تقدرون أن تخدموا الله والمال.